العنف العراقي والقلق اللبناني

2022.09.02 | 05:43 دمشق

h
+A
حجم الخط
-A

كعادة الانسدادات السياسية في البيئات المحتقنة، انزلق العراق إلى حمام دم جديد خلّف وراءه 30 قتيلا ومئات الجرحى في 24 ساعة فقط ليستعيد العراق مشاهد الاقتتال الداخلي التي لم ينسَها البتة.

هذا المشهد الدموي شدّ أنظار اللبنانيين وكلّ العالم إلى العراق، ودفعهم للسؤال عن مصير لبنان الذي يمشي عادة جنبا إلى جنب مع العراق.

إن تركيبة لبنان التعددية تقابلها تركيبة تعددية في العراق والنظام السياسي التوافقي في لبنان يشابهه آخر في العراق، واللاعبون الإقليميون في لبنان هم أنفسهم في العراق وواقع الشعوب يتشابه مع تسابق في مراحل الانهيارات لا أكثر على الرغم من أن العراق يعوم على آبار نفط ولبنان ينتظر ما سيخرجه له المتوسط إن سمحت التجاذبات السياسية بذلك في وقت لم تغيّر فيه هذه الثروات شيئا من الواقع الاجتماعي في العراق ولا ينتظر اللبنانيون الكثير مع هذه الطبقة الحاكمة. أما من الناحية الجغرافية فلبنان والعراق يتمتعان بأهمية كبيرة نظرا لمحاذاة لبنان للبحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ونظرا لكون العراق همزة الوصل أم القطع بين إيران والعالم العربي.

قد يكون أكثر ما يقرب لبنان والعراق من حيث التشابه هو أنهما على رقعة الشطرنج نفسها والتي يحركها نفس اللاعبين مستفيدين من التنازع الطائفي أو العرقي ومن هنا يجب أن تستقى العبر وتنقل الخبرات ويُدرَس اللاعبون والأحداث بعناية وبنظرة جامعة.

بالنسبة للاعب الإيراني وأذرعه في البلدين من حزب الله في لبنان إلى الحشد الشعبي والإطار التنسيقي في العراق، فإن منهج إيران أصبح معروفا ومكشوفا منذ الثورة السورية وما قبلها. فقوام المنهج أن جميع الوسائل مشروعة في سبيل الغاية ففي حين تواجه العديد من الأحزاب أذرع إيران بالطرق السياسية التقليدية وتحت السقوف الموضوعة وتتوقع بأن تلتزم بالمقابل إيران وأذرعها بقواعد اللعبة، تصدم بكون ذلك ما لم يحدث وهو بالطبع لن يحدث. ففي لبنان استخدم حزب الله سلاحه في وجه اللبنانيين حيث دعت المصلحة في 7 أيار الشهير كما انتقل الحزب بسلاحه خارج إطار الدولة اللبنانية متوجها نحو سوريا لسحق الثورة كما دفع حزب الله نحو إراقة الدماء بهدف تحييد خصوم سياسيين وتشويه بيئات اجتماعية كما حدث في عدة محطات في لبنان. إضافة، فلا داعي للتذكير بتصرفات إيران العسكرية نفسها بل أفظع بكثير في سوريا والعراق التي لم تتوانَ فيهما عن فعل كل ما هو ممكن بهدف مصلحة إيران العليا.

من هنا أخطأت الدول العربية بعدم بناء قوتها الخاصة واحتمت بأميركا التي كشفتها في عدة مواضع وعدة بلدان وهو ما جعل أمن الخليج مهددا اليوم والثورة السورية في مهب الريح

اليوم في العراق لا يتوقع أحد بأن تخجل إيران من استعمال السلاح أو توجيهه إلى داخل العراق فهي لطالما فعلتها وما يمكن أن يردعها عن ذلك ليس التزامها بمصلحة العراق ولا المواطنين بل تفكيرها بمصلحتها هي، في هذه المرحلة من اقتراب إنجاز الاتفاق النووي مع أميركا أو توازن القوة في الداخل إن وجد.

أما أميركا وكحال الدول، مع تميزها في ذلك، فمصلحتها فوق كل اعتبار وهي تبيع وتشتري بالحلفاء وغالبا ما يكون خصوم حلفائها أكثر المستفيدين في نهاية المطاف بخاصة في حال صبروا فهي لطالما قاتلت إيران بالحلفاء حتى تصل معها لطاولة المفاوضات وعندئذ تنسى الحلفاء وتقسّم معها الكعكة على حساب حلفائها الضعفاء. من هنا أخطأت الدول العربية بعدم بناء قوتها الخاصة واحتمت بأميركا التي كشفتها في عدة مواضع وعدة بلدان وهو ما جعل أمن الخليج مهددا اليوم والثورة السورية في مهبّ الريح والعراق مدمّر ومستباح ولبنان محمية إيرانية وكل ذلك قبل إتمام الاتفاق النووي الذي سيعطي أريحية إضافية لإيران للعمل في محيطها عند إتمامه!

أما اللاعب الأوروبي الذي دخل على الخط بشكل أكبر عبر فرنسا في الفترة الأخيرة فقد أثبت بأنه هاوٍ في سياسة الشرق الأوسط وبأنه بحاجة لتحديث طرق التعامل مع اللاعبين أصحاب الخبرة الطويلة فيه وهو ما جعل فرنسا تفشل في إنجاز أي شيء في لبنان في الفترة الأخيرة على الرغم من الاهتمام الكبير وزيارات ماكرون المتكررة لتعود للإذعان لأصحاب النفس الطويل وتمشي بما يريده حزب الله في لبنان وتتفرج على العراق. عليه، لا يمكن للاعب الأوروبي أن يكون حلا للمنطقة ولا يمكن أن يكون أكثر من مفاوض أو وسيط.

لذلك فإن إسقاط كل هذه المعطيات على ما يحدث في العراق يجعلنا نؤكد أن الحشد الشعبي ومن معه لا مانع لديهم من المواجهة العسكرية وإراقة الدماء إن كانت لصالحهم في الإطار العراقي والإقليمي وهو ما على المعتصمين والمعارضين الحذر منه وموازنته بشكل أكبر كما أنه لا يمكنه التعويل إلا على أنفسهم والتقاطعات الدولية والإقليمية في ظل الغياب العربي والتأرجح الأميركي. أما لبنان فهو غير بعيد عن المشهد العراقي فهو قادم على فراغ كبير في المؤسسات الدستورية مع انهيار اجتماعي مخيف جاعلا الانزلاقات الأمنية سهلة الحدوث كما في العراق وقد تكون عنيفة كمثيلتها في العراق لكونها تنسحب سريعا إلى التمظهر الطائفي. لا يعني ذلك ترجيح حدوث حرب أهلية لبنانية كون عناصرها غير متوفرة بل الأكثر ترجيحا هو تفلتات أمنية تحصد أرواح اللبنانيين والمقيمين دون وزن!

في هذا الوقت ينتظر لبنان والعراق اتفاقات كبرى تحدد مصيرهما خاصة مع لاعبين محليين، بغالبيتهم، تعنيهم مصالحهم ومصالح رعاتهم أكثر بكثير مما تعنيهم مصلحة البلاد والمواطنين.