العلاقة بين إقليم كردستان وكُرد سوريا.. الجذر التاريخي

2021.08.09 | 06:58 دمشق

unnamed.jpg
+A
حجم الخط
-A

تمهيد: بقيت العلاقة بين الكُرد في سوريا والعراق مبهمة وبل مجهولة للغالبية العظمى من السوريين، حتّى بدأت الثورة السورية، والتي رسخت العلاقة بين الكُرد على طرفي الحدود، فجعلت المتابع "العربي" في حيرة من أمره؛ لطبيعة وتركيبة العلاقة بين الكُرد السوريين وإقليم كُردستان العراق عامة، وأربيل خاصة. في ظل الدعم المعنوي والسياسي واللوجستي الذي قدمته النخب السياسية الكردية العراقية للحدث السوري للشرائح الشعبية الكردية والسورية، وعلى الصعيد الرسمي ودعمه للمعارضة السورية، وعمله على توحيد الأحزاب الكردية، ومحاولاته الحثيثة لرأب الصدع الكردي –الكردي.. إلخ كل هذه النمطية في التعامل دفعت المتابع العربي للاستفسار حول عمق هذه العلاقة وجذرها التاريخي ومدى التشبيك السياسي والقومي بين الطرفين. ولتوضيح طبيعة التواصل بين الطرفين، سنلجأ إلى شرح مبسط لأبرز مراحل ومحطات العلاقة بينهما، مكتفين بمحطات رئيسية فقط، دون الدخول في سجالات الانشقاقات الحركة الكردية في سوريا.

تأثيرات ثورات البارزانيين وجمهورية كردستان على كُرد سوريا

تقول المصادر التاريخية ومعاصرو فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، إنَّ الكُرد في سوريا خضعوا للتأثيرات النفسية والسياسية لانتكاسة انتفاضة البارزانيين في 1943-1945، التي طالبت بالحكم الذاتي ضمن العراق، ثم انهيار جمهورية كردستان 1946 في مهاباد-إيران- فالاتفاقيات الدولي وزعت العائلة والعشيرة الواحدة على طرفي الحدود بين سوريا والعراق، وكان من الطبيعي أن لا تقف السواتر الترابية أو الحدود البرية عائقاً أمام أيّ تواصل بينهم، هذه الصدمات إضافة إلى بلورة الشعور القومي الكردي في سوريا، أسهم في التأسيس لحقبة سياسية بطبيعة خاصة للكرد السوريين قوامها التواصل والامتداد مع حركات التحرر الكردستانية، منطلقين من انتمائهم إلى الأمة الكردية. شكلت الأحاسيس والعواطف القومية وكنتيجة للتراكم النضالي القومي وتأثير الثورات في كردستان العراق دفعاً معنوياً قوياً في الذاكرة الكردية الجمعية، والاندفاع النضالي في سوريا، وأسهمت بقوة في نشوء التنظيمات السياسية الكردية السورية، ومع بداية الحركة السياسية الكردية بشكل رسمي في سوريا تحت اسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني –سوريا" في1957، والذي يُعرف اختصارا بـــ"البارتي" وبعد الإعلان عن الحزب حمل جلال طالباني، والذي كان ممثلاً عن الحزب الديمقراطي الكردستاني –العراق في دمشق الذي أسسه وقاده المُلا مصطفى البارزاني، رسالة تهنئة من البارزاني للمباركة في تأسيس الحزب وللمطالبة والتشديد على ضرورة الوحدة بين جميع الأطراف السياسية والشعبية الكردية[1]، حيث وجدت بعض التنظيمات التي لم ترتقِ لمستوى الحزب قبل ذلك التاريخ.

فترة الوحدة بين مصر وسوريا

كانت الجمهورية العربية المتحدة تأمل في ضم العراق ليكون الضلع الثالث في تلك الدولة، فازداد الاهتمام بالكرد في سوريا والعراق؛ لما لهما من تأثير ودور بارز ووازن وإن بنسب متفاوتة وغير متكافئة من حيث التسليح والجيش والعتاد والترسيخ التنظيمي ودوره بين الجماهير الكردية في سوريا والعراق. وكان للكرد دور مهم في وحدة العراق مع أي طرف أخر، وكانت الأجواء السياسية تمهد ليكون لكرد سوريا دور ومشاركة في تمتين الجمهورية المتحدة خاصة إذا تم ضم العراق إليها [2]؛ لما للكرد على طرفي الحدود من امتداد تاريخي وجغرافي، لذا سعى عبد الحميد السراج إلى إيجاد علاقة مع الكرد، على أمل الاستفادة منهم مستقبلاً. لكن مع تأييد كرد العراق لعبد الكريم قاسم الرافض للانضمام إلى جمهورية الوحدة، وتوسع دائرة النشاط السياسي والاجتماعي والتنظيمي للحزب الديمقراطي الكردستاني –سوريا، شكل عاملاً مهماً في زيادة المضايقات ضد نشاط الحزب وأعضائه، ومع إبعاد اللجنة المركزية للحزب بعض قياداته إلى كردستان العراق هرباً من بطش المكتب الثاني، بدأت في آب 1960 حملة اعتقالات على قيادات وقواعد البارتي السوري وصلت إلى/32/ عضواً من القيادة والقواعد الحزبية، ورداً على ذلك أصدرت جرائد البارتي العراقي على صفحاتها الأولى دعوات لإطلاق سراح المعتقلين والحرية للأسرى السياسيين. تطور الأمر لتدخل قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني –العراق لإطلاق سراح قيادة وقواعد البارتي السوري من المعتقلات حيث إنَّ البارتي –العراق "تدخل لدى سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد، مطالباً بالإفراج عن المعتقلين الكرد في سوريا، والتي كانت حينها في وحدة مع مصر التي كان جمال عبد الناصر لا يزال ينظر للعراق كالدولة الثالثة المأمولة انضمامها إلى دولة الوحدة مع مصر وسوريا، وكان لابد من ترضية أكراد العراق الذين يُعتبرون قوة مؤثرة في قرار الوحدة".[3]

شغف كُرد سوريا للانضمام إلى ثورة أيلول

ومع بداية ثورة أيلول 11/9/1961 في كردستان العراق ضد الدكتاتورية والسياسات الماحقة بحق مكونات كردستان، وضعت قيادة وقواعد البارتي السوري، والمستقلون والشرائح الشعبية المختلفة، نفسها وإمكانياتها تحت تصرف الثورة وخِدّمتها، محاولة البقاء على اتصال دائم معها، معتمدة على ما كان يصلها عبر الحدود سواء من مناشير أو موفدين أو جماعات كُلفت بنقل السلاح والمؤونة من المناطق الكردية في سوريا إلى الثوار والثورة، وتطور الأمر إلى انخراط أعداد كبيرة من الكرد السوريين في صفوف الثورة ومقتل قسم كبير منهم، واستمر الكرد السوريين بدعم الثورة عبر تشكيل لجان حزبية ومستقلة لجمع التبرعات العينية والنقدية للثورة وكانت أخبار الثورة تلعب دوراً أساسياً في شحذ الهمم وزيادة الارتباط وتشكيل وحدة حال بين الطرفين. ما شكل عامل ارتباط روحي أقوى وأمتن، من السابق، خاصة وأن الكُرد في سوريا في تلك الفترة كانوا يعانون من بداية الخلافات في جسم الحزب السياسي الوحيد لديهم، فكانت مشاركتهم في الثورة نابعةً من واجب وطني وقومي وإحساساً بالمسؤولية بوحدة المصير.

الانقسام الحزبي وتدخل البارزاني لرآب الصدع

تعرض البارتي السوري إلى هزّة قوية في 1965 وأدى إلى انقسامه إلى اليمين واليسار، كنتيجة للمخاض السياسي الذي اجتاح المنطقة ومن ضمنها الوضعية السياسية والشعبية الكردية، والتي لم يكن الصراع حول ماهية الحزب وأساليب النضال والموقف من التطور الديمقراطي والاجتماعي في البلاد، بعيداً عن الأسباب التي دفعت للانشقاق، بل إن مضمون الدعوة القومية للكُرد في سوريا، والموقف الكردي من الثورة الكردية في العراق، لم تكن هي الأخرى بعيدة عن تلك الأسباب.

ورغبة من المُلا مصطفى البارزاني والغيورين على وحدة الصف الكردي السوري، تقرر عقد مؤتمر سُمي "المؤتمر الوطني لأكراد سوريا" في منطقة "ناوبردان" في كردستان العراق في 26/8/1970، افتتحه البارزاني محاولاً خلق مساحة كبيرة للتوازن بين الطرفين، وفي الختام تمخض عن المؤتمر صيغة نهائية لتوحيد شقي الحزب عبر تشكل قيادة مرحلية لإدارة الحزب خلال فترة تتراوح بين /6-12/شهراً. لكن عدم اتفاق الطرفين /اليمين –اليسار/ وتشظي الخلافات أدى إلى وجود ثلاث كتّل سياسية سميت حينها بــ/الحياد، اليمين، اليسار/* بعد ذلك انشقت الأحزاب على نفسها، حيث تعرض اليمين/التقدمي إلى جملة من الانشقاقات ومع ذلك بقي محافظاً على نسق علاقاته التاريخية مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني –العراق برئاسة الراحل جلال طالباني. وتعرض اليسار لهزات وانشقاقات عديدة، لدرجة لم يبقَ له حالياً سوى تنظيمات صغيرة جداً توزعت بعضويتها بين أحزاب الإدارة الذاتية، أو المجلس الكردي، أما الحياد والذي سُمي بالحزب الديمقراطي الكردي في سوريا/البارتي هو الآخر انشق على نفسه، مع ذلك بقي الحزب الأم محافظاً على مدّه التاريخي السياسي القومي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني –العراق برئاسة البارزاني. وفي منتصف 2014 أعاد الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا /البارتي/ تشكيل الحزب الديمقراطي الكردستاني –سوريا، وعقد مؤتمره في أربيل عاصمة إقليم كردستان.

من ثورة كولان إلى انتفاضة 2004

بعد غدر البعث العراقي باتفاقية الحكم الذاتي بين كردستان والعراق، ومحاصرة الثوار الكُرد من قبل النظامين العراقي والإيراني، اضطر الثوار والمدنيون الكُرد العراقيون للجوء إلى المنطقة الكردية في سوريا، حاملين معهم مداً للتأثير السياسي والعسكري والنفسي، وهو ما تجلى عبر التحاق أعداد كبيرة بثورة كولان التي اندلعت في 26/5/1976، رداً على المظلومية التي ألحقت بكردستان، وشارك فيها أعداد كبيرة من أبناء الشعب الكردي في سوريا، داعمين الثورة بالعتاد وما يلزم، وكان للانتصار الذي حققته الثورة وقعٌ كبير لدى الكرد السوريين، الذين قرروا الهجرة والاستقرار في كردستان العراق، وشارك الكُرد السوريون أيضاً في انتفاضة عام1991 والتي تكللت بالحكم الذاتي/منطقة حظر طيران/. ومع اشتداد القبضة الأمنية ضد الشعب الكردي في انتفاضة 2004 في القامشلي، تدخل الإقليم إلى جانب أشقائه عبر قنواته الدبلوماسية والمواقف الرسمية، واحتضان المئات من الفارين من القمع والملاحقة، واستيعاب العشرات من الطلبة الكرد المفصولين من الجامعات السورية، في جامعات إقليم كردستان.

قصارى القول: العلاقات بين الطرفين تعود إلى وحدة المصير والحال، والانتماء الهويّاتي إلى الأمة الكردية، وهو ما شكل تعميقاً للشعور القومي والمصير المشترك. لذلك حملت الأحداث التي تلت 2011، انعطافة كبيرة على صعيد العلاقات بين الطرفين، انتقلت من التعاطف والمساندة الوجدانية والروحية والتضحية، إلى مفهوم ترسيخ الحق السياسي للشعب الكردي.

في المادة الثانية سيتم الحديث عن العلاقة بين إقليم كُردستان والمجلس الوطني الكردي.

 


[1]- أحمد، ملا محمد، تأريخ حركة التحرر الوطني الكردي في سوريا، رابطة كاوا للثقافة الكردية، أربيل، كردستان، ص51.

[2]-  المرجع نفسه، ص73.

[3]- الكرجع نفسه ، ص 82

*-اليسار: هو اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا تأسس في 1956 وتم تغيير اسمه في 1980 إلى إتحاد الشعبي الكردي في سوريا. اليمين: وهو الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، أضيف إلى اسمه عام1977 كلمة التقدمي ليصبح اسمه الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا. الحياد: وهو الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا/البارتي، حيث عقد مؤتمره عام1972 في الداودية بمنطقة بامرني بكردستان العراق. للمزيد يُراجع: شمدين، علي، الحركة الكردية في سوريا وظاهرة الانشقاقات /1916-2016/ مطبعة طهران، السليمانية، كردستان العراق، 2016، ص74.