الكوميديا الأسدية.. العيش في الجحيم الأسدي

2021.12.21 | 04:48 دمشق

1047157197_0_305_3073_2043_1920x0_80_0_0_1f11286b8fca1faf7e61ddfed32ed274.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعرف جميع السوريين، أن السلطة التي بناها حافظ الأسد لم تكن يوماً بحاجة لأي موجبات قانونية لكي تعتقل أي مواطن سوري، بعبارة أخرى، كان السوريون جميعا – ولا يزالون -مستباحين أمام الأجهزة الأمنية، فلا حقوق، ولا قانون، ولا منظمات، أو نقابات يمكنها أن تدافع عن انتهاك الحقوق.

ليس الأمر متعلقاً فقط بسهولة تلفيق أي تهمة تخطر على بال الجهات الأمنية، لتبرر اعتقالها لأي شخص، ولا بإرغامه على الاعتراف بهذه التهمة، الأخطر من هذا أن الجهات الأمنية إياها قادرة على سن القانون الذي تريد، وبالصيغة التي تريد، وسيتم إقرار القانون بكل سهولة، فالجهة المخوّلة بإقرار القوانين، ليست أكثر من جهة أمنية هي الأخرى.

تنص التعديلات الجديدة على تشديد العقوبات المرتكبة على الشبكة المعلوماتية، ليصل بعضها إلى سبع سنوات حبس، وغرامات مالية، منها ما وصل حتى 10 ملايين ليرة

ورغم عدم حاجة الأجهزة الأمنية السورية لأية قوانين في قمعها للشعب السوري، فإنها أتحفتنا مؤخراً بمأثرة جديدة تضاف إلى تاريخها الحافل والمبدع في فنون القمع وأساليبه، فقبل أقلَّ من أسبوع، وتحديداً يوم الخميس 16/12/2021م، نشرت "جريدة الوطن" التي تصدر في دمشق، والموالية للسلطة التي تحكم سوريا، مقترحات وتعديلات جديدة على مرسوم مكافحة الجريمة المعلوماتية "تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية"، أو ما يعرف بالمرسوم التشريعي رقم /17/ لعام 2012م، الصادر عن رئيس الجمهورية، وهذه التعديلات يناقشها مجلس الشعب في دورته الحالية لإقرارها، وتنص التعديلات الجديدة على تشديد العقوبات المرتكبة على الشبكة المعلوماتية، ليصل بعضها إلى سبع سنوات حبس، وغرامات مالية، منها ما وصل حتى 10 ملايين ليرة.

تنصُّ المادة 20 على أنه يعاقب كل من قام بوساطة إحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر معلومات تتعلق بالخصوصية، من دون رضا صاحبها، حتى لو كانت صحيحة، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وبغرامة مالية تتراوح بين 500 و مليون ليرة.

وتنصُّ المادة 22 من مشروع القانون، على أنه يعاقب بالسجن المؤقت من ثلاث إلى خمس سنوات، وبغرامة مالية من مليونين إلى 4 ملايين ليرة، كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أخبار كاذبة على الشبكة، من شأنها النيل من هيبة الدولة، أو المساس بالوحدة الوطنية، أو إثارة الرأي العام.

تنصُّ المادة 23، على أن كل من قام بنشر أمر على الشبكة بإحدى وسائل تقانة المعلومات ينال من شرف موظف عام، أو كرامته في معرض ممارسته لوظيفته، يُعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وبغرامة مالية من 500 ألف إلى مليون ليرة.

وتنصُّ المادة 24 من المشروع، على أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وبغرامة مالية حتى 200 ألف ليرة، كل من ذمّ أحد الناس بشكل غير علني، بوساطة وسيلة إلكترونية على الشبكة، وتشدد عقوبة الحبس من أربعة أشهر إلى سنة، وبغرامة تصل إلى 500 ألف ليرة إذا اقترف الذمّ بشكل علني.

أما المادة 36 من المشروع، فتنصُّ على أنه يحق للنائب العام أن يحرك الدعوى العامة، أو يأمر بتحريكها، في جرائم النيل من هيبة الدولة، أو النيل من هيبة الموظف، والجرائم التي تقع على الموظف أو على الدولة المنصوص عليها في هذا القانون، وإن لم يقدم المتضرر شكوى أو ادّعاء شخصياً، مشيرة إلى أنه يبقى للنيابة العامة سلطتها التقديرية، في تحريك دعوى الحق العام، ما لم يكن تحريك الدعوى مقيّداً أساساً في التشريعات النافذة.

باختصار شديد، يُمكن للسلطات الأمنية السورية وفق القانون الجديد، أن تعتقل أي مواطن سوري، وتحكم عليه بالسجن حتى خمس سنوات، وبغرامة مالية تصل إلى أربعة ملايين ليرة سورية، (المبلغ يعادل كامل الدخل لمواطن سوري لما يقارب أربع سنوات)، فقط إذا أعلن عن رأيه المختلف مع رأي السلطة بأي قضية عامة، لأن الحديث عن رغيف الخبز المفقود، وعن تدني مستوى المعيشة، وعن فقدان الحد الأدنى من مستلزمات البقاء وعن.. وعن... يعدّ كلّه مساساً بالوحدة الوطنية، أو نيلاً من هيبة الدولة، أو مثيراً للرأي العام.

ولا يحق لك كمواطن سوري أن تنتقد أي موظف عام في مؤسسات الدولة السورية، مهما يكن هذا الموظف فاسداً، أو فاشلاً، وقد تسجن لثلاث سنوات مع غرامة تصل إلى نصف مليون ليرة سورية، إذا انتقدت على أي موقع إلكتروني هذا الموظف، ولا تتطلب محاكمتك وسجنك أن يبادر الموظف الذي انتقدته لرفع دعوى بحقك، فقد أعطى المشروع الجديد الحق للنيابة العامة أن تحرك الدعوى ضدك.

ولا تستطيع كمواطن سوري أن تشارك مقالاً، أو صوراً، أو مقاطع فيديو على صفحتك قد تفسرها الجهات المختصة على أنها لا تتفق مع سياسة الحكومة، فهذه المشاركة تعدّ مساهمة في النيل من هيبة الدولة، أو المساس بالوحدة الوطنية، أو إثارة الرأي العام، الأنكى من هذا أنك قد تحاكم، حتى لو كان ما شاركته صحيحاً، لكنك لم تأخذ موافقة صاحبه.

السوري الذي يعيش الجحيم الأسدي، مطالب أن يفكر كما تفكر السلطة، وأن يعمل في السياسة كما تريد له السلطة أن يعمل

يطابق القانون الجديد إلى حد كبير، جوهر فهم السلطة الأسدية للدولة، وللحكومة، وللشعب وللأحزاب، فالسوري الذي يعيش الجحيم الأسدي، مطالب أن يفكر كما تفكر السلطة، وأن يعمل في السياسة كما تريد له السلطة أن يعمل، وأن يتفاعل مع ما يراه على مواقع الإنترنت كما تريد له السلطة أن يتفاعل، وأن يجوع، ويمرض، ويبرد، ويغني، ويدبك، ويصرخ، ويبكي، ويلبس، و.. و.. بالطريقة التي تحددها له الحكمة الأسدية.

أيها السوريون الذين تتنعمون بالعيش في ظل القيادة الأسدية، اقرؤوا جيداً الوصايا العشر الأسدية...

ممنوع عليكم:

أن تتحدثوا عن جوعكم، أو مرضكم، أو بردكم، أو رأيكم، أو سجنكم، أو فقركم، أو تشردكم.

أنتم في حضرة السلطة الأسدية: لا ترون، لا تسمعون، لا تتكلمون.

أنتم في مملكة القهر، أنتم في الجحيم الأسدي.