الصراع على الفردية في الولايات المتحدة

2021.10.08 | 06:02 دمشق

2021-10-07t013101z_1843159497_rc2p4q9mlsmj_rtrmadp_3_usa-congress-debt-ratings.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما زال على الأقل 70 مليون أميركي لم يحصلوا على لقاح كورونا رغم توفره بالمجان في كل الصيدليات والمراكز الطبية المنتشرة بكثرة في كل أرجاء الولايات المتحدة، والسبب الوحيد هو الموقف السياسي من أخذ اللقاح وأنه جزء من الحرية الفردية ولا يجوز للحكومة أن تقول لمواطنيها ماذا عليهم أن يفعلوا، هذا الموقف الذي كان ثمنه عودة الأميركيين إلى ارتداء القناع في الأماكن العامة، والأخطر استمرار الوفيات الأميركية في رقم مرتفع ومخيف تجاوز 700 ألف شخص توفوا نتيجة انتشار هذا الفيروس الوبائي.

ربما يعطي هذا مثالا حياً وواقعياً على فكرة الفردية الأميركية التي تميز حياة الأميركيين عن مختلف المجتمعات حتى الغربية نفسها، فرقم التلقيح الإجباري في أوروبا أعلى بكثير من الولايات المتحدة ذاتها، وربما تعود هذه الفردية إلى أصل الديمقراطية الأميركية فقد كتب ألكسيس دي توكفيل كتابه العظيم (الديمقراطية في أميركا) على ضوء هذه الملاحظة الجوهرية.

فقد سافر عالم الاجتماع والمنظّر السياسي الفرنسي ألكسيس دي توكفيل (1805-1859) إلى الولايات المتحدة في عام 1831 لدراسة سجونها وعاد مع ثروة من الملاحظات الأوسع التي دونها في "الديمقراطية في أميركا" (1835)، وهو واحد من أكثر الكتب المؤثرة في القرن التاسع عشر. مع ملاحظاته القوية حول المساواة والفردية، وهو ما جعل من عمل توكفيل تفسيراً قيماً لأميركا للأوروبيين وللأميركيين لأنفسهم.

كان يعتقد أن المساواة كانت الفكرة السياسية والاجتماعية العظيمة لعصره خاصة بعد الثورة الفرنسية وإسقاط الملكية، واعتقد توكفيل أن الولايات المتحدة قدّمت المثال الأكثر تقدماً للمساواة في العمل. لقد أعجب بالفردانية الأميركية ، لكنه حذر من أن مجتمعاً من الأفراد يمكن أن يتحول بسهولة إلى مجزأ وموحد بشكل متناقض عندما "يضيع كل مواطن في الحشد ، بعد أن يُستوعب مع البقية". لقد شعر أن مجتمعاً من الأفراد يفتقر إلى الهياكل الاجتماعية الوسيطة - مثل تلك التي توفرها التسلسلات الهرمية التقليدية - للتوسط في العلاقات مع الدولة. يمكن أن تكون النتيجة "استبداد الأغلبية" الديمقراطي حيث يتم تسوية الحقوق الفردية (الديمقراطية في أميركا ، 2012)

أعتقد أن تعليقات توكفيل ماتزال صالحة اليوم للمجتمع الأميركي بالرغم من التنوع الإثني الكبير الذي حصل للجمهور والتغييرات التي حدثت داخل المجتمع الأميركي ليكون أكثر تنوعاً في العرق واللغة أيضاً مما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في كيفية رؤية الأميركيين لأنفسهم، لكن بقيت صفة الفردية عاملا حاسما ومميزا بشكل كبير.

تعبير الفردانية الأميركية أصبح عاملاً مميزاً للثقافة الأميركية وقد كتب هربرت هوفر كتاب "الفردانية الأميركية" عام 1922، والذي أعادت مطبعة هوفر إصداره مؤخراً

تعبير الفردانية الأميركية أصبح عاملاً مميزاً للثقافة الأميركية وقد كتب هربرت هوفر كتاب "الفردانية الأميركية" عام 1922، والذي أعادت مطبعة هوفر إصداره مؤخراً.

يركز الكتاب على فكرة أن الفردية القوة الأساسية للحضارة الأميركية لثلاثة قرون."إن نزعتنا الفردية هي التي وفرت حافز المؤسسات السياسية والاقتصادية والروحية الأميركية في كل هذه السنوات. لقد أثبتت قدرتها على تطوير مؤسساتها مع المشهد المتغير. شكل حكومتنا ذاته هو نتاج فردية لشعبنا، المطالبة بتكافؤ الفرص ، للحصول على فرصة عادلة".

بحسب هوفر فإن "الرائد الأميركي هو التعبير الملحمي عن تلك الفردية، والروح الرائدة هي الاستجابة لتحدي الفرصة، لتحدي الطبيعة، لتحدي الحياة، لنداء الحدود" مضيفاً "لقد منحت لهم روح الريادة عبقرية مؤسساتنا. فردانيتنا متجذرة في طبيعتنا. إنه يقوم على قناعة ولدت من التجربة. تكافؤ الفرص، الطلب على فرصة عادلة، أصبحت صيغة الفردانية الأميركية لأنها طريقة الإنجاز الأميركي.

إن فردانيتنا ليست أرضاً وسطاً بين الاستبداد - سواء الناشئ عن المولد أو عن أصل اقتصادي أو طبقي. لكنها تحتوي فقط على تدمير القوى التي تحقق تقدماً في نظامنا الاجتماعي. كما أن الخلاص لا يأتي بأي وسيلة لتركيز السلطة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، فكلاهما يمثلان انعكاسات متساوية لاستبداد العالم القديم في الملابس الجديدة".

اليوم تقوم هذه الفردية على انهيار فكرة التضامن المجتمعي ورفض الامتثال لقرارات الحكومة فيما يتعلق بضرورة أخذ اللقاح، إنها حصيلة مرّة من الإبداع ولكن من المرارة في إدارة الأفراد ضمن مجتمع عام.