العملية الإسرائيلية في الجولان: جنوب لبنان الممنوع

2020.10.16 | 01:12 دمشق

thumbs_b_c_008e74c15187c8bcc0a2ff2053da0147.jpg
+A
حجم الخط
-A

كشف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في توقيت لافت، عن عملية نفذها جنود من لواء "ناحال" وكوموندوز من وحدة  "يهلوم"، ضد مواقع للجيش السوري في المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان المحتل.

العنوان الذي ساقته الصحافة الإسرائيلية لتبرير هذا الهجوم يعود إلى انتهاك دمشق لاتفاق فك الاشتباك الذي يمنع قوات النظام من التموضع في تلك المنطقة، ولكن البارز كان تصريح تال غوريتزكي من لواء "ناحال" الذي قال "نحن على علم بالتعاون بين الجيش السوري وحزب الله، كل مؤسسة عسكرية سورية لديها القدرة على أن تصبح مؤسسة مزدوجة لن نسمح بأن يصبح جنوب سوريا جنوب لبنان".

يرسم هذا التصريح خريطة طريق واضحة لمنطق التعامل الإسرائيلي مع لبنان وسوريا في المرحلة القادمة، ويرسخ حدودا أمنية وعسكرية يمنع تجاوزها كما يؤسس لواقع سياسي جديد.

أمنيا يعلن هذا الاختراق لمنطقة تخضع لاتفاقات مبرمة وتاريخية بين النظام السوري وإسرائيل، أن أمن الأسد وبقاء نظامه مرتبط بفك الارتباط بينه وبين حزب الله وإيران، وأن عليه الاختيار بشكل حاسم ونهائي بين الحفاظ على الاتفاقات الثابتة وصيانتها ومنع التلاعب بها، أو الخروج الواضح منها بما يعنيه ذلك من نهاية محتومة له.

لم تكن الإشارة إلى جنوب لبنان سوى تأكيد على هذا السياق نفسه، والدفع بالتهديد إلى حدود قصوى، فإذا كان الجيش الإسرائيلي لا يتورع عن القيام بعملية داخل منطقة تحكمها اتفاقات أوشك عمرها أن يبلغ النصف قرن، فإن جنوب لبنان الذي لا يوجد أي اتفاق يضبط ايقاع التعامل مع الحالة الأمنية التي تنشأ فيه ومن خلاله، سوف يكون عرضة لكل أنواع العمليات.

الازدواجية الممنوعة في سوريا الأسد الحليف التاريخي لإسرائيل والتي شرعنت عملية عسكرية سرية ستشرعن عملية إبادة لجنوب لبنان

الازدواجية الممنوعة في سوريا الأسد الحليف التاريخي لإسرائيل والتي شرعنت عملية عسكرية سرية ستشرعن عملية إبادة لجنوب لبنان.

ينطبق الأمر على كل أنواع الازدواجيات وليس فقط على ثنائية قوات النظام - حزب الله وحسب.

 يتكامل هذا التصريح مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كشف فيها عن وجود عدة مواقع لتصنيع الصواريخ وتخزينها  في قلب بيروت وقرب المطار.

تطلق كل هذه السياقات المتتالية إشارة لا تخطئ عن أن ازدواجية حزب الله - مواطنين، أو حزب الله - جيش لبناني أو قوى أمنية لبنانية، تعتبر ساقطة، وأن الاستهداف سينال كل بنية تغطي هذه الازدواجية وتتبناها.

خرق الحدود الذي يمثل المجال الرمزي للعملية الإسرائيلية في الجولان يعني ببساطة أن فكرة الحدود يجب أن ترسم وفق إطار واضح ونهائي، أو لن تكون هناك أي حدود على الإطلاق في الأمن والعسكر والجغرافيا وكذلك في السياسة.

وهكذا فإن كل ألعاب شراء الوقت التي يمارسها حزب الله والنظام السوري والتي تفرض على الداخل بالتنكيل والترهيب والقمع، لا تسري على منطق التعامل مع إسرائيل.

ترسيم الحدود في هذا الصدد والمفاوضات التي انطلقت بشأنه بين لبنان وإسرائيل ينضبط وفق التصور الإسرائيلي وفق معاني عملية الجولان.

حزب الله حرص على التنصل من العملية وعمل على إدانتها وأنكر منحه الشرعية لها، وخاض حربا مع رئيس الجمهورية ميشال عون على تشكيل الوفد المفاوض. فعل كل هذا ليحافظ على سريان الازدواجية القائمة حاليا، والتي يحاول أن  يتخذ منها متراسا يقيه شر العقوبات والهجمات المتصاعدة ضده، والتي تكاد في الفترة الأخيرة تحظى بإجماع عربي ودولي قل نظيره.

يحاول الحزب الإلهي توظيف مفاوضات الترسيم في سياق مشروعه الرامي إلى انتزاع شرعية لبنانية وسورية تثبت سيطرته على لبنان وتشرعن وجوده في سوريا.

 يعتبر أن الدفع الأميركي في اتجاه سرعة إنجاز هذا الملف يمكن أن يجعله طرفا فاعلا ومؤثرا في مسار الانتخابات الأميركية المقررة في الثالث من شهر تشرين الثاني القادم، وأنه يمكنه من خلالها أن يشتري لإيران كرسياً في مفاوضات تقاسم النفوذ في المنطقة.

بنى حزب الله منطقه هذا على حاجة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إنجاز  يساعده على إعادة انتخابه، معتقدا أن ترسيم الحدود هو ذلك الانجاز الذي يحتاجه، والذي يعني تسريع وتيرته أن حزب الله وإيران قد باتا في حالة تفاوض مباشر مع أميركا من موقع متقدم.

جاءت الرسالة الإسرائيلية في الجولان ومؤشرات التعامل الأميركي مع هذا الملف وزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر إلى بيروت لتقول كلاما يناقض طموحات حزب الله.

اقتصر ما رشح عن الأميركيين والإسرائيليين في هذا الصدد أن المقايضة في حدودها القصوى هي بين تسريع الترسيم وبين عدم كشف الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت،والتي أصدر "الأف بي آي" مؤخرا تقريرا بشأنه يفيد أنه كان حادثا وليس عملا عسكريا أو تفجيرا.

لم يقرأ حزب الله التطورات المتسارعة ولم ينتبه الى أن جل القوى الفاعلة في المنطقة باتت تفضل التعامل مع كل شياطين الأرض عليه وعلى ولي أمره الإيراني، وأنها ذهبت بعيدا في ذلك وشرعت في تنفيذ خطة تطبيع مزدوج مع إسرائيل تحت مظلة أميركية ومع بشار تحت مظلة روسية.

لا تجيد إيران وجماعاتها التعامل مع فكرة الحدود لا في الجغرافيا، ولا في الأمن، ولا في السياسة، ولا في الاقتصاد والعسكر، فقد قامت على تجاوز الحدود، ولكن ها هي الحدود تنفجر في وجهها في كل مكان.

 مهمة إعادة رسمها تقع على عاتقها. الرسائل الصاروخية والعقابية تنهمر عليها من كل حدب وصوب لإجبارها على التزام حدودها، وهو أمر كرسه واقع ممارستها منذ العام 1979 بوصفه انتحارا. لذا فإن على إيران الآن الاختيار بين انتحارين فإما أن تنتحر داخل حدودها وإما أن تنتحر بتجاوزها، أو قد نشهدها قريبا تقيم حفلات تجرع كؤوس السم على امتداد خريطة نفوذها المتهاوي.