الشعب السوري في مواجهة كورونا

2020.03.24 | 23:02 دمشق

2020-03-14t134848z_640129611_rc2pjf9ba66z_rtrmadp_3_health-coronavirus-syria.jpg
+A
حجم الخط
-A

ساءني ما قرأت من توصيفات لحال الشعب السوري مع كورونا، ونعته بأسوأ الصفات، من همجية وتخلف وجهل، مقارنة ببقية العالم المتحضرة، والتي اتبعت أفضل سُبل الوقاية وحماية الذات من الفيروس، وكأنه شعب يتمتع بحكومة رشيدة، توفر له كل متطلبات الأمن الصحي والوقائي، وتحرص على أن يكون بخير، وكأنها ليست هي ذاتها الحكومة التي كانت تحارب شعبها بالكيماوي في محاولات غير يائسة لإبادته، وكأنها ليست هي ذاتها التي حرمت المرضى والجرحى في الحصار من الأدوية اللازمة، وحاصرتهم في صحتهم. وكأنها أيضاً ليست هي الحكومة التي فتحت الباب على مصراعيه للميليشيات الإيرانية للتجوال الحر في المدن السورية وبصلاحيات فوق الطبيعية لهؤلاء، فكيف نتوقع وعياً صحيّاً من شعب تكتم حكومته أنفاسه، وتعدّها عليه، وتفرض عليه المحتل بكل ما يحمل من مخاطر وجود على الأرض وإرهاب للبشر، يضاف إليها مخاطر الوباء، كيف له مقاومة ذلك كله؟

وفي نظرة على الإجراءات الوقائية في جميع الدول، والاحترام والتقدير والتكريم للطواقم الطبية، نجد الأمر في سورياً معاكساً للطبيعة، ففي سوريا يُعتقل الأطباء في حال صرّحوا أو اعترضوا على الحالة الكارثية، وفي سوريا التي فقد كثيرون ذاكرتهم حولها، كانت محاربة الأطباء وسجنهم وقتلهم، ووصمت فرق الدفاع المدني التي أنقذت آلاف البشر بالإرهاب، فعن أي أمنٍ صحيٍّ نتحدث؟

وماذا عن جاهزية المشافي، وعدد الأسرّة القابلة لاستقبال مرضى ووضعهم في الحجر الصّحي؟ وجميع من عاش داخل سوريا يعرف كم عاماً يستغرق بناء المشافي وتجهيزها، هذا في حال الاعتراف بضرورة وجود مشافي، أو بالأحرى الاعتراف قبل ذلك بوجود حالات إصابة بالفيروس.

ثم ماذا عن الشمال السوري؟ هذا الشمال الذي يقطنه مئات الآلاف من البشر الذين ذاقوا كل ألوان الرعب والخوف والفزع، وفقدوا كل ما يملكون وعاشوا في الخيام لأنها سبل البقاء الوحيدة، كيف نتوقع أن يتعاملوا مع الفيروس أكثر من قدرتهم على السخرية في وجهه، ومحاولة اتخاذ بعض التدابير الممكنة لتحاشيه، والسير بألطاف الله لعله لا يباغت أحداً، ولا يكسر قلباً.

حقيقة لا يمكن أن أفهم كيف تغدو الصورة بهذا التشويش لدى كثيرين، وكأن الإجراءات التي تحصل في كل الدول إجراءات مصدرها وعي الشعوب لا وعي الحكومات، وكأن اللوم كله حكر على الإنسان الضعيف الذي حوصر في خانة المتلقي، فهو لا يملك أن يغلق مطاراً، ولا معبراً، ولا يملك حتى ثمن معقم أو كمامة في حال تمكن من إيجادها، ثم إنه يحتاج لأن يتجاوز صدمات شتى مرّ بها، ليستجيب لهذا الخطر الجديد، ويدرك كيف يحاربه، ومحاولة إعادته لتلك الحالة تتطلب جهوداً جبارة.

أمامنا نماذج كثيرة ومتفاوتة في نسبة التقدم أو التأخر الحضاري، منها من أفلح في السيطرة على الفيروس ومنها من يعاني من كوارث طبية رهيبة، رغم توصيفه العام سابقاً ضمن الدول التي تتمتع بالاستقرار وترفل بثياب العلم ويشار إليها بالبنان حضارة ونهضة، الأمر الذي يستدعي العمل على أبحاث ترصد تلك الموازين والأدوات وتقيس نسبة الوعي ضمن الاستجابة لحالات الطوارئ، والأمر الذي يجعلنا ننظر نظرة أكثر رحمة وإنصافاً للشعب السوري، الذي لم تكن النظافة والتعقيم إلا من عاداته التي تربى عليها منذ الصّغر.

إننا نحتاج إلى الفاعلية أكثر من اللوم، ومن الوقاية قبل الوقوع في الأزمة، ونحتاج كثيراً لتوعية الناس أن حياتهم مهمة ولازمة وضرورية، كحياة باقي البشر على الأرض حتى لو لم تعترف حكومات البطش والإجرام بذلك، لا بد أن يعي السوري قيمة حياته واستمراريتها، وأن يورثها لجيل يخلفه جيل، يحمل رسالة الثورة، ويقاوم عدوه، ولا يستسلم، بل يفتش عن وسائل دفاعية جديدة تضمن سلامته، لأنه ببساطة يستحق الحياة.

كلمات مفتاحية