المعارضة التركية بين الانقلاب والانتخابات المبكرة

2020.05.13 | 23:43 دمشق

almardt_altrkyt.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ أيام قليلة تفاجأ جميع المتابعين للشأن التركي بجملة تصريحات من قادة في المعارضة التركية وتحديدا من حزب الشعب الجمهوري، وقد كانت التصريحات من حيث المحتوى تختلف عن الانتقادات المعهودة من المعارضة التركية حيث كانت تحمل رسائل مبطنة بقرب حصول انقلاب، ومن حيث التوقيت فقد جاءت خلال مكافحة الحكومة لأزمة فيروس كورونا الذي بدأ تفشيه في تركيا في مارس/آذار 2020.

وبشكل أكثر تفصيلا فقد حذر المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري ونائب رئيس كتلة الحزب في البرلمان أوزجور أوزال بطريقة غير مسبوقة موظفي الدولة الذين يعملون لصالح الحزب الحاكم بأن الحكومة القادمة سوف تحاسبهم، وطمأن الموظفين الآخرين الذين يخدمون الدولة على حد قوله. كما قال أوزال "إنهم سينهوا كل شيء يؤذي عظام أتاتورك في قبره".

ولم يقتصر الأمر على أوزال فقد شاركت جنان كفتانجي أوغلو رئيسة الحزب في إسطنبول فيما بدا أنها حملة منسقة بمحددات خطاب التغيير، حيث قالت إن تغيير نظام الحكم قادم سواء بانتخابات مبكرة أو بطريقة أخرى.

وقد أثار هذان التصريحان عاصفة من الردود من نواب في حزب العدالة والتنمية ومن مواطنين وشخصيات حزبية أخرى وقد كان هناك رد قوي من الرئيس أردوغان الذي وبخ أصحاب العقلية الانقلابية توبيخا شديدا حيث قال "إنه في كل نجاحاتنا اختارت المعارضة التفرق على الوحدة، وإنهم أصحاب عقلية مظلمة فاشية مليئة بالحقد دائما ضد الديمقراطية وضد الصناديق تتشبث بالانقلاب وتستند إلى الانقلابين، وأنهم بالرغم من درس 15 من تموز 2016 ما زالوا يصرون على الشيء نفسه ولذلك لن تفلح هذه العقلية، وأن الذي يقوم على الكذب والافتراء والانقلاب لا يمكن أن يكون سياسيا".

حاول كثير تفسير هذه التصريحات ولكن أغلب التفسيرات جاءت في سياق أن هذه التصريحات لا تعبر سوى عن استياء شديد من قسم متشدد من المعارضة التركية من النجاحات التي حققتها الحكومة التركية في إدارة أزمة فيروس كورونا حيث ارتفعت شعبية الحكومة حتى في الأوساط التي صوتت سابقا للمعارضة.

خشيت هذه الأصوات أن يستغل حزب العدالة والتنمية هذه الشعبية ويدعو لانتخابات مبكرة

وقد خشيت هذه الأصوات أن يستغل حزب العدالة والتنمية هذه الشعبية ويدعو لانتخابات مبكرة، ولكن هذا الأمر يتناقض مع عدة أمور منها ظروف الوباء والتي تشير إلى عدم إمكانية إجراء انتخابات خلال عام 2020، والأمر الثاني والذي أشار له الكاتب التركي عبد القادر سلفي والذي قال إن ذهاب الرئيس أردوغان إلى انتخابات مبكرة حاليا يعني أنه سيحرم نفسه من 3 سنوات متبقية من الدورة الحالية له في النظام الرئاسي. كما أورد الكاتب بناء على علاقاته مع عدد من نواب ومسؤولي الحزب أن فكرة الانتخابات المبكرة ليست على أجندة الحزب.

في الحقيقة لا يمكن التنبؤ بوقوع انقلاب بشكل شخصي ولكن يمكن أن يتناول التحليل ظروفا مهيئة مثل ظروف اقتصادية صعبة تعجز فيها الحكومة عن القيام بواجباتها، أو ارتباك شديد لدى المدنيين الذين يقودون الحكومة في أزمة ما أو تغير جذري مخالف لعقيدة الجيش وهذه العوامل غير متحققة في تركيا بالشكل الذي يمكن توقع انقلاب معه، كما أن تجربة انقلاب 2016 لا زالت حاضرة وقد قامت الحكومة بإجراءات كثيرة لمنع تكرار ما حدث. ولكن هناك أمر آخر ومؤشر مهم  يبقي عامل القلق موجودا وهو استمرار حياة العقلية الانقلابية في تركيا حيث إن هذه الإيماءات التي أشار لها بعض قادة المعارضة تدل على أمرين الأول استمرار بقاء العقلية الانقلابية، والأمر الثاني هو القناعة بعدم القدرة على الوصول للحكم بالطرق الديمقراطية السلمية فتضطر هذه النخب إلى استدعاء فكرة الانقلاب بين الفينة والأخرى بشكل مباشر وغير مباشر.

إذا قهر حزب العدالة والتنمية أزمة كورونا وبرز كنموذج في إدارة الأزمات وهو ما تظهر بوادره بشكل أولي وتخطى التحدي الاقتصادي الذي لا يزال يشكل أحد مصادر المخاوف مع تراجع الاحتياطي الأجنبي وتراجع قيمة العملة، فإن حزب العدالة والتنمية سيحظى بعقول وقلوب الشعب التركي من جديد بعد تراجع عام 2018، و2019 ولهذا بدأت الاستطلاعات من الآن تشير إلى تزايد في شعبية أردوغان.

كما أن التراجع الذي شهدته فكرة إنشاء كيان كردي شمال سوريا ستضعف حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في تركيا وهذا من شأنه أن يضعف فكرة تجمع المعارضة على شخصية واحدة ضد الرئيس أردوغان في أي انتخابات مقبلة. كما أن الأداء الذي ظهر به رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو خلال عدة أزمات منها زلزال ألازيغ وخلال أزمة كورونا قد هز من صورته التي رسمت بعد الانتخابات البلدية الأخيرة والتي تمت الإشارة له فيها كمرشح محتمل للرئاسة ولكن لا نظن أنه حافظ على كل هذه الأسهم التي أشارت له.

ومع ذلك قد يكون هناك بعض التراجع الاقتصادي في سنة 2020 ستمتد آثاره إلى بداية 2021 والذي يتوقع أن يعود النمو الاقتصادي فيها إلى تركيا بنسبة جيدة، ولذلك فإن المتوقع في ظل المعطيات الحالية ألا يكون هناك انتخابات مبكرة خلال 2020 وربما حتى النصف الأول من 2021، ونحتاج لتقييم مستمر للمستجدات خلال الفترات القادمة لفهم أي تغيير يطرأ على هذه العملية الديناميكية.

أما حول فكرة الانقلابات فإن المنطق يقول إن سيناريوهاتها ضعيفة، لكن نظريا كلما قويت القناعة لدى معارضة راديكالية بأن الوصول للحكم عبر السبل الديمقراطية مستحيل، وتزامنت مع ذلك إرادات خارجية تدعم هذه المعارضة أو تقدم لها مساعدات غير مباشرة فإن احتمالات الانقلاب تبقى حاضرة. وهنا مع انشغال معظم الدول وخاصة الدول المنافسة لتركيا بأزماتها مثل أزمة أسعار النفط وأزمة كورونا وأزمات التنافس مع أطراف أخرى وصراعات أخرى بعيدة عن تركيا نسبيا فإن القدرة على التدخل في شؤون تركيا الداخلية تصبح أقل.