اللجنة الدستورية: ثرثرة سورية في جنيف

2020.12.05 | 23:00 دمشق

eoagkkhw4amljxy.jpg
+A
حجم الخط
-A

يلتقي سوريون في جنيف من النظام والمعارضة وما بينهما منذ أكثر من عام، تحت خيمة ما يسمى بـ "اللجنة الدستورية" التي انبثقت عن مؤتمر سوتشي في مطلع العام 2018.

وفي ذلك المؤتمر سربت روسيا مسودة دستور مكتوب للسوريين، ولكنها تراجعت عنه بسبب ردود الفعل والاحتجاجات التي أجمعت على أن الدستور قضية سيادية. وصارت المهمة من اختصاص اللجنة الدستورية ذات الصلة بالأمم المتحدة، ومر كل هذا الوقت على اجتماعات جنيف ولم تصل الاجتماعات إلى نتيجة حتى يومنا.

وفي كل جلسة يدخل الحوار في نفق لا يخرج منه، وتنفض الجولة، ويؤجلون الأمر حتى الجولة المقبلة التي لا يتم تحديد موعدها ولا جدول أعمالها. وهذا يتطلب من مندوب الأمم المتحدة غير بيدرسون زيارات للأطراف المعنية والداعمة لها من أجل أمرين، عقد جلسة جديدة، والاتفاق على جدول الأعمال. وفي كل مرة هناك مساومات سياسية ومناورات ومعارك عسكرية وتسويات من فوق وتحت الطاولة، وتعطيل وتأجيل وحضور من باب الابتزاز السياسي وكسب الوقت.

الاتفاق على جدول الأعمال لا يعني التزام النظام الذي كان في بداية كل جلسة ينسف الجدول المقرر والمتفق عليه

انعقدت حتى الآن أربع جولات، وكانت الأخيرة التي بدأت في الثلاثين من الشهر الماضي وانتهت في الرابع من الشهر الحالي، والتي خرج منها المتحاورون ومندوب الأمم المتحدة وهم في غاية السعادة بسبب التوصل إلى اتفاق على جدول أعمال الجولة المقبلة (الخامسة) ليس أكثر، والتي حددوا موعدها في الخامس والعشرين من كانون الثاني من العام المقبل. وهناك ملاحظة تفرض نفسها هنا وهي أن الاتفاق على جدول الأعمال لا يعني التزام النظام الذي كان في بداية كل جلسة ينسف الجدول المقرر والمتفق عليه، ويأخذ النقاش نحو الوجهة التي تناسب أجندته وخططه، وصار واضحا منذ عام أن منهج النظام يقوم على التعطيل من أجل كسب الوقت، حتى لا يتم إنجاز دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي، على الأقل، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان/أبريل المقبل، والتي يعمل النظام على إجرائها وفق الدستور الحالي الذي وضعه عام 2012. وبذلك يكسب بشار الأسد ولاية رئاسية جديدة لا يشملها الدستور الجديد الذي لم يصبح حبرا على ورق حتى الآن.

ومن دون مبالغة، يحول وفد النظام كل جولة إلى ما يشبه العرض المسرحي الذي يتلاعب فيه بأعصاب وفد المعارضة والأمم المتحدة والجمهور الذي يراقب، وتقوم المسرحية على مبدأ الحلقة المفرغة، التي يعتمد النقاش فيها على السفسطة والثرثرة. وحيال كل مسرحية يتوجب على المعارضة والأمم المتحدة التصرف بحكمة وبرودة أعصاب كي لا يحرد وفد النظام، وتبطل التمثيلية. وإذا كان عام مر على هذا المنوال بلا نتائج، لماذا الإصرار على الاجتماعات التي تكلف غاليا، وتستهلك وقت الناس وأعصابهم في زمن الكورونا.. ما الذي يخشاه وفد المعارضة لو انسحب من اللجنة الدستورية ككل؟

المطمطة والسفسطة ليست من بنات أفكار الوفد الذي يذهب إلى جنيف، بل من مخرجات مطبخ النظام الذي يديره طباخون روس وإيرانيون

لابد من الإشارة إلى أن المطمطة والسفسطة ليست من بنات أفكار الوفد الذي يذهب إلى جنيف، بل من مخرجات مطبخ النظام الذي يديره طباخون روس وإيرانيون، يوزعون الأدوار والصفات وتدريب أعضاء الوفد كما يحصل في السيرك. الوفد الرسمي يحمل اسم "الوفد الوطني"، بينما الوفد الآخر يحمل تسمية تخوينية "وفد المعارضة التركية"، ومن أجل بناء الثقة في الجولة الأخيرة صار اسمه "وفد المعارضات". ولا يستطيع النظام أن يتصرف حيال شأن مهم من دون توجيهات روسية إيرانية، ومع ذلك جرى أكثر من مرة ترويج بدعة مفادها أن بيدرسون يزور موسكو وطهران من أجل ضمان الضغط على وفد النظام كي يحضر إلى جنيف، وحين يذهب الوفد الرسمي فإن ذلك من باب فض العتب لا أكثر، وللقيام بعدة وصلات من السفسطة.

لا شك في أن روسيا وإيران هما من يتحكم باللجنة الدستورية وسط رمزية دور الأمم المتحدة التي تلعب دور المساعد أو الميسر، وانسحاب الأطراف الإقليمية والدولية المعنية من ممارسة دورها. ولهذا تبقى العملية تسير وفق الرياح الإيرانية الروسية، ولن يختلف الأمر سواء جرى تحديد جدول أعمال الجولة القادمة أم لم يتم.