العشيرة في سوريا بين الاستقطاب المتعدد وتبدل الولاءات

2021.06.08 | 06:42 دمشق

artboard_10_2.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعتقد بعض مؤيدي الثورة السورية أن إحياء الانتماءات العشائرية سيسهم في الإصلاح الاجتماعي لمجتمع يُجِلُّ التقاليد والعادات القبلية، وبالتالي يمكن أن يساعد في إعادة إرساء بعض الأمن المفقود في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. كما يعتقدون أن ذلك قد يؤدي إلى المصالحة بين الفصائل المختلفة ويساعد في استمرار قتالها ضد النظام.

ومع ذلك، يعتقد آخرون أن هذه التجمعات العشائرية ستزيد الانقسامات الاجتماعية وتحفز التحيزات القبلية والمناطقية - وهو تطور لن تمانع فيه بعض الجهات الفاعلة والدول الخارجية. ويجادل هؤلاء بأن العشائرية يمكن أن تقوّض الثورة بسهولة وتضعها في خدمة الأجندات الأجنبية.

في الوقت نفسه، يحاول النظام السوري استخدام الانتماءات العشائرية لتحقيق مآربه الخاصة.

النظام السوري

قام النظام السوري بتنظيم العديد من اللقاءات العشائرية داخل المناطق التي يسيطر عليها في محاولة لاستخدام العشائر لصالحه، لا سيما لجهود المصالحة التي يبذلها. وقد وجد النظام أن العشائر يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في هذه العملية..

قسم النظام الولاءات العشائرية داخل العائلات، فقد يكون هناك أحد الأعمام أيّد الثورة إلى جانب معظم أفراد العشيرة، بينما كان ابن عم أو شقيق آخر يدعم النظام، وشمَل ذلك شيوخَ وعائلاتِ كبارِ شيوخ العشائر في سوريا.

تمكَّن النظام السوري خلال حكم كل من حافظ وبشار الأسد من تطوير صيغة من السلطة داخل العشائر التي كانت تمسِك بالشؤون العشائرية ورصد سلوك أفرادها وأوجد نسخة مصغَّرة من نظام الأسد داخل كل عشيرة.

كان النظام يختار قادة العشائر ليس لسمعتهم أو حتى فعاليتهم، ولكن لإظهار السلطة التي فرضها النظام على الآخرين. وبذلك كان النظام قادراً على إجبار العشائر على فعل ما يريد مُعمِّقاً انقساماً كبيراً في بنى المجتمع العشائري.

انخرط كثيرون من الطبقة الوسطى والعشائر في الثورة في سبيل إنهاء هذا التدبير على أساس أن إسقاط النظام يمكن أن يطيح بالأسر الحاكمة التي نصَّبها النظام في العشائر.

بقيت العائلات الكبرى من شيوخ العشائر موالية للنظام انطلاقاً من إدراكها للتهديد القائم لسلطتها. وقاتل أفراد هذه العائلات إلى جانب النظام ضمن ما يسمى ميليشيات الشبيحة، وغالباً ما كانوا يقتلون أفراد عشائرهم إذا انضموا إلى الثورة.

على سبيل المثال، كان هذا ما حدث في حلب عندما شكَّلت عشيرة آل برّي كتائب شبيحة أقدمت على تصفية أسَر الطبقة الدنيا في العشيرة التي انضمت إلى الثوار، وكذلك أفراد العشائر الأخرى ذات المكانة الاجتماعية المتدنية، وقد لعبوا دوراً رئيسياً في تحطيم الدعم للثورة في حلب.

التنظيمات الجهادية

على الرغم من أن العديد من أفراد العشائر حملوا السلاح ضد النظام، فإنهم لم يتمكنوا من تشكيل كتائب كبيرة مثل القرى غير العشائرية التي نجحت في ذلك وخاصة في إدلب وحلب. كانت هذه الكتائب قادرة على قيادة الثورة في شمال سوريا والحصول على الأسلحة والمساعدات الخارجية، وكانت تعمل في الغالب على أساس المناطقية والمغالاة الفصائلية. انضم أعضاء العشائر بصفتهم أفراداً فقط، دونما تأثير كبير في صنع القرار.

وهذا ما يفسر انضمام العديد من العشائر من ريف حلب الجنوبي والشمالي وحماة الشمالي والشرقي، بالإضافة إلى الرقة ودير الزور، إلى جبهة النصرة وتنظيم الدولة. حيث وجد أبناء العشائر في هذه التنظيمات أنها بعيدة عن الانتماءات المناطقية أو الحزبية الفصائلية، وبدلاً من ذلك قدمت الفصائل الجهادية نفسها أنها ذات أيديولوجية واسعة النطاق يمكن أن تشمل جميع أولئك الذين هُمِّشوا في الثورة.

استندت تلك التنظيمات إلى عقيدة دينية حاربت المناطقية والطائفية ومنحت السلطة والمكانة الاجتماعية لأولئك الذين انضموا إليها، بل وحتى قدَّمت خدمات أكثر من الفصائل الثورية التي اعترَتها صور إدارية تعسُّفية وإدارة تنظيمية ساذجة..

تركيا

في تلك الأثناء عملت تركيا على كسب العشائر السورية وتمكنت من احتضان العديد من قادتها. وقد ساعدت أيضاً في إنشاء مؤسسات عشائرية من خلال عقد مؤتمرات مثل مؤتمر إسطنبول الذي أفضى إلى إنشاء المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية ومقره إسطنبول.

تُوفّرُ العشائر لتركيا مجال نفوذ واسع داخل المجتمع السوري من خلال الإشادة بالسياسات التركية وتعزيزها وكذلك من خلال إنشاء فصائل ذات أغلبية عشائرية مؤيدة لتركيا شاركت في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون.

تستفيد تركيا أيضاً من كسب ولاء العشائر في مسألة مستقبل سوريا، وكثيراً ما أكدت للروس أنها تتمتع بدعم من قطاع كبير من المجتمع السوري.

ترى العشائر السورية المتحالفة مع تركيا أنها المدافع الوحيد عن "الإسلام السني" في وقت بدا فيه أن السعودية قد تخلت عنه.

من هنا نجد اجتماعات ومؤتمرات كثيرة للعشائر تعقد في مناطق الجيش الحر الذي تدعمه تركيا، في محاولة من تركيا لإظهار التأييد المجتمعي لها ودعم وجودها ودورها بسوريا، كما أن تركيا تريد نزع الشرعية عن "قسد" من خلال كسب العشائر التي لها صلات بتلك الموجودة شرق الفرات.

السعودية

يتعيّن على أي شخص يدرس المجتمع القبلي في سوريا أن يلاحظ عدم وجود تأثير سعودي على بنية العشائر السورية، على الرغم من أن معظم العشائر السورية هي امتداد للعشائر السعودية ولديها روابط قوية معها، ولا سيما مع قبيلة عنزة التي تنتمي إليها الأسرة المالكة السعودية. بفقدان هذا التأثير، فقدت السعودية أيضاً قدراً كبيراً من قدرتها على التصدّي لإيران في المنطقة.

قسد

أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، فقد تمكنت من كسب قدر كبير من الدعم من عشائر الجزيرة في مواجهة المخاوف التركية من مشروعها. تحوَّل العديد من أفراد تلك العشائر من دعم النظام إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة تنظيم الدولة، الأمر الذي أضر مباشرة بعشائرهم.

العشائر وهيئة تحرير الشام

ظهر الجولاني أكثر من مرة في اجتماعات عشائرية في إدلب، وتحدث عن دور العشائر وتأثيرها في المعادلة السورية، مؤكدا أن تحرير الشام تقيم اعتبارا للعشائر ودورها في حاضر ومستقبل سوريا، وأن النظام أهمل وحارب التأثير العشائري في المجتمع.

فتحرير الشام هي الأخرى تحاول كسب واستقطاب العشائر لصالح مشروعها، فقد سعت لسحب البساط من  الفصائل الثورية من خلال إظهار نفسها،  أنها أشبه بدولة تعطي أهمية لكل شرائح المجتمع ومنها العشيرة، كذلك شكلت تحرير الشام من خلال حكومة الإنقاذ مكتباً للعشائر "مجلس شورى العشائر" الذي له دور كبير في إدلب، فهو يقوم  بعقد الصلح سواء في النزاعات التي تحدث بين فئات المجتمع، أو بتلك النزاعات بين تحرير الشام والفصائل، وهذا "مجلس شورى العشائر"  يمارس صلاحيات واسعة تجعله يؤثر في قرارات تحرير الشام، حيث يمكن له أن يخرج معتقلين من سجون الهيئة، ويعقد جلسات صلح، كما أنه يقوم بدفع ديات القتلى بالنزاعات التي تحدث بها عمليات قتل وثأر عشائري.

وتقوم تحرير الشام باستخدام علاقتها مع العشائر بالترويج لجهودها في تأسيس مؤسسات وبناء هيكل دولة، فهي تستفيد من الاستقطاب العشائري في محاربة خلايا تنظيم الدولة، من خلال تشنيع وجهاء واصحاب النفوذ عشائريا على الأسر التي ينتمي أحد أبنائها إلى تلك الخلايا.

يهاجم بعضهم المؤتمرات العشائرية والتجمعات التي تعقد في مناطق المعارضة السورية عموما، حيث يعتبرون أن هذه المؤتمرات ليس لها تأثير على أرض الواقع وهي مضيعة للوقت، مؤكدين أن العشائر ليس لها نفوذ وسلطة على أفرادها، كما كان الحال منذ عقود، وبالتالي لا فائدة من استقطاب شيوخ العشائر الذين لا يملكون سلطة التأثير في عشائرهم، كما أن هؤلاء الشيوخ مُتبدّلو الولاء وسريعو التحول.