الشرق الأوسط رجل العالم "المريض" اليوم

2021.10.16 | 07:10 دمشق

syria30112019-001.png
+A
حجم الخط
-A

مع بدايات القرن التاسع عشر تصاعدت الصراعات والحروب على حدود الدولة العثمانية وداخلها وفقدت القدرة على الإصلاح أو إدارة شؤونها الداخلية بشكل يتيح ضمان الاستقرار والأمن في أوروبا والعالم، ثم دخلت هذه الدولة في الحرب العالمية الأولى التي كانت وبالا كارثيا عليها بسبب خياراتها الخاطئة وخياراتها في اختيار الجانب الذي خسر في النهاية، لقد أطلق المؤرخون على الدولة العثمانية في تلك الفترة رجل العالم المريض بيد أن هذه الفترة لم تطل كثيرا حتى تمكن مصطفى أتاتورك مع توحيد الأمة التركية وإعلان نهاية الخلافة واتخاذ الخيار النهائي بانضمام تركيا إلى العالم الأوروبي، وبالرغم من الكلفة البشرية والاجتماعية الضخمة التي دفعتها تركيا بسبب هذا الخيار لجهة فصلها عن المحيط الإسلامي وتراثها اللغوي وإرثها الحضاري إلا أنها ومع وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها كانت تركيا عضوا مؤسسا في الناتو وبدأت في عام 1952 بتنظيم أول انتخاباتها الديمقراطية بعد رحيل أتاتورك، وأصبح الخيار الديمقراطي التوافق الحاسم بين كل أبنائها كنظام سياسي مستقر ومقبول شعبيا واجتماعيا، بالتأكيد لم تكن الصورة وردية أبدا فشهدت تركيا عدة انقلابات عسكرية أعادها إلى حكم العسكر ربما كان أكثرها دموية هو إعدام الرئيس عدنان مندريس، لكن المهم هنا أن تركيا لم تعد رجل العالم المريض أبدا، فقد تمكنت من حل مشكلاتها بنفسها وإدارة شؤونها بل إنها اليوم تحت حكم حزب العدالة والتنمية تطمح كي تصبح من الدول الصناعية العشر الأولى في العالم بسبب نسبة النمو المرتفعة جدا التي يحققها الاقتصاد التركي.

الآن إذا انتقلنا إلى الضفة الأخرى وهي دول العالم العربي التي وصفتها وكالة أنباء “أسوشيتد برس” في تحليل مطول على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قالت فيه إن الشرق الأوسط في "حالة يرثى لها ولكن العالم تجاوزه في الوقت الحالي". ولم يمض وقت طويل عندما كانت النزاعات والحروب والانتفاضات في الشرق الأوسط على رأس اهتمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أصبحت دول مثل العراق وليبيا وسوريا ولبنان واليمن على حافة الانفجار بأوضاع اقتصادية ومعدلات عالية من الفقر تهدد بكارثة إنسانية تهدد بإدخال منطقة الشرق الأوسط إلى اضطرابات أكبر

ولأن النزاعات في حالة جمود فقد طغت على خطابات الجمعية العامة بنيويورك هذا العام موضوعات أخرى أصبحت محلا للتركيز، من وباء كورونا المستمر إلى التغيرات المناخية والنزاع في منطقة تيغراي بإثيوبيا وسيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان.

ولكن النزاعات في المنطقة تدهورت بشكل كبير خلال العامين الماضيين وأصبحت دول مثل العراق وليبيا وسوريا ولبنان واليمن على حافة الانفجار بأوضاع اقتصادية ومعدلات عالية من الفقر تهدد بكارثة إنسانية تهدد بإدخال منطقة الشرق الأوسط إلى اضطرابات أكبر".

كانت ثورات الربيع العربي فاتحة أمل بتغيير النظم السياسية العربية باتجاه نظم أكثر استجابة لطموحات الشعب وتطلعاته، كانت ثورات شعبية عارمة طالبت بإسقاط الأنظمة، بيد أنه للأسف سقطت كل هذه الآنظمة في فخ المقاومة التامة للتغيير حتى نجحت في عكس عقارب الساعة إلى الوراء حتى بدأنا نشهد الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة في كل دول الربيع العربي تقريبا من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا أو عودة للحكومات العسكرية من مصر إلى تونس والسودان والجزائر، إنها نتيجة وحصيلة مؤلمة للغاية لربيع الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية، لكن الطريف أن تقرير أسوشيتد برس ينتهي بالقول إن العالم تجاوز المنطقة لأنه تعب منها وسئم من حروبها اللامنتهية وهو ما نجده في الإهمال الدولي لأخبار سوريا واليمن وغيرها من الدول العربية رغم الحاجة الماسة للتدخل الدولي والمساعدة في هذه البلدان.

ترك المجتمع الدولي المنطقة العربية كي تتعفن بذاتها حيث الانهيار الاقتصادي وانقطاع الكهرباء الكامل وانهيار العملة والتضخم المتوحش الذي يخلق فقرا معمما ومدقعا

لقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط بانضمام أفغانستان لها رجل العالم المريض اليوم، إنها مصدر مجاعات وكوارث وحروب لا تنتهي، والمؤسف أنه عند المقارنة بين نهايات الحروب الأهلية في الحرب الباردة وبين نهايات الحروب الأهلية في المنطقة العربية نجد مؤشرات مفزعة عن تخلي المجتمع الدولي كليا عن المنطقة، فالحروب الأهلية خلال فترة الحرب الباردة كانت تنتهي دوما إما بقوات حفظ سلام أممية أو ما يطلق عليه القبعات الزرق كما جرى في قبرص وسيراليون وغيرها، أو باتفاقات سلام سياسية يكون المجتمع الدولي هو الضامن فيها، لكن الأمم المتحدة لم ترسل أيا من قواتها الدولية إلى اليمن أو ليبيا أو سوريا لسبب واضح أنه لا توجد شهية مالية بسبب الكلفة العالية لهذه القوات وبالوقت نفسه فشلت هذه الدول في الوصول وحدها أو بمساعدة دولية في بناء اتفاقات سلام تعيد الاستقرار وتضمن الاتفاق على أساسيات النظام الديمقراطي، ولذلك ترك المجتمع الدولي المنطقة العربية كي تتعفن بذاتها حيث الانهيار الاقتصادي وانقطاع الكهرباء الكامل وانهيار العملة والتضخم المتوحش الذي يخلق فقرا معمما ومدقعا، وفوق ذلك تساهم الحروب الأهلية في تدمير ما تبقى من بنى تحتية مهترئة في منطقة لم تعرف إلى الآن الاستقرار على نظام سياسي يكفل لها الحرية والأمان.

إنها نهايات مفجعة لمنطقة كانت يوما مهد الحضارات فأصبحت موئدا للثورات ومشعلا للحروب والويلات.