المجلس الأعلى لرفض الاحتلال الإيراني..

2022.01.11 | 05:07 دمشق

0ced04dd9c739d9b9b38cfb23906123b.jpeg
+A
حجم الخط
-A

سينطلق في بيروت في الأيام المقبلة، ما أعلن عنه تحت تسميته بـ  (المجلس الأعلى لمقاومة الاحتلال الإيراني)، وهذه الحركة السياسية التكتيكية تأتي نتيجة إحباط عام يعيشه لبنان والدول العربية التي تتخذ إيران منها منصات لمفاوضاتها النووية والعسكرية مع الغرب، ولكن للأسف وبسبب فشل سياسات حكومات وأنظمة هذه البلدان، باتت التحركات السياسية المستقلة هي الوسيلة الوحيدة لرفض هيمنة إيران على بلدان الشرق الأوسط، وتدميرها باسم المقاومة والتصدي، بينما هي في واقع الحال تجري مفاوضاتها لحسابها الخاص، البعيد عن حسابات المقاومة والشعوب العربية وشعبها ليس استثناء بالطبع.

اللبنانيون ليسوا غرباء عن نضال مشابه، فلطالما شهدت شوارع المدن اللبنانية تحركات مشابهة وتشكيلات سياسية موازية لهذا الحراك، من جبهات رفض الاحتلال الإسرائيلي، مروراً بالتحرك السياسي والشعبي لرفض الاحتلال السوري للبنان، واليوم تأتي هذه الجبهة كواجهة جديدة محتملة لرفض الهيمنة الإيرانية، بعيدا عن تجاذبات السياسة اللبنانية الكلاسيكية التي باستطاعتها إغراق العالم بأسره في كواليس وزورايب الأخذ والرد اللبناني المندرج تحت مسميات "ديمقراطية لبنان"، المشحونة بالفساد والمحاصصة، والطائفية والتبعيات السياسية.

المنسق العام للمؤتمر الذي سينعقد في باريس، "فارس سعيد" تحدث عن جبهة فوق طائفية تضم عدداً كبيراً من ممثلي الأحزاب والطوائف اللبنانية وعلى رأسهم التيار المدني الشبابي، والمستقلون، الذين رفضوا نظام المحاصصة الطائفية وكانوا على رأس مظاهرات ثورة تشرين في لبنان، التي أجهضها حزب الله برفقة تيار الرئيس عون.

باتت قضية وجود إيران في الدول العربية وهيمنتها سياسياً وعسكرياً على قراراتها، هاجساً إقليمياً ودولياً مشتركاً بين عدد من الدول

أيضاً تأتي هذه التحركات في وقت حرج ودقيق من تاريخ لبنان السياسي المعاصر، فبعد الاحتقان السياسي المتفاقم في الشارع اللبناني، الموازي لأزمة اقتصادية غير مسبوقة في العالم ولبنان على حد سواء، يأتي هذا المؤتمر بعد توغل حزب الله في السياسات الإيرانية وتجنيده كوادره في خدمة أجندات الحرس الثوري الإيراني، والأزمات المتلاحقة التي يفتعلها الحزب مع دول الخليج العربي، وتدخله السافر في الدول العربية المجاورة وعلى رأسها سوريا.. وعدم قدرة مؤسسات الدولة اللبنانية على تحديد موقفها من تدخلات إيران، بسبب الانقسام والاستقطاب السياسي المريع في لبنان، التابع لذات الانقسام السياسي والطائفي في الشرق الأوسط، بحيث باتت قضية وجود إيران في الدول العربية وهيمنتها سياسياً وعسكرياً على قراراتها، هاجساً إقليمياً ودولياً مشتركاً بين عدد من الدول.

يدّعي أنصار إيران في لبنان، أن شرائح كبيرة من الشعب اللبناني تصطف إلى جانب الخيارات الإيرانية في المنطقة، لكن الاغتيالات داخل البيت الشيعي اللبناني مستمرة منذ نهوض الحزب في الثمانينيات، مهدي عامل وكريم مروة حتى اغتيال لقمان سليم الذي لم يأتِ في سياقات منفصلة، حيث كان الرجل صحفياً وناشراً ومثقفاً بيروتياً، يسكن في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية، تثبت بأن الحزب لم يعد هو الممثل الوحيد لهم في السياسة اللبنانية ولربما كانت الانتخابات النيابية القادمة مؤشراً على انحسار شعبية حلفاء إيران في لبنان، خصوصاً التيار العوني، وحزب الله وحركة أمل.

من المعروف أن لبنان يخوض في أوحال السياسة منذ بدايات القرن الماضي، وأن سياسييه متمرسون في دهاليز السياسة، على عكس سوريا التي دخلت إلى الثلاجة الأسدية منذ 1963 وحتى اليوم، وبقيت دون ممارسات وحياة سياسية مقنعة، لكنها، أي سوريا، هي من تحتاج حقيقة إلى تأسيس جبهة وطنية لمقاومة وإنقاذ البلاد السورية من الاحتلال والهيمنة الإيرانية بأسرع وقت، بل يجب على جميع الدول العربية التي تخضع لهيمنة إيران، أن تعاجل إلى تأسيس جبهات مماثلة في اليمن والعراق وحتى التي تخضع لتهديدات مماثلة مثل الكويت والبحرين وعمان.

في سوريا، تحتاج كل مدينة سورية إلى تأسيس مجالس وطنية لرفع الاحتلال الإيراني عنها، حلب مثلاً تحتاج لتحرك سريع جداً لإنقاذها من براثن التغيير الديمغرافي، البوكمال ودير الزور والميادين، الساحل السوري طرطوس واللاذقية، ريف دمشق وحمص والقلمون، وأخيراً دمشق، التي تجري عمليات بيع وشراء واسعة النطاق في أراضيها، وفي النطاق الذي يحيط بها.

على عدة مستويات وبوتيرة مرتفعة جداً، حيث لا يبدو أن إيران تتساهل فيما يخص نفوذها في سوريا أو لبنان، وهي لم تتدخل في سوريا، كي تخرج بمثل هذه السهولة، وإن خرجت عسكرياً من سوريا، فهي لن تسمح لأملاكها التي تعد بمليارات الدولارات أن تذهب هباء منثوراً، فمئات البيوتات الدمشقية والحلبية وآلاف الهكتارات من الأراضي والاستثمارات باتت ملكاً شخصياً لأشخاص من إيران، يفترض أن أي تغيير في الحكومة أو النظام لا يلغي لها ذلك الحق في التملك، أو نقض عمليات البيع والشراء.. وبحركة تأمل بسيطة تبدو إيران قد استفادت بشدة من تجربة الوكالة اليهودية عبر قرن وأكثر، في فلسطين، فمن تعجز عن احتلاله بالقوة تعمل على تملكه أو استئجاره بمدد طويلة غير منتهية، كي تخترع موطئ قدم لها في هذه البلاد.. ومن ثم تعمل على تسيير أملاكها بالطريقة التي تريدها...

في استطلاع غير رسمي جرى في الداخل السوري، يتحدث معدو الاستطلاع الذي شمل خمسة آلاف عينة في مناطق النظام، أن 95% في المئة من المستطلعة آراؤهم في دمشق وحلب وطرطوس واللاذقية، يعتبرون أن وجود إيران في سوريا يحتوي على شبهة غير بريئة، وبأن 90% منهم يعتقدون بأن إيران يجب أن تغادر سوريا بكامل ميليشياتها ورجال أعمالها، ورجال دينها، هذه عينة غير رسمية، توضح النبض الشعبي، الذي لا تأخذ الحكومة السورية به مطلقاً بالطبع...

لذلك وكرد فعل على الإعلان اللبناني لتأسيس مجلس لرفض الاحتلال الإيراني، يجب علينا كسوريين تأسيس جبهة مماثلة لتفنيد التوغل الإيراني في سوريا، والمطالبة بإيقافه وتحجيم دورها مستقبلاً.. وتشبيك العمل بين المجالس الرافضة للاحتلال الإيراني في جميع الدول العربية..