العفو عن "المعفيين" من الخدمة!

2021.03.20 | 06:30 دمشق

16156340281938131526.jpg
+A
حجم الخط
-A

أصدر بشار الأسد يوم الجمعة 12 من آذار/مارس 2021 مرسومه رقم 1 لهذا العام 2021 متضمناً "عفواً عن كامل عقوبة عدد من الجرائم التي ارتكبها المكلفون بخدمة العلم قبل تاريخ 12-3-2021 بقصد التملص من الالتحاق بها مؤقتاً أو دائماً" وفقا لما أوردته وكالة الإعلام التابعة له.

ولئن كان الأسد قد اعتاد على إصدار مراسيم عفو متشابهة من حيث الصياغة، توحي بعفو "شامل وواسع ومجرّد"، يثبت التطبيق العملي لاحقا أنه "محدود وضيّق واختياري". فمن الملاحظ أن مرسوم العفو الأخير قد جاء مقتصرا على فئة محددة، أولئك هم المكلفون بخدمة العلم الذين –بقصد التملّص من الالتحاق بخدمة العلم مؤقتاً أو دائماً- ارتكبوا؛ (جرائم التزوير واستعمال المزور المنصوص عليها في المواد 444 و448 و452 و454 و455 و460 من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته، وجريمة التلاعب بقصد تخليص النفس من الخدمة المنصوص عليها في المادة 109 من قانون العقوبات العسكري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 وتعديلاته. واشترط المرسوم لراغبي الاستفادة من العفو أن يكونوا قد التحقوا بالخدمة أو أن يلتحقوا بها خلال ثلاثة أشهر من صدور المرسوم).

واستثنت المادة 3 من المرسوم من هذا العفو العام باقي المساهمين جزائياً في الجرائم المشمولة بأحكامه. ويشمل ذلك كل شخص شارك في التزوير أو استعمال المزوّر أو التلاعب، أو ساهم في الإعفاء من الخدمة المبني على هذه الأفعال.. مما يعني أن المقصود بالعفو هم أولئك الذين التحقوا أو سيلتحقون بقوات الأسد حصرا، دون غيرهم.

هذا المرسوم لم يخرج بدوره عن سياسة الانتقائية المتبعة في المراسيم السابقة القائمة على اختيار فئة محددة من "المتهمين بمخالفة القوانين"

ولئن كانت الأسباب التي تُبنى عليها مراسيم العفو التي تصدر عن الأسد عديدة ومتنوعة، أبرزها سعي الفئة الحاكمة للتمسّك بمظهر السلطة الشرعية، والظهور بمظهر الدولة التي تملك التجريم والعفو، بعد أن فقدت هذه الفئة في الواقع آخر أوراق التوت التي كانت تتستر بها في هذا الإطار.. وقد يكون صدور المرسوم 1 لعام 2021 قد بُني على هذه الأسباب. ورغم أن هذا المرسوم لم يخرج بدوره عن سياسة الانتقائية المتبعة في المراسيم السابقة القائمة على اختيار فئة محددة من "المتهمين بمخالفة القوانين"، واختيار "أفعال جرمية" بعينها منسوبة لتلك الفئة، إلّا أن الصيغة المختصرة للمرسوم الأخير تكشف بوضوح السبب الأظهر له، والذي يتمثل في رغبة الآلة العسكرية للأسد في دفع أولئك الذين حصلوا خلال السنين السابقة، على إعفاء من الخدمة أو تأجيلات ممتدة، عن طريق مصدقات دراسية أو تقارير طبية أو بداعي السفر -وذلك لا يكون في مزرعة الأسد إلّا بوساطات من العيار الثقيل ومقابل رشاوى للمسؤولين واللجان-  دفع هؤلاء  للالتحاق بآلة القتل الأسدية، لتعويض حالات الانشقاق والفرار الداخلي والخارجي، ولتغذية الميليشيات بدماء جديدة تنعشها بعد كل ذلك النزيف الذي عانت منه في حروبها على الشعب السوري. أو إكراههم على معاودة استجداء رضا منظومة الأسد من جديد بمبالغ جديدة تدفع لتغذية منظومة الفساد المستمرة في ممارستها للوساطة والسمسرة وتقاضي الرشى الذي اعتادت عليه، وللتغلب على التأثيرات الناجمة عن العقوبات المفروضة على النظام، إذ تستغل هذه المنظومة لتحقيق مآربها كل وسيلة متاحة، بما في ذلك استصدار المراسيم المخالفة لدستور الأسد نفسه والقوانين الصادرة عن برلمانه، حتى ولو أدى ذلك لاستنزاف آخر رمق لدى المواطنين السوريين.