اللاجئون السوريون في مهب الريح مرة أخرى

2022.09.17 | 07:01 دمشق

اللاجئون السوريون في مهب الريح مرة أخرى
+A
حجم الخط
-A

تجمع المئات من السوريين في الشمال السوري مطالبين "فقط" بـ "فتح الحدود" من أجل الوصول إلى أوروبا، مدركين وربما غير مدركين أن الصراع السياسي اليوم في أوروبا يدور حول الهجرة واللجوء وفي قلب هؤلاء اللاجئين اليوم هم اللاجئون السوريون الذين عبروا إلى أوروبا في موجة ضخمة في عام 2014-2015 واستضافت حينذاك ألمانيا أكثر من 600 ألف لاجئ بموافقة ضمنية من المستشارة الألمانية السابقة ميركل وكلفتها هذه الخطوة كثيرا على المستوى السياسي والأمني.

ولذلك لا أعتقد أن خليفتها شولتز الذي ينتمي إلى حزب يرحب تاريخيا بالهجرة سيخطو الخطوة ذاتها، لا سيما مع صعود اليمين في أوروبا كلها بما فيها ألمانيا وفرنسا وخاصة السويد التي فاز اليمين فيها في الانتخابات الأخيرة وأصبح على بعد خطوة من تشكيل حكومة يمينية في أول مرة منذ عام 2014 وعلى رأس هذه الأجندة هم اللاجئون وخاصة السوريين منهم، حيث تستضيف السويد أكثر من 150 ألف لاجئ سوري في أكبر عدد بعد ألمانيا تقريبا.

الحكومة التركية بدأت ترفع شعار عودة اللاجئين السوريين في خطابها السياسي وتكرره باستمرار

بالوقت نفسه يتصاعد الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين في تركيا، بلد اعتبر تاريخيا مرحّباً باللاجئين السوريين حكومة وشعبا وكان متضامنا معهم منذ البداية، لكن وضع الخطاب العنصري من قبل المعارضة داخل المجال السياسي دفع بخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين كي يحصل على جمهور يشتكي من سوء أوضاعه الاقتصادية وارتفاع مستوى التضخم إلى أرقام قياسية مما يجعل اللاجئين كبش فداء يدفعون ثمن ذلك بأرواحهم حيث سقط عدد من اللاجئين قتلى وضحايا لهذا الخطاب الغوغائي الخطير وبالوقت نفسه أدخل الخوف داخل الملايين من السوريين في تركيا الذين باتوا لا يعرفون كيف سيصبح مصيرهم في المستقبل لا سيما أن الحكومة التركية بدأت ترفع شعار عودة اللاجئين السوريين في خطابها السياسي وتكرره باستمرار.

وهو الشعار الذي تردده الحكومة اللبنانية أيضا بغض النظر عن الخطر الذي ينتظر هؤلاء اللاجئين لدى عودتهم إلى أحضان الأسد حيث انعدام الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وحيث خطر الاعتقال والتعذيب ينتظرهم بشكل يومي تقريبا.

لقد عادت قضية اللاجئين السوريين إلى واجهة النقاش السياسي التي اكتشف قادتها أن العالم تغير لكن قضية اللاجئين السوريين بقيت ذاتها حيث نظام الأسد ما زال في موقعه، وحيث الخطر ينتظر كل لاجئ يفكر بالعودة إلى بلده، فقضية اللاجئين السوريين هي قضية سياسية بامتياز ولم تكن قضية إنسانية ومن دون حلها وإجبار الأسد على الرحيل وتطبيق القرار 2254 الذي ينص على مراحل الانتقال السياسي سنبقى ندور في الحلقة المفرغة ذاتها سنوات وسنوات.

أوروبا ترحب باللاجئ إذا كان قادما من أوكرانيا لكنها لا ترحب به إذا كان قادما من سوريا، هذه المعايير المزدوجة هي التي تخلق العنصرية ونظريات التفوق العرقي التي يعتاش عليها اليمين المتطرف

كتبنا سابقا عن المعايير المزدوجة في الطريقة التي تم التعامل فيها مع لاجئي أوكرانيا والطريقة التي تم التعامل فيها مع اللاجئين السوريين لكنها اليوم تبدو أكثر وضوحا وصراحة، فأوروبا ترحب باللاجئ إذا كان قادما من أوكرانيا لكنها لا ترحب به إذا كان قادما من سوريا، هذه المعايير المزدوجة هي التي تخلق العنصرية ونظريات التفوق العرقي التي يعتاش عليها اليمين المتطرف الذي أصبح اليوم التيار الرئيسي في أوروبا وحتى الأحزاب اليسارية تبدو اليوم وكأنها تطبق أجندة اليمين دون أن تردد ذلك، ولذلك تبدو الحاجة إلى إعادة التأكيد أن قيم حقوق الإنسان التي أقرها العالم عام 1948 ما زالت هي ذاتها اليوم وأنها تتحدث عن الإنسان بوصفه إنسانا بغض النظر عن لون بشرته أو دينه أو عرقه أو حتى الوطن الذي أتى منه أو جواز السفر الذي يحمله.