الصين ستدفع ثمن الكورونا..

2020.04.17 | 00:01 دمشق

2020-04-16t114724z_1424500971_rc2n5g9e37r5_rtrmadp_3_health-coronavirus-china.jpg
+A
حجم الخط
-A

لعل مهمة حماية النظام الليبرالي والديمقراطية، هي أهم خطوة يجب التركيز عليها في عالم ما بعد الكورونا، فالعالم والتداعيات الخطيرة التي تحيط بالأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكاد تكون أشد خطورة وسطوة وبطشاً من تأثيرات الكورونا الصحية والاجتماعية وحتى الاقتصادية.

إن الصراع العالمي على النفوذ والاقتصاد والسياسة، فرض أساليبَ قد تكون غير إنسانية من أجل الوصول إلى القمة، دون أن ننسى الاستعداد الصيني الروسي للانقضاض على العالم الليبرالي، وتقويضه تماماً، بناء على أدوات وأساليب طورها هذا النظام الديمقراطي نفسه، وعلى رأسها فكرة حرية التعبير، والديمقراطية التي أتاحت لهاتين الدولتين الشموليتين استغلال مساحات حرية التعبير من أجل بث سمومها النافية لتلك القيم، وطرح أسئلة من نوع:

 ماذا قدمت الديمقراطية للمواطن الأوروبي، ساعة الوباء؟

أو ألم تكن دكتاتورية الصين أو بوتين، أشد فعالية في حماية المواطن، ساعة الضياع وتخبط القرار الذي تفرضه الديمقراطية؟

أسئلة قد تبدو بريئة ووليدة لحظتها الغاضبة، ولكنها في الحقيقة نابعة عن مراكز لوبيات ودراسات ومؤسسات إعلامية تمولها الدولتان الأشد شمولية ورعاية للدول المارقة في العالم، دون أن ننسى أن قناة روسيا اليوم التي تبث باللغات الفرنسية والإسبانية والإنكليزية والعربية طبعاً، تلك القناة ممولة بشكل مباشر من الخارجية والمخابرات الروسية، وهي تشن حربَ معلومات خطيرة جداً، حرباً تستغل مناخ حرية التعبير في أوروبا وأميركا، لتستضيف جميع منظري الخراب ودعاة تقويض الليبرالية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، لتفسح لهم المجال وأثير الفضاء لكيل المديح لبوتين وسياساته في سوريا وأوكرانيا مثلاً، ونقد أخطاء النظم الأوروبية العلمانية والتي تتقبل اللاجئين وتدعم السياسات الليبرالية والعدالة الاجتماعية، وصولاً إلى تقديم التجربة الروسية على أنها نموذجٌ لقوة الدولة التي تصمد تارة أمام الإرهابيين وتارة أمام الأوبئة، أما الصين فتلك تعمل بأسلوب مختلف يعتمد على الاختراق المعلوماتي والتقني عبر البوابة الاقتصادية، وليست معركة الهواوي والجيل الخامس للإنترنت سوى البداية، حيث ترغب الصين بفرض تعميم عالمي على نموذجها في ضبط المجتمع الصيني، عن طريق فرض رقابة صارمة على أجهزة الهاتف والكومبيوترات عبر رصدهم عبر الإنترنت، ومن ثم تحويلهم إلى أهداف يمكن اصطيادها، وللعلم فإن الصين غير مشتركة في نظام الإنترنت العالمي ولديها شبكة إنترنت خاصة بها، قائمة الممنوع أكبر بمرات من قائمة المسموح فيها، ولكن الأخطر من هجوم اللوبيات ووسائل الإعلام المدعومة من هاتين الدولتين، هو التأثير  الانتخابي على شرائح تنادي بقوة وبإعجاب لانتهاج النموذج البوتيني الذي مرر في أسابيع الكورونا الأولى تعديلاً دستورياً يتيح له الحكم ل 14 عاماً قادماً، وبالفعل فلقد تعالت أصوات اليمين الفرنسي والإيطالي وحتى الأميركي في ضرورة الالتفات إلى الصين والحذو على نهجها في التعاطي مع الكوارث، ومن هنا تكمن الأزمة فتقارير الاستخبارات المسربة تتوقع انفجارات شعبية ومظاهرات قد تكون غير سلمية في العواصم الأوروبية التي تعرضت لصدمة نفسية جراء الكورونا وجراء سياسة الحجر المنزلي، التي انتهجتها الصين وكانت فعالة دون أية ارتدادات في داخلها المجتمعي، ولكن مع تطبيقها في الغرب وتسميتها بسياسة التباعد الاجتماعي، أصيب المجتمع بحالة نفسية تشبه الإحباط حيث توقفت الحياة فجأة وتوقف الاقتصاد والرياضة والفعاليات وكل شيء، دون أي موجب مادي ملموس سوى الإعلام والترهيب بقوة الدعاية.

 الشيء ذاته في الولايات المتحدة، فانفجار رد فعل شعبي في الشارع قد يكون أمراً طبيعياً ممكن الحصول في المجتمعات الحرة، حسب مبدأ الفعل وردّ الفعل، أن تحبس شعباً كاملاً في بيته لمدة شهرين هو أمر يستدعي توقع تصاعد غضبه، ونزوله إلى الشوارع للتعبير عن هذا الغضب، وهو أمر كان لا بد أن يحدث في شوارع دمشق أو بغداد على سبيل المثال منذ سنوات طويلة لولا القمع الكبير الذي تمارسه القوى الأمنية على الناس هناك دون أن ننسى أن مقدمات حالية يتم تداولها عن حالة كساد اقتصادي، وركود في معدلات التنمية وفقدان مئات الآلاف لوظائفهم في كل من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، نتيجة سياسات الحجر الصحي، مترافقة مع كساد قطاع الطيران والسياحة والفنون والأشغال العامة والنقل والتجارة الكمالية والبناء والتصنيع المدني، مما سيرتب على الدول الصناعية مليارات من الدولارات كتعويضات على المتضررين.

ومن المتوقع نتيجة لذلك أن تستغل الصين وروسيا هذا الأمر لتدفع بالتظاهرات إلى حدها الأقصى، لتمرير التغيير الذي يروجون له، التغيير الذي يتحدث عن نهاية عصر هيمنة أميركا على العالم، وأن الصين ستمسك بالاقتصاد العالمي بقوة بعد أزمة الوباء العالمي.

ربما نكون قد ذقنا كشعوب عربية الويلات من أميركا، ولكننا سنذوق ويلات أشد وأعتى لو تمكنت الصين من التحكم في سدة العالم، ينتقد اليسار العربي المساند للنظم الشمولية، الولايات المتحدة والغرب عموماً، ويمارس هذا اليسار نفوذاً وشرعية كبيرة على وسائل الإعلام العربية، لاسيما أنه يختبئ داخل حصان طروادة المسمّى المقاومةَ والممانعة، لكن اليسار ذاته لن يتفوه ببنت شفة على انتهاكات حقوق العمال في الصين، أو تجاوزات نظام بوتين لتسعين في المائة من الدستور الروسي أو تشريعات حقوق الإنسان العالمية، ولا يقدم أي تصور للنظام العالمي فيما لو كنا تعساء لدرجة أن تتحكم الصين به.

في المحصلة تشير التحليلات أن تحالف دول العالم الحر، سيقوم بحملة كبيرة جداً ضد الصين، حملة اقتصادية وسياسية، ربما تصل إلى حد فرض عقوبات قاسية جداً ضد( نظام الرئيس إلى الأبد ) الذي تسبب بانتشار فيروس كورونا في العالم أجمع بسبب سياسات التعتيم والكذب والتضليل التي مارستها على شعبها وعلى العالم، من هنا يجب على هذه الدول أن تطالب بلجنة تحقيق دولية تدخل ووهان  وتدقق في كلّ معطيات الوباء، ومسبباته.

من المؤكد أن الصين لن تقبل بنتائج هذه اللجنة إن جاءت ضدها، وبالتالي سيكون الباب مفتوحاً على مصراعيه لمعاقبة الصين التي اشتبكت فعلياً مع الولايات المتحدة اقتصادياً، ولكن الأمر استفحل وعدد الوفيات في الولايات المتحدة تجاوز حاجز ال15 ألف ضحية، حيث أصبحت الدولة الأكثر تضرراً في العالم من هذا الفيروس الذي سمّاه ترامب بالفيروس الصيني، ولم يعد الأمر مجرد خلل جرثومي تحت السيطرة كما في البدايات في ووهان.

يتحدث المدققون عن احتمالية مصادرة وزارة الخزانة الأميركية للسندات الصينية التي اشترتها في عقود سابقة نتيجة أزمات اقتصادية في سنوات الألفية و ال2008، وما قبلها، والتي من الممكن أن يصل سعرها إلى تريليونات الدولارات، وتؤكد دراسات رد الفعل أن الصين لن تعترض، وإن قامت بأي رد فعل غير المنسق له ، فإن النظام العالمي الجديد سيكون أسرع مما نتخيل..

فسقوط الصين في فخ الخروج عن عجلة الصناعة، والاتجاه نحو النزاع العسكري، سيؤدي إلى تغييرات شاملة في جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، وحتى الشرق الأوسط، وبالطبع فإن روسيا بوتين سيكون لها موقف مساند لأميركا في ذلك النزاع ، وهذا بحد ذاته ملف يحتاج إلى العديد من الدراسات .

كلمات مفتاحية