اللاجئون السوريون في تركيا بين حدّي الحكومة والمعارضة

2023.03.24 | 06:25 دمشق

اللاجئون السوريون في تركيا بين حدّي الحكومة والمعارضة
+A
حجم الخط
-A

ما يزال ملف اللاجئين السوريين في تركيا يحتل حيزا كبيرا ضمن برنامج عمل كلا المرشحين الرئاسيين لقيادة البلاد، والبرامج الانتخابية التي أطلقاها ويلتزمان بها تجاه الجمهور الانتخابي الذي لا يخفى أنه في معظمه قد ضاق ذرعا بوجود أكثر من ثلاثة ملايين ونصف من السوريين في بلاده، والذي يعتقد – أو يقتنع بقناعة دخلت إلى أذهانهم عبر حشد وتحريض إعلامي واسع النطاق – أنه ينفق على هؤلاء اللاجئين في مأكلهم ومشربهم وكافة سبل عيشهم ومعاشهم من ماله الشخصي أو الخزينة العامة لبلده، في ظل أوضاع اقتصادية حرجة وتضخم وارتفاع في الأسعار يتجاهل أسبابها بطبيعة الحال وينسبها كلها إلى بقاء هؤلاء اللاجئين إذ يعتبر أنه آن أوان إعادتهم إلى بلدهم الذي خمدت أو خمّدت فيه العمليات العسكرية ولم يعد هؤلاء يحتاجون للفرار منه التماسا لملاذ آمن، على الرغم من أن وزيرة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية السابقة "زهراء زمرد سلجوق" أقرّت بأن كل المساعدات المقدّمة إلى اللاجئين السوريين مموّلة من الاتحاد الأوروبي، ولم تنفق الدولة التركية شيئاً من الموارد المالية المخصصة للمواطنين الأتراك(!!!).

زعيم حزب الشعب الجمهوري "كمال كيلتشدار أوغلو" المرشح الرئاسي المتوافق عليه من تحالف الطاولة السداسية المعارض (تحالف الأمة) لمواجهة "رجب طيب أردوغان" الرئيس الحالي والمرشح أيضا لرئاسة الجمهورية عن (تحالف الشعب) الذي يضم بشكل رئيس حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية بقيادة "دولت بهتشلي"، كان قد أعلن مبكرا رؤيته لمعالجة ملف اللاجئين وكرر في غير تصريح أنه سيقوم بإرسال السوريين إلى بلدهم ووداعهم بالطبل والزمر خلال سنتين فقط من توليه الرئاسة، كما سيعيد علاقات تركيا الكاملة مع النظام السوري بما يتيح له الحصول على اتفاق و ترتيبات و(ضمانات) على حد زعمه بشأن عودة (آمنة) لهؤلاء اللاجئين، وأن تركيا ستساهم عبر الأموال الأوروبية ببناء منازل وبنى تحتية لهم في بلدهم.

قضية اللاجئين السوريين في تركيا وصلت إلى فصولها الأخيرة تقريبا والترتيبات النهائية بشأنها ما تزال معلقة بانتظار نتائج الانتخابات القادمة

على الجانب الآخر أيضا كان الرئيس أردوغان قد أعلن قبل سنة تقريبا عن مشروعه للعودة "الطوعية" لمليون من اللاجئين السوريين – كمرحلة أولى – إلى مناطق شمال غرب سوريا التي تخضع لسلطة الميليشيات الموالية لها والتي تعتبرها تركيا مناطق (آمنة)، وأنه سيبني لهم مساكن ومدارس وبنى تحتية تسهل لهم وتساعدهم على العيش بأمان في بلدهم، وأن خطوط التواصل الأمني والسياسي مع النظام السوري ما تزال مفتوحة لحوار يفضي لتبني رؤية لحل سياسي شامل (مفترض أو موهوم) ضمن مفاعيل وفضاء القرار الدولي 2254 وأنه بالتالي ستكون ثمة (ضمانات) تكفل وتسهل عودة اللاجئين إلى المدن والبلدات التي فر منها هؤلاء اللاجئون وما تزال تخضع لسلطة النظام السوري، الأمر الذي تتحقق معه شروط العودة (الطوعية) و(الآمنة) للاجئين (!).

إذاً فإن قضية اللاجئين السوريين في تركيا وصلت إلى فصولها الأخيرة تقريبا وإن الترتيبات النهائية بشأنها ما تزال معلقة بانتظار نتائج الانتخابات القادمة لتحديد السبيل الأنجع لطي تلك الصفحة، وعلى السوريين جميعا أن يدركوا تلك الحقيقة الساطعة في بيانها، ويكفوا عن مشاغلة أنفسهم بمحض أوهام تتعلق بنتائج الانتخابات مفترضين أن نجاح حزب العدالة والتنمية سيساعد في فرملة هذا الأمر ويطويه (!) متجاهلين أو غير عالمين أن استطلاعات للرأي أجريت في فترة ليست بعيدة أن نسبة كبيرة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية وأنصاره تطالب بإعادة السوريين إلى بلادهم (!).

ففي حين تستخدم أحزاب المعارضة صغيرها وكبيرها بمستويات مختلفة نبرة تحريضية صفيقة العبارات ضد اللاجئين بهدف استقطاب أصوات الناخبين وتخطيء سياسة الحكومة التي يرونها أكثر تساهلا بهذا الشأن والتأليب عليها، إلا أن الحزب الحاكم نفسه لم يكن بمنأى أيضا عن الاستثمار في ملف اللاجئين عبر اتخاذ إجراءات حكومية تبدو للوهلة الأولى أنها تنظيمية ولكنها في جوهرها وموداها تضييقية (مكافحة التركيز المكاني التي تضمنت وقف تسجيل الأجانب. والسوريون في المقدمة طبعا في 16 ولاية تركية، وإغلاق مئات الأحياء السكنية  أمام إمكانية السكن فيها، ووقف منح بطاقات الحماية والإقامات وعدم تجديدها في الكثير من الحالات.. وغيرها من الإجراءات الكثيرة) الأمر الذي يخلق حالة من الضغط وعدم اليقين وعدم الشعور بالاستقرار عند اللاجئين محمولة على حملات مستدامة منذ أواخر 2019 حتى الآن تخبو أحيانا وترتفع وتيرتها أحيانا أخرى بحسب مقتضيات الاستجابة لمزاج الجمهور المشحون بالكراهية وتغريداته و(ترينداته) على تويتر!!!.

قبل يومين فقط وصفت متحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في معرض تعليقها على قرار مجلس طعون اللاجئين الدانمركي (أن عودة اللاجئين السوريين إلى محافظة اللاذقية في غرب البلاد آمنة) بأنه قرار "مثير للقلق"، وقالت إن المفوضية لا تعتبر تحسن الوضع الأمني في سوريا كافيا بدرجة "تبرر إنهاء الحماية الدولية لأي مجموعة من اللاجئين".. هل قرأتم أو سمعتم  تصريحا من ذات المفوضية يعبر عن القلق تجاه أوضاع ومصير اللاجئين السوريين في تركيا؟!.

مصير السوريين اليوم في تركيا بات محسوما بين حدّي الحكومة والمعارضة وكلاهما حدد لنفسه ولجمهور الناخبين خريطة طريق واضحة إجرائيا وزمنيا بشأن تصفية ملف اللاجئين

تصفحت كثيرا في موقع المفوضية وعلى محرك البحث (غوغل) علّي أجد ضالتي..  تصريحا يعبر عن حد أدنى من القلق من البرامج المطروحة بشأن ملف اللاجئين السوريين أو على الأقل اشتراط توفر محددات واضحة تضمن سلامة وأمن هؤلاء وسبل عيشهم الكريم.. أو تصريحا واحدا بشأن ما يواجهونه من إجراءات تعسفية تتعلق بترحيلهم زرافات ووحدانا.. على أي قرار تشتم منه رائحة تضييق؟ لا أعتقد أنكم تنتظرون جوابي بالنفي لأنكم أخبر بالحقيقة في هذا الشأن ربما.

يبدو بكل أسف أن مصير السوريين اليوم في تركيا بات محسوما بين حدّي الحكومة والمعارضة وكلاهما حدد لنفسه ولجمهور الناخبين خريطة طريق واضحة إجرائيا وزمنيا بشأن تصفية ملف اللاجئين، ولا يغيّر من هذا الأمر نجاح الحزب الحاكم نفسه أو نجاح المعارضة في الانتخابات القادمة.. كما لا تغيّر من تفاصيل المشهد نداءات جمعيات حقوقية ومدنية تركية برفض الاستثمار السياسي لقضية اللاجئين وتجريدها من بعديها القانوني الإنساني.