المؤشر العربي.. ثورات 2011 صنعت التغيير "وإن كره الكافرون"

2020.10.08 | 00:51 دمشق

0594d373-fdc5-4653-8576-0b8ba29e3070.jpg
+A
حجم الخط
-A

تزداد صورة الواقع العام في المنطقة سوداوية، كلما تناول بحث أو سبرٌ، الظروف الراهنة لأي بلدٍ ثارت جماهيره، ثم غرق في الفوضى، وضاعت في أتون الاحتراب الداخلي الطموحات والآمال التي حكمت عقول شبابه، وهم ينادون بالحرية في شوارع مدنه وبلداته وقراه!

فإذا كانت سوريا، وضمن الشرط الذي حكم ثورتها؛ من وحشية النظام، إلى التدخلات الخارجية فيها، مروراً باختراق التنظيمات المتطرفة لحراك الثائرين المسلح، قد جعلها النموذج الذي تحاول تجنبه دول تعيش صراعات داخلية أو حروبا خارجية، فإن فضاء الدراسات الاجتماعية والاقتصادية، يرى أمراً آخر في المسألة! حيث أمست هذه البلاد البيئة الأشد رحابة واتساعاً، لتطبيق منهجيات البحوث العلمية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية!

صحيح أن كل ما يتم إنتاجه ضمن هذا السياق لا يقدم للقارئ العادي أي إضاءات متفائلة، لكن ازدهار الدراسات التي تحلل الواقع السوري، يفرض إيقاعاً مستقبلياً مختلفاً! إذ كلما تمكن السوريون من فهم واقعهم وأسباب ما جرى ويجري في بلدهم، امتلك هؤلاء أدوات وإمكانيات، تمكنهم في فترة ما قادمة من الانتصار على ما عاشوه من مآسٍ وهزائم! 

يتأكد هذا لدينا كقراء ومتابعين، ونحن نطالع نتائج المؤشر العربي 2019/2020، التي أعلن عنها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة قبل يومين، فيصبح من الواجب علينا ألا نستكين إلى سوداوية المشهد الراهن، وأن نستعيد بعضاً من نبضات التفاؤل حيال مشروعية الثورات، وصحة أهدافها!

حيث أظهرت النتائج تحولاً لافتاً لاتجاهات الرأي العام من المحيط إلى الخليج، نحو مجموعة من الموضوعات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. في 13 بلدًا عربيًا، هي: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت، وقطر.

هنا سنتذكر، أن التفاؤل بثورات الربيع العربي لا سيما في سنتها الأولى لم يجتح مواطني البلدان الثائرة فقط، بل امتد إلى كثير من الدارسين والباحثين حول العالم!

فعقد بعض هؤلاء مقارنات موسعة بين هذه الموجة التحررية المندلعة في المنطقة، وبين موجات أخرى تفجرت في أزمنة أخرى وشهدتها بقاع أخرى في المعمورة، ولعل أبرز محاولات المضاهاة كانت، تلك التي قورنت فيها هذه الثورات مع تلك التي شهدتها أوروبا في عام 1848.

التفاؤل الذي طغى على نبض المقارنة لدى غير باحث غربي، لا سيما مع انتصار الثورات في تونس ومصر وليبيا، حاول منح الحراك الراهن آنذاك نقاط قوة لم تتمتع بها الثورات الأوروبية التي هزمت كلها بعد سنة من تفجرها.

لقد عطست فرنسا، فأصيبت أوروبا كلها بنزلة البرد، كان هذا هو واقع الحال في القارة العجوز دائماً، فمنذ الثورة الأولى في 1789، والخوف من تحرك الجمهور ضد الحكام الإقطاعيين يسري في أوصال الأنظمة الشمولية المسيطرة، التي رسخت وجودها بادعاء الحق الإلهي للعائلات الحاكمة، فقامت دول مثل روسيا والنمسا وبروسيا بإنشاء "حلف مقدس" قاد الثورات المضادة، لسلب مواطني الدول الأوربية، كل المكاسب التي حازوا عليها ضمن ارتدادات الثورة الفرنسية.

 وبعد عقود عادت الانتفاضات لتزور أوروبا، رغم كل ما فعله التيار الرجعي المتحالف ضدها، فانتصرت إرادة الثائرين على مشيئة الملوك والأمراء، الذين قبلوا في البداية بمطالب الجماهير، لكنهم سرعان ما أفسدوا الثورات عبر خلط الأوراق، وصناعة الفتن بين القوى الثائرة، فلم تمض سنة حتى هزمت جميعها!

كان إحساس الباحثين الذين قارنوا في البداية بين ثورات المنطقة بثورات الربيع الأوروبي المدحورة، يميل إلى إكساب الثوار العرب ميزة الوعي بشرط الواقع الموضوعي، وامتلاك الأدوات التي تقوي شروطهم الذاتية!

لكن الوقائع اللاحقة، أثبتت أن مصير الانتفاضات ههنا لم يكن أحسن حالاً، حيث تتساوى تقريباً النتائج بين ما جرى قبل 230 سنة في أوروبا، مع ما جرى وما زال يجري في منطقتنا!

نحن الآن، يسكننا الفشل، وأنفاسنا تضيق، كلما تذكرنا كيف بدأنا، وشاهدنا واقع حالنا، وما انتهينا إليه!

وبعد عقد كامل، نذهب في أفكارنا المضمرة، إلى إعلان هزيمة الموجة الأولى للثورات، مغمورين بأمل أن ينجح الثائرون في السنوات القادمة، في الوصول إلى ضفة النجاة، من مصائر الهزيمة، والنتائج الوحشية، لعودة الأنظمة الشمولية المستبدة، إلى حكم المنطقة، بالتحالف مع قوى الثورة المضادة، التي تقودها دول خليجية محددة، تعلن صراحة وعلنية أنها ضد حرية الشعوب!

رؤية المآسي الراهنة، لا يجب أن تمنع آليات التحليل من مقاربة آثار ومؤديات ونتائج الاضطراب العميق الذي أحدثته الثورات، فبينما تكتسح الإعلام العربي الرسمي مقولات تدعي كذباً بأن الخراب الراهن هو أحد نتائجها، أو منتجها الوحيد! وتحاول تبرئة الأنظمة من جرائمها التي ارتكبتها في سياق حربها ضد الشعوب الثائرة!

يمكن بكثير من العمل تبيان وجه آخر للقصة، أو نتائج مختلفة يسكت عنها مرتزقة هذا الإعلام!

لقد تغير وجه الوعي السائد فعلياً بعد عام 2011، بمقومات ومبادئ لم يعد بإمكان أحد أن ينكر أحقية الجمهور العربي بأن يحاول تطبيقها في واقعه، وهذا ما قالته نتائج مؤشر 2019/2020، لا سيما في رؤية الجمهور لربيع المنطقة، وتأكيده على مشروعيته، وأيضاً تأييد جماهير البلدان التي شهدت ثورات وتحركات جماهيرية في العامين الماضيين لإرادة الثائرين، بالإضافة إلى تعمق الفكر الديمقراطي في المنطقة، لجهة اتساع مؤيديه، رغم أن تقييم هؤلاء للتجارب الديمقراطية التي شهدتها المنطقة لم يكن إيجابياً بالمطلق، إذ قيّم هؤلاء "مستوى الديمقراطية بـ 5.8 درجات من أصل 10 درجات". بما يفيد أنها متعثرة، أو ما زالت في منتصف الطريق، بحسب تعبير التقرير!

صحيح أن سوريا غابت عن نتائج المؤشر العربي الحالي، لكن كل ما تقوله النتائج المدرجة فيه، يؤدي وبشكل طبيعي إلى الاعتقاد وبشكل راسخ، أن الثورة التي ذهب إليها السوريون، كانت وما زالت، ورغم كل ما اعتراها من تحولات، خطوة طبيعية في سياق عربي واحد، تتكامل فيه حاجات الشعوب، وتتراصف مع طموحات وأحلام شبابها!