القوة الناعمة الأميركية ضد إيران

2020.02.07 | 23:05 دمشق

2020_01_13_84645_1578888049._large.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يتوقف الخبث الأميركي في صناعة الحروب الحديثة عند أي حد، بل إنه يتألق ويستمر في اكتشاف آفاق جديدة للتأثير على الخصم واطاحته اعتماداً على نقاط ضعف الخصم وليس بالتركيز التقليدي الذكوري العسكري على نقاط القوة لدى المهاجم، فالحرب العصرية التي تريد الولايات المتحدة تكريسها، تبتعد بشكل كبير عن إسالة دماء جنودها في الدرجة الأولى، وعن تهديد حلفائها بالدرجة الثانية.. وبالطبع لا يعني الدولة الأكبر في العالم من حيث الاقتصاد والقوة العسكرية والنفوذ السياسي، ما سيحصل لخصومها وشعوب خصومها، طالما أن مصالحها الأساسية بخير.

في الأسبوع الماضي وبعد الإذلال العلني الذي تعرضت له

استطاعت الإدارة الأميركية أن تغتال قاسم سليماني قائد فيلق القدس عن طريق قصفه بطائرة مسيرة، ومن ثم التهديد العلني بقصف 52 هدفاً في إيران إذا ما أصيب أي جندي أميركي في عملية الرد

الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بقطف أكبر رأس عسكري فاعل في الحرس الثوري، ومن ثم لجم (قطعان) الحرس الثوري بفروعه الثلاثة، الإيراني، والعراقي المسمى (الحشد الشعبي) واللبناني المسمى (حزب الله).

استطاعت الإدارة الأميركية أن تغتال قاسم سليماني قائد فيلق القدس عن طريق قصفه بطائرة مسيرة، ومن ثم التهديد العلني بقصف 52 هدفاً في إيران إذا ما أصيب أي جندي أميركي في عملية الرد، ولكن الحرس الثوري الذي لا يقدر إلا على إرهاب الشعوب وليس الخصوم، قصفت قواته وهي تردد شعارات الموت لأميركا طائرة مدنية أوكرانية تحمل ما يقارب 176 مسافراً، منهم حوالي سبعون مسافراً إيراني الأصل..

بعد كل هذا الإذلال وانكشاف الكذب الإيراني وتخشب الشعارات البالية، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية أنها قد اختارت رائدة الفضاء الأميركية من أصل إيراني "ياسمينة موغبيلي" وهي ضابط مشاة في البحرية الأميركية المارينز، لتكون من ضمن أول مجموعة تطأ أقدامها المريخ، وهذا يعد من أكبر الإنجازات العلمية المنتظرة لوكالة الفضاء الأميركية منذ النزول على القمر في الستينات، ويعد النزول على المريخ أحد أكبر وأصعب المهمات التي ينتظرها المجتمع العلمي والبحثي منذ عقود، وذلك لوضع كوكب المريخ وخصوصيته المتعلقة بوجود مياه فوقه وإمكانية استزراعه أو استصلاح أراضيه في القرون المقبلة.

بعيداً عن الفتح العلمي وعن أحقية رائدة الفضاء ياسمينة موغبيلي بهذا القرار، وهي حتماً كذلك نظراً لسيرتها العلمية والتدريبية الكبيرة في مجال الطيران والبحوث، إلا أن اختيارها في هذا المكان لا يخلو من رسائل مضمرة وخفية للنظام المتشنج خلف المتاريس في طهران، فياسمينة هي من الفارين مع أهلها من طهران إبان ثورة الخميني 1979، برفقة مئات الآلاف من الذين رفضوا ثورة دينية تقوم في بلاد متنوعة وكبيرة مثل إيران، التحقت بعدها برفقة أخيها في ألمانيا حيث ولدا بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا في أميركا حيث بدأت رحلتها في عشق الفضاء والبحث العلمي، وفي مؤتمرها الصحفي الذي عقدته، تحدثت وكالة ناسا عن موغبيلي بوصفها نموذجاً مثالياً لرائد الفضاء، بينما أصرت هي على أن يكون لها تأثير كبير

لعل الرسالة التي ستوجهها ياسمينة إلى الشعب الإيراني لن تكون أقل تأثيراً أو تحدياً مما يرفعه الشباب الإيراني في شوارع طهران من شعارات تندد بالإرهاب والتسلط الدكتاتوري

على من يشبهونها في أي مكان في العالم، وهي تخص بلدها إيران، حيث أتيح لها في العالم الحر ما لم يتح لأترابها و أبناء جيلها في الشرق الأوسط من فرص كي تثبت نفسها وتحقق أحلامها.

إن اختيار موغبيلي في هذه المهمة الاستثنائية الخطيرة، والدقيقة، التي لا تمنح عادة إلا للثقات من الطيارين، ما هو إلا رسالة سيكولوجية مباشرة للشعب الإيراني تشير إلى أن المجتمعات الحرة تستطيع بناء الإنسان والمستقبل بصورة أكبر من المجتمعات المقيدة والمعسكرة، وأن ذات الإنسان يستطيع تغيير قدره فيما إذا زرع في تربة صحية وحرة.

لعل الرسالة التي ستوجهها ياسمينة إلى الشعب الإيراني لن تكون أقل تأثيراً أو تحدياً مما يرفعه الشباب الإيراني في شوارع طهران من شعارات تندد بالإرهاب والتسلط الدكتاتوري الذي تمارسه السلطات الدينية في إيران والشرق الأوسط القابع تحت سيطرتها، وهي استراتيجية كبيرة تديرها أميركا عبر استغلال القوة الناعمة في التأثير على الشعوب المضطهدة لحثها على رفض الاستغلال والتحكم الذي تمارسه أنظمة كثيرة في الشرق الأوسط الذي يغيب فيه الإنسان الفرد تماماً لصالح سياسات الدولة الخاطئة منذ نصف قرن على الأقل.