الصراع على الأمن

2022.07.21 | 05:49 دمشق

الشرق الأوسط
+A
حجم الخط
-A

تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط بشكل غريب، وكأن اللاعبين الأساسيين كانوا غافلين عما جرى فيه منذ عقد ونصف، أو منذ نصف قرن وأكثر... تتسارع إذ يحاول المقاولون الرئيسيون للعمليات في بلاد الشرق الحزين تشكيل تكتلات صغيرة داعمة للمشاريع الدولية المنخرطة في الصراع الدولي الراهن، أميركا بإدارة الديمقراطيين اعتذرت عن انكفائها عن الشرق الأوسط، وبأنها لن تتركه مرة أخرى فريسة للفراغ ومساحة للأعداء (الروس والإيرانيون أو الصينينون) كي يتموضعوا فيه بسهولة.

تتخذ الاتفاقية الإبراهيمية شكل مظلة للتحالف الجديد، الذي ارتفع صوته فجأة، ليضم دول ما عرف باسم الاعتدال العربي: الأردن ومصر ودول الخليج، مضافاً إليها العراق الخارج من دوامة الفقر والعنف الطائفي برئاسة الشخصية الجدلية مصطفى الكاظمي.

يدخل جو بايدن الشرق الأوسط من تل أبيب مبشراً بالعمل على إدماج إسرائيل في ميحطها العربي، والعمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وسط توتر كبير بينه وبين من خاصمهم حينما كان يخوض الانتخابات الرئاسية، فهو لم يصافح ولي العهد السعودي وادّعى أن ذلك بسبب الكوفيد، ولكنه صافح الملك سلمان بعد دقائق، لم يكن اللقاء سهلاً، التوتر كان سيد الموقف، رفضت السعودية زيادة الإنتاج المفرطة، ورفضت بيع التطبيع مع إسرائيل دون مقابل عربي كبير، رفضت كثيراً ولأول مرة طلبات الحليف التاريخي لها.

أميركا تحاول خلق منظمة أمن إقليمية، تساعدها في الحد من التوسع الروسي أو الصيني مستقبلاً.. وتدعم الكيان الأوروبي المأزوم اقتصادياً وبالقوة الشرائية والطاقة، وللمرة الأولى تبدو الولايات المتحدة في أوج أوقاتها إلى جميع حلفائها.

في المقابل وعلى إيقاع الصراع في أوكرانيا، نزل الرئيس الروسي في طهران برفقة الرئيس أردوغان، لعقد قمة خاصة بسوريا، التي تشكّل أكبر أزمة في الشرق الأوسط.. بوتين كذلك يسعى لإرضاء الحلفاء، فلا نية له للبقاء معزولاً كما توعده الغرب.

تركيا أذكى اللاعبين السياسيين، إذ إنها تستفيد من ذكاء حكامها باللعب مع خلف الناتو، غرباً، واللقاء مع أعداء حلف الناتو، شرقاً

الأطراف الثلاثة ستكون مستفيدة من إيجاد حل للقضية السورية، تركيا أذكى اللاعبين السياسيين، إذ إنها تستفيد من ذكاء حكامها باللعب مع حلف الناتو، غرباً، واللقاء مع أعداء حلف الناتو، شرقاً.

بوتين يقدّم نفسه كداعية سلام وكلاعب أساسي في العالم، فهو يساهم في حل أزمة الغذاء العالمي، أزمة القمح، ويساهم في حل أزمة سوريا، التي خلقها بنفسه.

طهران التي وجدت نفسها خارج المنظومة الأمنية الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط، استطاعت إيجاد وهم يشغلها بالتحالف مع روسيا وتركيا أمنياً، لتحقيق توازن بين معسكرين يقسمان العالم.

الشرق الأوسط إذاً ممزق، بين منظومتي أمن، إقليميتين، فالشرق الأوسط يحكم العالم، بالطاقة والممرات المائية والبرية التجارية، وملف أمن الهجرة.. وهذه عوامل ستكون أساسية في العقدين المقبلين، حيث يتم إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد، تحالفات وتشكيلات تسعى لتطويق بعضها البعض.

الشرق الأوسط وحده يقبع دون منظمة أمنية إقليمية، تخاطب العالم، وتحظى بمصداقية دولية، مما يجبر الغرب أو الشرق دوماً على التدخل عسكرياً في حالة حصول زلزال أمني أو إرهابي.. إفريقيا تشاطره التشرذم بواقع أفضل قليلاً ونسب نمو وتنمية واستقرار أشد ثباتاً.. ولكن ماذا إذا لم تتحقق المنظمة الأمنية الإقليمية؟

في حال فشل السعي الإقليمي، ستدخل المنطقة مجدداً في دوامة العنف والانقلابات ولعبة الشطرنج بين أقطاب العالم، تماماً كما حصل بعد إسقاط حلف بغداد، الذي حاول تشكيل قوة إقليمية تحمي مصالح دوله وتتحالف مع القوى الغربية في مواجهة تكتل عبد الناصر وجمهوريته المتحدة، التي سقطت بالنقاط لا بالضربة القاضية بعد انقلاب 61 في سوريا، ولوقف المد السوفييتي نحو المياه الدافئة.

ومن غير المرجح أن تتصادم المنظومتان الإقليميتان، إلا في حال رغب بوتين بذلك إثر تطورات الوضع في أوكرانيا، العرب كانوا وما زالوا متفرجين في هذه اللعبة، إسرائيل وإيران تتبادلان أدوار البطولة والشر، في أعين شعوب المنطقة، لكن تكتلاً جديداً تقوده السعودية ومصر يراد له أن يكون نواة العمل العربي، في غياب تام وكامل لمنظمة جامعة الدول العربية التي دخلت الغيبوبة منذ عقود.

مؤتمر طهران يركز على حلحلة القضية السورية، ومؤتمر جدة يدعو لحل فوري للقضية اليمنية، ويؤكد على محاربة الإرهاب وسيادة الدول، ومؤتمر جدة يدعو إلى خلو المنطقة من السلاح النووي والقضاء على الميليشيات

مؤتمر طهران يركز على حلحلة القضية السورية، ومؤتمر جدة يدعو لحل فوري للقضية اليمنية، ويؤكد على محاربة الإرهاب وسيادة الدول، ومؤتمر جدة يدعو إلى خلو المنطقة من السلاح النووي والقضاء على الميليشيات.

باراك أوباما صرح قبل سنوات بضرورة تقاسم المنطقة بين إيران والسعودية، فيما عرف بعقيدة أوباما التي وضعها في لقاء مع مجلة أتلانتيك الأميركية... وها هي المنطقة تنقسم بينهما، تركيا تبدو مرتاحة لجهة عدم إلحاقها بأحد الطرفين فالجميع يحتاجها ويحتاج ثقلها الإقليمي لتبقى لاعباً أساسياً بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وعضواً أساسياً في حلف الناتو وشريكاً استراتيجياً لروسيا.

أما سوريا التي تبقى برفقة لبنان في انتظار هدوء عاصفة التحالفات، فستبقى تعيش جحيمها اليومي ريثما يجد الجميع أن الحل الوحيد لهذين البلدين هو في التغيير، والتخلي عن الحلول العنفية.