المرأة السورية هل هي شخصية مستقلة أم تابعة للرجل؟

2021.10.23 | 07:11 دمشق

1019563843.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا فكاك للمجتمع والدولة والفرد السوري في هذه المرحلة من أزمات وقضايا اجتماعية تثيرها تغيرات الحياة، ووسائل التواصل الاجتماعي بين فترة وأخرى، ولعل الأسباب الرئيسة كامنة في كون المرحلة الحالية، سورياً، هي مرحلة انتقالية: سياسياً وفكرياً واجتماعياً وجغرافياً ولجوئيّاً، تتعدد فيها السلطات، وتتناقض، وتتعارض أحياناً على مستوى: المفاهيم والأثر والمكونات.

وفي الوقت نفسه ثمة ضخّ عالمي على مستوى: الأحداث والمعلومة لا ينقطع، وتأثّر وتأثير شاسعيْن بين سكان هذه القرية الكونية الصغيرة الكبيرة واقعاً وافتراضاً، لذلك تشهد الحالة السورية عامة، في الوقت نفسه، تخبطاً في تحديد المرجعيات المؤثرة في تشكل المفاهيم والرؤى والقرارات: هل هي مرجعيات دينية أم اجتماعية أم قانونية أم شخصية شعورية فردية؟

وتستدعي الحالة السورية بتقلباتها، وتخبطاتها، وبحثها عن بوصلتها سؤالاً آخر يشمل الجغرافيا القريبة منها: هل يمكن لـ "خلطة الدولة الشرقية الحالية" أن تواكب حراك العالم، وفي الوقت نفسه، أن تحافظ على خصوصياتها وعلاقتها بمرجعياتها الأم؟ أم أنه من الضرورة بمكان أن يتمّ الأخذ بأحد الخيارين: دولة مدنية ديمقراطية "ناجحة"، أو دولة بمرجعيات متداخلة "متخبطة"؟

ما يميِّز الحالة السورية ويجعل قضاياها على صفيح ساخن، وأوجاعها أوضح وظاهرة للعيان مقايسةً للدول المجاورة، هو حالة الاحتراب الأهلي، وتقويض بنى المجتمع في العقد الأخير وخلخلتها، وتعدّد القوى المؤثرة فيه، واختلاف المواقف، والتعدد الطائفي والمذهبي والقومي السوري، بمعنى آخر: إن المجتمعات والدول المجاورة ليست أقل قضايا أو تخبطات أو صراعات، لكن لأن النظام السياسي في هذه الدول مستقر إلى حد ما، أو بقي على ما هو عليه، ولم يتعرض لكل هذه الغربلة السورية، مما جعل معظم تلك القضايا تبقى في إطار القارّ أو المسكوت عنه في الدول المجاورة، وعلى الرغم من كل هذا التيه السوري الموجع، إلا أنه من جهة أخرى، يتيح للسوريين فرصة لن تتكرر، وهي أن كل قضاياهم وتفاصيلهم على (المقلاية) فإما أن ينتجوا مفاهيم جديدة، وأفكار جديدة متطورة وتنسجم مع حراك البشرية، أو أن يوائموا بين القديم والجديد، أو يرتدوا إلى ما كانوا عليه.

***

تشكل المرأة وعلاقتها بالرجل إحدى أبرز القضايا في المجتمع السوري، التي يتبدى ظهورها بين مرحلة وأخرى من خلال التفاصيل التالية: لباس المرأة وحدوه، دور المرأة في خيارات زواجها والسن الملائمة، تعدد الزوجات أو زوجة واحدة، مفهوم دور الرجل وحقه في الوصاية عليها، أو ولايتها هي على نفسها هي ومتى تبدأ وتنتهي، الطلاق وأنواعه وتبعاته وصاحب القرار به، والحقوق المالية المتعلقة بالإرث والنفقة.

تأتي إشكاليات علاقة الرجل بالمرأة من جوانب ثلاثة:

  •  قانون الأحوال الشخصية السوري ومرجعياته الدينية والاجتماعية القديمة، حيث إن عدداً منها لم يعد ملائماً للحياة المعاصرة، إضافة إلى أن الرجل هو الذي سنّ تلك القوانين وصاغها في حدود فهمه لماهية لدولة الحديثة، وما ينص دستورها عليه وقراءاته وتفسيراته وإرادته تبعاً لفهمه وتفسيراته للنص المرجعي.
  • مركزية أثر المجتمع السوري ودوره وهيمنته، وحدود فاعليته في تحديد خيارات الأفراد وقراراتهم وأدوارهم ومفاهيمهم لأنفسهم، خاصة المرأة وتغييب ملفت للفردانية والحرية الشخصية.
  • مفهوم الرجل لحدود دوره وذكورته، وعلاقته بالمرأة، ومفهومه للمرأة ذاتها (الرجل هاهنا هو الزوج والأب والأخ وابن العم وابن العشيرة والسلطة المهيمنة).

لماذا تُثار هذه القضايا، بعد أن كان المجتمع مستقرا ومتوائماً مع الأوضاع السابقة؟

ثمة أسئلة لا بد أن تأخذ بعين النظر قبل مناقشة قضايا المرأة، سوريّاً، منها: هل نتحدث عن مجتمع سوري واحد بمرجعيات واحدة؟

الأسباب متعددة منها: متغيرات الحياة والانتقال من مفهوم العشيرة والقبيلة والإمبراطورية إلى الدولة الحديثة بحدودها الحالية، وتغير دور المشرعين، ودخول شرائح جديدة من المؤثرين بالمجتمع وصانعي القرار، إضافة إلى ضرورة المواءمة بين حاجات المجتمع والتغيرات العالمية المتسارعة، بعد أن أصبح العالم (من حيث التأثر والتأثير قرية صغيرة) في عصر السوشال ميديا، وبروز قوى ناعمة افتراضية، لها أثر يضاهي أثر المجتمعات الواقعية (الفيس بوك والتفاصيل السورية مثلاً).

***

ثمة أسئلة لا بد أن تأخذ بعين النظر قبل مناقشة قضايا المرأة، سوريّاً، منها: هل نتحدث عن مجتمع سوري واحد بمرجعيات واحدة؟

بالتأكيد، لا، بعيداً عن التحليل الاجتماعي، فإن قانون الأحوال الشخصية السوري، ينصّ على عدد من قوانين الأحوال الشخصية الرئيسية هي: العام (وهو السنّي وغالباً مستمد من تفسيرات المذهب الحنفي، ويندرج العلويون والإسماعيليون والشيعة تحت إطاره من ضمن تدليس النظام السياسي على الفروقات بين بنى المجتمع وأننا أمام مجتمع واحد!)، وقانون الأحوال الشخصية الدرزي، والقانون الخاص بالمسيحيين باختلافاتهم، والقانون الخاص باليهود (الذين رحلوا من سوريا).

***

حال المجتمع السوري اليوم تغيّر، ولم تعد التصنيفات السابقة التي تصفه ملائمة، صار اليوم حاله أبعد من: ريف ومدينة، وبدو وفلاحين، ومتدينين ومدنيين، وإيديولوجيات وأحزاب، بات كل مواطن سوري أقرب ما يكون إلى طبقة اجتماعية في ذاته، بكل مشكلات الطبقة الاجتماعية وأوجاعها، وقد تغيرت المؤثرات والمفاهيم فيه، على مستوى التعليم، ونمو الفردانية، والحرية والوعي، والدور والوظيفة، والخلفيات الاجتماعية، بل بات بإمكاننا الحديث عن شرائح اجتماعية سورية عديدة/ منها ما هو قديم ومنها ما هو ناشئ، أظهرها عقد من الاحتراب الداخلي والخارجي:

  • شرائح الريف الفلاحي والغنّامي.
  • شريحة الريف الذي أخذ طابع المدينة.
  • شرائح مناطق المخالفات وأحزمة الفقر والمخيمات.
  • شرائح أثرياء الحرب والمشاركين فيها والمكتوين بنارها
  • شريحة اجتماعية في المدن، ذات مرجعية دينية.
  • شريحة اجتماعية في المدن ذات مرجعية اجتماعية.
  • شرائح اللاجئين في عدة دول عبر جيل كل من الآباء والأمهات من جهة، والأبناء من جهة أخرى.
  • شريحة أصحاب المظلوميات مع الدولة والمجتمع والقوى الجديدة.
  • شريحة عابرة للريف والمدن هي "الشريحة المدنية السورية"، التي يعمل قسم كبير منها بالشأن العام أو الإعلام أو سوى ذلك من حقول الثقافة والمعرفة وتكون ناشطة في السوشال ميديا ولديها اعتقاد "أو توهم" أنها هي من تمثل المجتمع السوري أو هي المخولة بقيادة حراكه أو توجهاته.

أمام هذا التنوع الاجتماعي غير المتجانس على مستوى الوعي والمرجعيات ومفاهيم الحياة والتدين والدولة وعلاقة الرجل بالمرأة، ما هو الحل الأمثل؟ وهل يمكن الانتقال بالقضايا السورية الاجتماعية من مرحلة المراوحة وردّ الفعل إلى مرحلة أخرى؟

هل يدرك كثير من السوريين والسوريات هذا التنوع المتناقض والمتضارب الأفكار والخيارات في مكونات المجتمع السوري؟ وما هو الأثر الذي يجب أن يتركه، وهل ندرك أثر هذه الاختلافات، وهل ستساعدنا على الإيمان بحق الآخر في الوجود والتنوع والاختلاف؟

في وضع الدولة السورية الحالي (إن جازت التسمية)، يبدو تحقيق حدود دنيا من التفاهمات بين السوريين أقرب للمستحيل منه للواقع، ليس لأنهم مشتّتون فحسب، بل لأنهم ببساطة لا يتحكمون بقراراتهم على مستوى السياسة والدين والحراك الاجتماعي، وأنهم أقرب لردة الفعل أو الأداة التنفيذية منهم إلى الفعل، خاصة أن سوريا رغم كل محاولات التجاوز والتزيين دولة محتلة ومشرذمة اليوم بكل المفاهيم. ومن جهة أخرى السوريون اليوم هم أبناء عشرات المجتمعات والتأثيرات، وصارت خيوط العنكبوت حاضرة في بيوتهم أكثر من أي حائط أو بنية أخرى، لذلك من الطبيعي أن تكون حيطان الفيس بوك هي أحد موجهات اهتماماتهم.

***

يجري اليوم تمييع قضايا كبرى بحجة تبنيها من النسوية أو سواها، وهي قضايا وجودية إنسانية، أبعد من النسوية، و"الترند" لأنها تمسّ وجودنا وتكويننا كبشر يجب أن نكون قد وصلنا إلى مستوى معين من الإيمان بحق الآخر بالوجود والتشكل والحرية والخصوصية.

لذلك تغدو كثير من الأسئلة حول ما يمكن تسميته بالمسلمات، في الحالة السورية، ضرورياً من مثل: هل تعد السوريات والسوريون المرأة السورية شخصية لها كامل حقوق الرجل وواجباته ويمكن أن تكون مسؤولة عن نفسها في كل تفاصيلها؟ أم أن عدداً من مهماتها وحقوقها وواجباتها هي من مسؤولية الرجل وليست لديها القدرة على ممارستها بنفسها والقيام بها؟ ومن سيحدد ذلك وهل ينطبق ذلك على كل السوريين والسوريات؟

إن استطعنا أن ننتج إجابة، أو نجري استفتاء سورياً، أو أن نصيغ مواد قانونية تقرر ذلك وتكفله وتدافع عنه وتحميه، وهل يمكن أن ينطلق المنشغلون بالشأن العام نحو بنى المجتمع وشرائحه ليتحاوروا معها ويناقشوها والبحث عن حلول معها؟

معظم التفاصيل اليومية التي نعثر عليها في يوميات السوشال ميديا يمكن أن نجد لها الأطر المناسبة إن اتفقنا على مرجعياتنا، ما هي المرجعيات التي نقايس فيها تفاصيلنا؟ هل هي مرجعيات ذاتية أم دينية أم اجتماعية أم أنها خلطة من كل ذلك؟ وما مدى ملائمة مرجعيات المشتغلين بالشأن العام أو ممثليه للحراك الاجتماعي السوري وإمكانية تطبيقها؟

إنَّ الموقف من كثير من قضايا المرأة من مثل: تعدد الزوجات، أو الحجاب، أو عمل المرأة وتعليمها، أو حقوقها وواجباتها وعلاقتها مع الرجل (الأب والأخ والزوج) لا نحدده نحن، بل المرجعية التي تتحكم في قناعاتنا وسلوكنا، ولأن تلك المرجعية متنوعة بل متناقضة غالباً، ستكون مواقفنا بالتأكيد متنوعة، والطبيعي أن نختلف، ولعله من المهم أن نقبل اختلافاتنا، بصفتها حالة طبيعية لتعدد مرجعياتنا وألا نتشنج ونكفر مواقفنا من كل تفصيل، وفي حال وجدت أرضية واحدة لمواقفنا "عادة ما تكون قانونية في الدولة الحديثة" فمن الطبيعي أن تكون الحدود الدنيا متفق عليها كذلك، أو على الأقل ندرب أنفسنا على القبول بها.

هناك حاجة جديدة إلى "مَثَل" نضيفه إلى أمثالنا اليومية:

قل لي ما هي مرجعيتك؟ لأقل لك ما هو موقفك من التفاصيل اليومية و"ترندات السوشال ميديا"؟

واقع حال السوريين والسوريات اليوم يقول: إن كل سوريّ وسورية لديه مرجعياته الخاصة الثابتة والمتغيرة التي يقايس من خلالها يومياته ويعتقد أو "يتوهم" أنه مالك الحقيقة

قبل أن تجيبني هناك سؤال آخر: هل مرجعياتك واحدة في كل تفاصيلك وأفكارك؟ وهل لك الحق والحرية دائماً في تحديد مرجعياتك؟ أم أننا بتنا خلطات "هجينة ومهجنة" في خياراتنا ومرجعياتنا وقراراتنا؟

وأمام هذه الغزارة التي تفرزها السوشال ميديا و"الترندات" هل أنت معني بمراجعة يومية لمواقفك وتفاصيلك ومرجعياتك كي تبقى متوازناً أمام رياح الهزات اليومية كي لا تقتلعك تلك الريح الغزاراتية، التي تبثّ كل دقيقة آلاف الأفكار و"الترندات"؟

واقع حال السوريين والسوريات اليوم يقول: إن كل سوريّ وسورية لديه مرجعياته الخاصة الثابتة والمتغيرة التي يقايس من خلالها يومياته ويعتقد أو "يتوهم" أنه مالك الحقيقة، وأن اليقين ملك له وحده! وهذا اليقين في القرار والخيار والقطيعة، أو الإيمان هو أحد أجمل وسائد الأفراد كي لا يسهروا طويلاً، أو يشتكوا من الوحدة أو العزلة أو الغربة وكذلك كي يتخلوا عن أرق السهر وتبعات الإدمان على السوشال ميديا في أنصاص الليالي، بما تجلبه من "شقيقة" وصداع نصفي ووجع في الظهر أو الأصابع أحياناً!