(العودة الطوعية) وانعكاساتها على مستقبل اللاجئين السوريين

2022.05.10 | 07:05 دمشق

kyfyt-altqdym-ly-tlb-alwdt-altwyt-mn-trkya-aly-swrya.jpg
+A
حجم الخط
-A

يتواصل الجدال القائم حول قرار الحكومة التركية بـ "العودة الطوعية" لنحو مليون سوري إلى الجغرافيا السورية وتحديدًا إلى الشمال السوري، الواقع خارج سيطرة النظام السوري.

قرار (العودة الطوعية) للسوريين الذي يبدو أنه يأخذ طابعًا جديًا وغير قابل للتراجع، بما يحتويه من خطة متكاملة ومدروسة منذ فترة، وهذه الخطة تواكب بحركتها حالة التجاذبات السياسية بين حكومة حزب العدالة والتنمية، وبين المعارضة التركية بكل مكوناتها، التي باتت برامجها الانتخابية تركز بشكل كبير على عودة السوريين إلى بلادهم، وهم في ذلك يحاولون الانقضاض ليس على السوريين فقط، بل الأكثر أهمية بالنسبة لهم على الحزب الحاكم، حيث أصبحوا على بعد سنة من انتخابات برلمانية ورئاسية واستحقاقات في تركيا يبدو أنها الأكثر حساسية والأكثر أهمية لكل القوى السياسية.

الواقع يقول إن سياسات حزب العدالة والتنمية (بما يخص المهجَّرين قسرًا إلى تركيا عبر أعمال النظام السوري العسكرية الأمنية القهرية التدميرية التي استخدمها نظام الفاشيست الأسدي)، كانت سياسات متوازنة وتأخذ الطابع الإنساني الإسلامي الذي يعتبر أن من واجب الشعب التركي التعاطي مع المسألة السورية من باب المؤازرة الإنسانية والأخلاقية، حيث تم استقبال ما ينوف على ثلاثة ملايين وستمئة إنسان سوري مهجر، ووضع معظمهم تحت الحماية المؤقتة، وباشرت تركيا عبر التعاون مع الاتحاد الأوروبي في القيام بخطط كثيرة لإعانتهم على تحمل عسف التهجير وألم اللجوء والفقدان للأرض والسكن وبعض أفراد الأسرة.

هذه السياسات الإنسانية لم تَرُق لبعض المعارضة التركية، وراحت تمسك بملف السوريين وتشبعه عنصرية من خلال نشر إشاعات غير صحيحة عن السوريين وأخطارهم المدعاة على الواقع التركي برمته.

لا بد من الوقوف والتعاطي الجدي مع هذا القرار لنرى إمكانية تنفيذه وانعكاساته على مجمل السوريين الذي أضحى بالنسبة لهم كابوسًا يهيمن على مخيالهم

لكن أمَا وأن القرار قد اتخذ الآن من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية بإعادة مليون شخص إلى الأراضي السورية، حيث بوشر بتأمين المساكن من الطوب لسكناهم حين عودتهم، ولأن هذه المسألة في ظل الواقع الصعب للسوريين سواء داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، أو ضمن مناطق الشمال حيث تهيمن هيئة تحرير الشام، أو حتى في المناطق الأخرى التي يهيمن عليها الجيش الوطني السوري. فإن لهذا القرار تبعاته وحيثياته بالنظر إلى الواقع الميداني الذي يفضي إلى تنفيذه خلال سنة على الأكثر من بدء الإعلان عنه والذي جاء ضمن حيثياته أنه يمشي وفق خطط بثماني خطوات.

من هنا كان لا بد من الوقوف والتعاطي الجدي مع هذا القرار لنرى إمكانية تنفيذه وانعكاساته على مجمل السوريين الذي أضحى بالنسبة لهم كابوسًا يهيمن على مخيالهم، خوفًا من تنفيذ أكثر من طوعي، يساهم في عودة غير آمنة، وتتكئ تخوفات السوريين إلى عدة معطيات ومحددات جعلت من إمكانية العودة الحالية همًا كبيرًا دفع بالكثير منهم للبحث عن أماكن أخرى للرحيل غير تركيا وغير الشمال السوري. ويعود ذلك لعدة نقاط منها:

  • إن الأوضاع الأمنية في الشمال السوري سواء لدى أماكن سيطرة الجيش الوطني أو مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام ليست بخير، وتحوم حولها بشكل يومي تفجيرات واستهدافات صاروخية من قبل عصابات النظام السوري تارة، أو من قبل عناصر قسد تارة أخرى، مما يجعل من الحالة الأمنية غير مستقرة، وتؤدي بشكل مستمر إلى بيئة غير آمنة البتة، وقد عجزت قوات الجيش الوطني حتى الآن عن إنجاز أي حالة أمنية مستقرة أو بيئة آمنة تجذب السوريين.
  • علاوة على أن البنية التحتية في الشمال السوري والتي سبق أن دمر القسم الكبير منها النظام السوري في حربه المجنونة  ضد السوريين، مازالت غير منجزة في بناءات وجودها المدني الحقيقي، وغير ملبية لمتطلبات الحياة اليومية للناس. ولا يبدو أن هناك إمكانية واقعية لإعادة بنائها من جديد في المنظور القريب وفق المعطيات المتاحة.
  • تقاسم النفوذ في الشمال بين حكومتين متناحرتين، في إدلب هناك حكومة الإنقاذ التي تتبع هيئة تحرير الشام، وفي المناطق الأخرى هناك الحكومة المؤقتة التي تتبع الائتلاف السوري المعارض، دون واقعية حقيقية لإنجاز خدمات أو أمن وطني يومي قادر على إنجاز حالة من الأمن والأمان.
  • ونتيجة الحالة الأمنية غير المستقرة فإنه لايجرؤ أي أحد من المستثمرين السوريين أو غير السوريين على إقامة أية مشاريع استثمارية كبيرة، تؤدي إلى إيجاد فرص للعمل تجذب العمالة السورية، وتعطي بابًا للرزق والحياة.
  • كما أن الأوضاع في الشمال السوري مازالت وحسب الاتفاق الذي جرى بين الاتحاد الروسي وتركيا في آذار/ مارس 2020 هي بمثابة التفاهمات المؤقتة التي تتعرض لاستهدافات مستمرة، ومن ثم فهي غير مستقرة وغير معروف مستقبلها، هل سيبقى بهيمنة سورية معارضة، أم أنه يمكن أن تحدث متغيرات تؤدي إلى انفلاتات أمنية كبرى تضيف لاجئين ومهجرين جددًا فوق المهجرين السابقين من مناطق أخرى كان قد قضمها النظام السوري في فترة أخرى سبقت.
  • ثم هل ستكون المساكن التي تبنى لعودة اللاجئين السوريين إلى الشمال السوري لكل السوريين بكل تصنيفاتهم السكانية من كل المدن والأرياف التي هُجروا منها، أم هي فقط لمن كانوا من سكان الشمال السوري ومن تعتبر هذه المحافظات هي محافظاتهم.
  • والسؤال الأهم من يحمي هؤلاء العائدين إلى الشمال السوري، فيما لو قرر النظام السوري ومعه روسيا وكردة فعل على ما جرى لروسيا في أوكرانيا، وتلك العقوبات الغربية الكبرى الواقعة على الاقتصاد الروسي، القيام بعملية عسكرية كبرى تهدم كل ما ستبنيه تركيا بمعونة قطر وبعض الدول. وهل من ضمانة روسية أو أميركية لبناء حالة مستقرة وقادرة على أن يصبح فيها المؤقت دائمًا.

لا أحد يمكن أن يخاطر بأسرته ونفسه إن لم توجد البيئة الآمنة التي تشجعه على الذهاب الطوعي إلى هذه المناطق السورية

وفق ذلك وبالرغم من التقدير الكبير لدى السوريين للحكومة التركية والشعب التركي على كل ما قدموه ويقدمونه من استقبال حسن فاق كل التوقعات، ونافس وتجاوز كل ما تم للسوريين في أماكن أخرى من المعمورة، إلا أن هذه المعطيات التي تحدثنا عنها تبقى معضلة لا بد من التعاطي معها بشكل واقعي وجدي، والعمل على تلافيها، وتخطي عقباتها الصعبة، ونحن نتحدث عن العودة الطوعية الآمنة. وهذا حق طبيعي لأي مهجر قسري حماية لأطفاله وأسرته، حيث لا أحد يمكن أن يخاطر بأسرته ونفسه إن لم توجد البيئة الآمنة التي تشجعه على الذهاب الطوعي إلى هذه المناطق السورية، ويعتبر مجمل السوريين أن لجوءهم إلى تركيا كان وما يزال مؤقتًا، ولأن عجز المجتمع الدولي، وبؤس المعارضة عن إنجاز عمليات انتقال سلمي للسلطة، وإنهاء حالة الاستبداد الأسدي هو ما جعل السوريين حتى الآن موجودين في بلد آخر غير وطنهم، لكن الأمل والحلم كان ومايزال هو العودة إلى منازلهم وسكنهم وبيوتهم ووطنهم الذي يحبونه بكل تأكيد، لكن بلا استبداد وبلا مقتلة أسدية وبلا كيماوي.