المؤشر العربي وخيار الديمقراطية في 2022

2023.01.12 | 07:47 دمشق

المؤشر العربي وخيار الديمقراطية في 2023
+A
حجم الخط
-A

أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هذا الشهر أحدث نسخة من استطلاع الرأي الذي يعده المركز بشكل دوري تقريبا كل عام، وقد أصبح المؤشر العربي بمثابة تقليد سنوي وهذا ما يعاظم فائدته وأهميته فهو يعطيك الداتا الدقيقة للمقارنة والاعتماد على الأرقام وهو ما يدفع بتحويل السياسات إلى فعل مبني على العقلانية السياسية وليس بناء على ردات فعل أو انطباعات تقود إلى سياسات غير عقلانية دفعت المجتمعات العربية ثمنها كبيراً بسبب تهور السياسات واعتمادها على المستبد الفرد الذي تحركه نزواته ودوافعه الخاصة بدل أن تكون المصلحة العامة هي المحرك الرئيسي لسياسات الدولة وقراراتها.

إذ تعد دراسة تحولات الرأي العام من أهم المؤشرات التي تقود إلى صنع السياسات الشعبية في البلدان الديمقراطية، ولذلك يطلق على الحكومات الديمقراطية بأنها "Responsive Government“ أي أنها حكومات تستجيب للرأي العام وتأخذ بعين الاعتبار تحولاته وآراءه ومواقفه، ولذلك وبدون جدل يعد المؤشر العربي الذي يصدر المركز العربي للبحوث ودراسة السياسات من أهم الأدوات البحثية التي يجب على السياسيين العرب والغربيين الاعتماد عليها عند صياغتهم للسياسات على المستوى العربي والدولي.

نلاحظ أن 85% قدموا محتوى ذو معنى للديقراطية 34% اعتبروا أنها ضمان للحقوق المدنية والسياسية بينما اعتبر 20% أنها ضمان العدل والمساواة بين المواطنين

فإذا تمعنا في قراءة نتائج المؤشر العربي الأخير عام 2023 فيما يتعلق بالديمقراطية وهو يعد أحد أهم أهداف المؤشر العربي، إذ يذكر المؤشر في بدايته أن "أحد أهداف المؤشّر العربي هو معرفة مدى قبول المواطنين النظامَ السياسي الديمقراطي؛ وذلك من خلال قياس اتجاهات الرأي العامّ في المنطقة العربية نحو مجموعة من المتغيرات" ومع تعمق فشل عملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية بعد التفاؤل الكبير الذي خلقه الربيع العربي عام 2011، نلاحظ أن 85% قدموا محتوى ذا معنى للديمقراطية 34% اعتبروا أنها ضمان للحقوق المدنية والسياسية بينما اعتبر 20% أنها ضمان العدل والمساواة بين المواطنين وركز 14% على ضمان إنشاء نظام ديمقراطي أي الجانب المؤسسي للنظام الديمقراطي (تداول السلطة والرقابة والفصل بين السلطات)، وعرف 6% الديمقراطية بأنها ضمان الأمن والاستقرار، واعتبر 5% بأنها تحسين للأوضاع الاقتصادية، فتظهر النتائج ارتفاع نسبة من عرفوا الديمقراطية من خلال إرساء قواعد ومؤسسات الحكم الديمقراطي (تداول، ورقابة، وفصل بين السلطات) وخاصة في بلدان مثل مصر، والكويت، وموريتانيا، والمغرب، والسودان.

كما ترفض أغلبية مواطني المنطقة العربية المحتوى السلبي عن الديمقراطية من مثل مقولة "أن مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي". كما أنها منقسمة إلى حد ما في رأيها حول مقولة: "يتسم النظام الديمقراطي بأنه غير حاسم ومليء بالتناقضات".

إذا عدنا إلى نتائج الاستطلاع في عام 2018 لوجدنا إلى أنّ الأغلبية الكبرى من مواطني المنطقة العربية قادرة على تقديم تعريف ذي دلالة لمفهوم الدّيمقراطية؛ إذ قدّم 87% من المستجيبين إجابة ذات محتوى ودلالة عند سؤالهم عن أهمّ شرط يجب توافره في بلدٍ ما حتّى يُعدّ بلدًا ديمقراطيًّا. مع انخفاض بسيط في النسبة عام 2023 .

 أمّا الذين أجابوا بـ "لا أعرف" أو رفضوا الإجابة، فقد كانت نسبتهم 13% من المستجيبين. وإنّ تحليل أكثر من 16 ألف إجابة أوردها المستجيبون كشروط يجب توافرها، وتصنيفها، يشير إلى أنّ المواطنين العرب يفهمون الديمقراطية من خلال ضمان الحريات والحقوق المدنية والسياسية وتحقيق العدل والمساواة وإقامة نظام حكم ديمقراطي وتحسين الواقع الاقتصادي للمواطنين وضمان الأمن والاستقرار وهو ما سجله المؤشر عام 2023 أيضا.

لقد قدّم 87 في المئة من المستجيبين تعريفاً ذا محتوى للفكرة الديموقراطية مقابل 89 في المئة العام الماضي، كما أيّد النظام الديمقراطي نحو ثلاثة أرباع المستجيبين (74%) في حين كانت النسبة 72 في العام الماضي، مقارنةً بــ 17% فقط عارضوها. وممّا لا شك فيه أنّ هذا "يعبّر بوضوح عن انحياز مواطني المنطقة العربية إلى النظام الديمقراطي، وضعف التيار الذي صرّح بمعارضته فكرةَ أنّ النظام الديمقراطي أفضل من غيره" كما يشير المؤشر في خلاصته.

يمكن القول إن الإيمان العربي بالفكرة الديمقراطية هو الأعلى وإن كل محاولات الأنظمة السياسية التسلطية تشويه هذه الفكرة عبر الإعلام أم عبر الممارسات السياسية منيت بالهزيمة

ولما كان الاستطلاع يجرى في شكل سنوي كما ذكرنا ويكرر الأسئلة ذاتها تقريباً، فإنه يعطينا فرصة نادرة لمقارنة تأييد الرأي العام العربي للفكرة الديموقراطية مع تغير الظروف السياسية والأمنية المحيطة بكل بلد من هذه البلدان، ونلاحظ أن التأييد الأكبر للفكرة الديمقراطية كان في عام 2013 (68 في المئة) بالرغم من بداية التدهور في مراحل الانتقال في كل من سوريا وليبيا وارتفع أيضاً في عام 2016 حيث وصل إلى 72 في المئة بالرغم من ظهور تنظيمات إرهابية كـ «داعش» الذي استغل الفراغ الأمني في كل من سوريا والعراق. وبذلك يمكن القول إن الإيمان العربي بالفكرة الديمقراطية هو الأعلى وإن كل محاولات الأنظمة السياسية التسلطية تشويه هذه الفكرة عبر الإعلام أم عبر الممارسات السياسية منيت بالهزيمة، فما زال العرب يطمحون إلى العيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي، وهو ما يضع مسؤولية أكبر على الديموقراطيين العرب لتقديم سياسات اقتصادية وأمنية تتجاوب مع الأمل العربي في الديمقراطية ولا تمثل انتكاسة لها.