القوات الأميركية في سوريا.. إعادة انتشار ورؤية جديدة

2021.07.28 | 06:29 دمشق

1023774912_0_29_1000_570_1000x541_80_0_0_44019bf8aa184ec4398818b4f05d39c7.jpg
+A
حجم الخط
-A

تشهد الأسابيع المقبلة انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق، دون الكشف عن الوجهة المحتملة لهذه القوات، إن كان انسحابها تجاه منطقة الخليج العربي أو زيادة حضور القوات في سوريا، وإن كانت المؤشرات تشي بوصول قسم كبير منها إلى سوريا.

ضمن إطار "التحالف الدولي" استقدمت واشنطن، مؤخرا، تعزيزات عسكرية ضخمة من العراق إلى سوريا، بغاية إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في ريف الحسكة، والمبررات وفق ما أعلن عنها تندرج ضمن مواجهة تصعيد تنظيم "الدولة" الإرهابي، الذي أعاد نشاطه بشكل متزايد في البادية السورية وزادت وتيرة عملياته ضد قوات "قسد".

التموضع العسكري الأميركي في سوريا قد يخضع لاعتبارات مختلفة، كان أبرزها القوى الإرهابية بسوريا، وفي مقدمتها تنظيم "الدولة" وعناصر النفوذ الإيراني

مع أن تقليص البصمة العسكرية الأميركية في المنطقة، بات يتضح أكثر عملياً، وهو الإجراء القديم الجديد الذي كانت واشنطن تفكر به منذ أكثر من 10 سنوات، ويرتبط حالياً بشكل أبرز بتحديد الأولويات الأميركية الخارجية، بسبب الصراع مع القوى الخارجية، لا سيما الصين، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى توجيه أولوياتها ومواردها صوب شرق آسيا، ومواجهة التحديات الصينية المتزايدة. إلا أن التموضع العسكري الأميركي في سوريا قد يخضع لاعتبارات مختلفة، كان أبرزها القوى الإرهابية بسوريا، وفي مقدمتها تنظيم "الدولة" وعناصر النفوذ الإيراني. إلا أن عوامل البناء والسلام على الأرض السورية، التي تحدث عنها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مطلع شهر تموز الجاري، تتطلب استمرارا أميركيا من ناحية سحب فتيل تفجّر الشمال الشرقي بفعل أية عمليات تصعيد عسكري، بالتزامن مع تنامي خطر "تنظيم الدولة" الإرهابي، سواء في شرقي الفرات أو البادية السورية.

ورغم ضبابية الموقف الأميركي مع تولي إدارة بايدن لرئاسة "البيت الأبيض" تجاه الملف السوري، إلا أن بقاء قاعدة "التنف" (المحاذية للحدود السورية – العراقية - الأردنية) في حفاظها على دعم العناصر العسكرية المحلية الموالية لها هناك من أجل مواجهة خطر تنظيم "الدولة"" و"العناصر ذات التبعية الإيرانية"، إضافة إلى دعم "قسد" ضمن إطار ضمان الإجهاز على تنظيم "الدولة" في المنطقة الشرقية. لا يدع مجالا للشك بانسحاب قريب للقوات الأميركية، بل على العكس من ذلك وبالتزامن مع حدوث أولى خطوات التقارب التي يبنى عليها بين الولايات المتحدة وروسيا، عبر ملف المساعدات الإنسانية، فإن بقاء القوات الأميركية إلى فترة الانتقال الحقيقية ضمن التسوية السياسية بسوريا هو المدى الوسطي لبقاء تلك القوات على الأراضي السورية.

قد تكون المرحلة المقبلة من المراحل التي تحتاج فيها واشنطن إلى إبقاء قواتها في سوريا وزيادة عددها وعتادها، وذلك بالاستناد لما ذكره قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، فرانك ماكنزي، الذي كان قد كشف في آذار الماضي عن ترقب صدور قرارات جديدة من الرئيس جو بايدن بشأن مستقبل وجود القوات الأميركية في سوريا، وأفاد حينذاك بانتظار ما يقرره بايدن، حول إذا ما كان في استمرار بقاء القوات في سوريا مصلحة للولايات المتحدة؛ فإنهم سيبقون لأجل غير مسمى.

ولا أعتقد أن التقارب الأولي بين واشنطن وموسكو في سوريا، سيدفع واشنطن لتسليم الروس زمام الأمور هناك وبالأخص في مناطق شمال شرقي سوريا. هناك مشتركات عديدة بين الروس والأميركان تستدعي بقاء القوات الأميركية، سواء مراقبة التطورات الميدانية بالشمال في شرقه وغربه، وكذلك مسألة المعابر الداخلية ونشاط النفوذ الإيراني، فضلا عن مراقبة المرحلة التي تضمن تحقيق التسوية من خلال بدء تنفيذ آلية خروج كامل القوات الأجنبية من سوريا بعد الانتهاء من كبح جماح النفوذ الإيراني هناك.

سيبقى الوجود العسكري الأميركي حاضراً بحده الأدنى على الأراضي السورية خلال الفترة المقبلة، مع أن تكثيف هذا الحضور سيكون أمراً حاصلاً في ظل الانسحابات من العراق وأفغانستان

ولو أن الاستراتيجية الأميركية تركزت خلال المراحل الماضية، على العمل ضمن استراتيجية "التحالف الدولي" في إطار الحرب على تنظيم "الدولة" الإرهابي في سوريا، وبعد هزيمة التنظيم تحولت إلى ملاحقة فلوله والحيلولة دون عودته مرة أخرى إلى جانب قوات النظام والروس إلى آبار النفط خلال عهد دونالد ترامب. إلا أن مسعى تثبيت الوجود لا يزال قائماً، ولا بد أن تضع واشنطن استراتيجية جديدة للمرحلة المقبلة، بالانطلاق من أن تنفيذ التفاهمات المنتظرة مع روسيا تقتضي وجودا عسكريا يحافظ على توازن القوى على الأرض.

سيبقى الوجود العسكري الأميركي حاضراً بحده الأدنى على الأراضي السورية خلال الفترة المقبلة، مع أن تكثيف هذا الحضور سيكون أمراً حاصلاً في ظل الانسحابات من العراق وأفغانستان، غير أن هذا الوجود المتوقع تزايده ينطلق من عوامل أساسية كبرى لم تتغير لدى واشنطن حتى مع وصول بايدن للحكم، أولها الضغط لتحريك العملية السياسية بالتوازي مع عصا عقوبات "قيصر"، وثانيها منع التمدد الإيراني في عموم المناطق السورية (لا بد أن تُوضع آلية مناسبة لهذا الملف بالتوافق مع الروس والإسرائيليين والأتراك)، وثالثها وأهمها تتمثل بـ منع حدوث الخلل في موازين القوى.