الشباب السوري في هذا الضجيج

2020.10.28 | 00:01 دمشق

photo_2020-10-27_20-26-41.jpg
+A
حجم الخط
-A

في قصيدته "أحمد الزعتر" كتب الشاعر الكبير محمود درويش عن الشهيد الفلسطيني.

واليوم يكتبها ثانيةً عن الشهيد السوري

ولَه انحناءاتُ الخريف. لهُ وصايا البرتقال
لَهُ القصائد في النزيف. لهُ تجاعيد الجبال
له الهتافُ لهُ الزفافُ. له المجلّاتُ المُلوّنةُ
المراثي المطمئنةُ. ملصقات الحائط
العَلَمُ التقدّمُ. فرقةُ الإنشاد. مرسوم الحداد
وكل شيء كل شيء كل شيء

  • في رصدنا للملتقيات والمؤتمرات الدولية، التي تنعقد حول المسألة السورية في الآونة الأخيرة، نلاحظ الغياب والتغييب المتعمّد للسوريين كفاعلين أو حتى كمراقبين، مع أنهم أهل البيت وأصحاب الشأن، الذي تدور حوله تلك اللقاءات، بينما نكتفي أن تردنا الأنباء والقرارات عبر وسائل التواصل أو الإعلام، شأننا في هذا شأن أيّ متصفحٍ عابرٍ في هذه القرية العالمية، يعنيه أو لا يعنيه أمرنا.
  • في الوقت الذي تنبري فيه مراكز أبحاثٍ سوريةٍ وعالمية، في رصد التحولات والمئالات التي وصلت إليها المسألة السورية، نجد عزوفاً شديداً لدى قطاع واسع من الشباب السوري، عن هذه المتابعات غير المجدية، حسب وجهة نظره، والتي أكّدتها عشرات الوقائع التي لم يعد للسوريين موقعٌ فاعلٌ فيها.
  • في دوامات الإعلام اليومية، والتي تفرز لنا موجات متعاقبة من الوقائع المثيرة، والمحرضة لجدلٍ واسعٍ وعنيف، يستلهم طاقته الانفعالية من حجم القهر والتهميش الذي يعانيه هؤلاء الشباب، نجدهم اليوم في موجة التصريحات الفرنسية الماكرونية وما حولها، يتصدّرون المواقع والتعليقات والاشتغال بهذه الحرب الإعلامية، التي يصبّون فيها جام غضبهم.
  • في استمراء اللامبالاة الدولية تجاه الكوارث الفجائعية والجرائم الكبرى، التي ترتكب بحق السوريين في بلدهم وفي أماكن أخرى من مدن الشتات، روسيا تصرِّح مراراً ومن دون استحياء، أنها استثمرت المقتلة السورية في اختبار الجديد من أسلحتها، والتي لا نعرف على وجه الدقة، ماذا كانت نتائج هذه الاختبارات، وما حجم ضحايا تلك التجارب وكم حصدت من أرواح السوريين موضع التجارب تلك.
  • في القلق المستمر الذي يبديه كلُّ أمينٍ قادمٍ للأمم المتحدة، تجاه ما يحدث في سوريا، وعشرات التصريحات والتنديدات والتوصيات التي يطلقها، عبر أعلى منبرٍ دوليٍّ في هذا الكويكب المشتعل، دون أن يكون لتلك التصريحات أدنى فاعلية.
  • في الدعم الأميركي المستمر لأمراء الحرب في الشمال السوري، بهدف الحفاظ على النفط، وإسرائيل تضرب بيدها اليمنى وتقصف مواقع تتبع لميليشيات إيرانية في دمشق واللاذقية وغيرها، بينما تحول بيدها اليسرى دون سقوط نظام الأسد.
  • يستمرُّ نظام الأسد في القتل اليومي لآلاف المعتقلين والمغيبين قسرياً في مسالخه البشرية، على مشهدٍ من العالم الحرّ، دون أن يحرك ذلك في وجههم عصباً أو يستدعي غضباً، ويبالغ في خنقه للمدن السورية، بما فيها تلك التي ترزح تحت سيطرته، وها هي دمشق عروس العواصم جائعةٌ، تستجدي بذلٍّ رغيفها اليومي من يد جلادها.
  • في موجة التسابق للتطبيع مع إسرائيل، يشاركون لكن بحماسةٍ غائبةٍ، ربما لأنهم باتوا يلمسون أنَّ إسرائيل لم تعد أكبر الشرور، وأن العديد من الدويلات العربية باتت أشد سوءا من إسرائيل نفسها.
  • ربما ساهمت جائحة الكورونا في تكريس هذا الفتور تجاه القضية السورية، التي باتت قضيةً تعني اللاعبين الخارجيين الكبار، والتي لم يعد هناك من أفق ينتظر لحلها.
  • الهيئات السياسية، وفي مقدمتها الائتلاف الوطني، الذي انعقدت عليه كثير من آمال السوريين، أصبح اسماً بلا محتوى، ولا أدنى فاعلية، عدا نشاطه الرتيب في إجراء انتخابات داخلية، يتم فيها تدوير الكراسي بين ذات الفريق، كليلٌ حتى في نشاطه الإعلامي الهزيل والمتأخر دائماً، في عرض قضيتنا السورية في المحافل الدولية، وتعريف الشعب السوري "موضع التمثيل" بما يجري بحقه من وقائع وقرارات، كلُّ هذا جعل من اسم الائتلاف موضع خيبة أملٍ للسوريين، تضاف إليها الخيبات المتتابعة في هيئة التفاوض وأدائها الهزيل، واللجنة الدستورية التي حولت المواجهة مع النظام من صراع للتغيير، إلى خلافٍ على فقراتٍ وتفاصيل دستوريةٍ، لم تكن يوماً هي علة الحرب الدائرة في سوريا كما يرى كثيرون.
  • مئات الآلاف في الداخل السوري يعيشون في الملاجئ والمخيمات، ويستقبلون برد الشتاء القادم دون أدنى متطلبات البقاء، كل هذا يجري والعالم منشغل في الانتخابات الأميركية، التي لم تقدم في يومٍ من الأيام أي تغيير جدير بالنظر، في المسألة السورية.

في هذا الضجيج المجنون والقهر المتراكم، كيف لبوصلتنا أن تتنبأ باتجاهات شبابنا السوري، في غدٍ ليس له ملامح، وليس فيه من بوادر أملٍ، يسهل الكلام عنه، ويصعب تصديقه أو الركون إليه.

مع كثرة المفارقات التي تبدو، إلّا أن نماذج العمل الفلسطيني المقاوم، في بناء عشرات المؤسسات التي تعمل في كل المناحي بتنوعاتها، جديرة بالدرس والوقوف طويلاً، فربما تعد بشيءٍ يتراكم ويحدث تغييراً بطيئاً، وربما سيمضي جيلنا بقية حياته وهو متماسك بفضل الفعل المقاوم الذي لا مندوحة عنه.