"الشام الجديد" نواة جديدة في المنطقة

2020.09.11 | 00:49 دمشق

alsham_aljdyd.jpg
+A
حجم الخط
-A

فاجأ رئيس الوزراء العراقي العالم بإعلانه في القمة الثلاثية التي جمعته بالرئيس المصري السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني في عمان الأسبوع الفائت، باقتراحه تشكيل نواة تكامل اقتصادي بين الدول الثلاث، أي بين العراق والأردن ومصر، بما تشكله اقتصاديات تلك البلدان من تكامل في حال تم التنسيق الاقتصادي المرجو، فالمشروع الذي كان قد طرح سابقاً في الثمانينات بين أربعة دول عربية، هي العراق ومصر والأردن واليمن، وسمي وقتها بمجلس التعاون العربي، لم ير النور بشكل كاف، ولم ينجز منه سوى الاجتماعات والصور التذكارية التي بقيت في أرشيف الدول الأربع، فرؤساء ثلاثة من هذه الدول تعرضوا لثورات شعبية وتدخلات خارجية أطاحت بأنظمتهم غير الديمقراطية هي العراق مع صدام حسين واليمن مع علي صالح، ومصر مع حسني مبارك.. بينما بقيت الأردن حلقة الوصل تقف وحيدة بين شرق أوسط يغلي وتتخاطفه التجاذبات التي انطلقت مع غزو صدام حسين لدولة الكويت و خلط أوراق المنطقة بالكامل.

ولكن التحرك المفاجئ والترحيب المتبادل بين جميع الأطراف لما جرى في قمة عمان، كان إيجابياً لجهة التكامل الاقتصادي وعودة العمل العربي المشترك بين ثلاث دول أساسية في المنطقة العربية، فالعراق بما يملكه من مخزون طاقة نفط وغاز، ومصر بما تملكه من قوة عاملة ومخزون طاقي كهربائي، والأردن بموقعها الاستراتيجي الرابط بين الدول المذكورة، ستعمل على تحقيق قفزة اقتصادية لم تعرفها المنطقة منذ عقود، فالعراق سيقدم النفط بأسعار مخفضة للأردن ومصر، وستقوم الدولتان بتصدير الطاقة الكهربائية للعراق بأسعار مخفضة ومنافسة، بينما ستسمح الاستثمارات التي ستتدفق بين البلدان الثلاثة للقوة العاملة المصرية بالتجهيز لإعادة إعمار العراق، دون أن ننسى بأن أي نهضة اقتصادية يجب أن يكون لها منعكسات سياسية في منطقة مشتعلة بالكامل، فربما يكون العمل على إعادة العراق إلى الحضن العربي أحد العوامل الأساسية لسياسة هذا التجمع، وسيكون الأردن بمصداقيته العربية في المنطقة منطلقاً للعمل العربي الجديد، إضافة إلى الحضور المصري المفقود في السياسة العربية منذ عقد على الأقل، مما فسح المجال للدول الإقليمية بالتدخل ومحاولة ملء الفراغ في المنطقة، برعاية دولية مباشرة.

يبدو الباب مفتوحاً لدخول دولتين من إقليم الشام دون ذكرهما حتى الآن، هما سوريا ولبنان

ولكن الملفت للنظر هو ذلك الاسم الذي اختاره الكاظمي للتجمع الجديد "الشام الجديد" حيث يبدو الباب مفتوحاً لدخول دولتين من إقليم الشام دون ذكرهما حتى الآن، هما سوريا ولبنان، المنخرطتان في أزمة مفتوحة منذ عشر سنوات على الأقل، وسط محاولات عربية ودولية للضغط على إيران للانسحاب من سوريا ورفع الغطاء العسكري عن لبنان وحزب الله..

فمن غير المنطقي تسمية التجمع الجديد باسم يشير بشكل غير مباشر لمساحة جغرافية غير محدودة في هذا التجمّع إلا إذا كان المقصود هو أن هنالك رقعاً فارغة تنتظر الواصلين الجدد لشغل مقاعدها.. فالكاظمي المحسوب على الولايات المتحدة الأميركية هو أول رئيس وزراء عراقي يتحرك عربياً بهذه القوة وهذا القبول العربي، ويكاد الرجل يغامر بنفسه وحياته حينما يعلن عن حزمة من القرارات المناهضة للميليشيات ذات النفوذ في بلده، تلك القوى المنفلتة المتهمة بالمسؤولية عن انتهاك المعابر الدولية وعن الاغتيالات للناشطين السياسيين، وعن حالة الفلتان الكبيرة التي يسعى الكاظمي لضبطها في العراق، بدعم عربي كبير من أغلب الفرقاء العرب وبينهم السعودية وقطر إضافة إلى شريكيه المصري والأردني، بينما تبقى زيارة نائب رئيس الحشد الشعبي المثيرة للجدل إلى سوريا ولقاؤه رأس النظام "بشار الأسد" غداة القمة في عمان مثار جدل كبير، فهل كانت بالتنسيق مع رئيس الوزراء أم كانت منفصلة ومصممة لمواجهة المشروع حيث إنه من المعروف أن هيئة الحشد تنسق بشكل كبير مع إيران ونظام الأسد وحزب الله بشكل كبير يتعاكس مع منظومة العمل العربية سياسياً واقتصادياً، بل إنها تقترب من خلق كيان اقتصادي لمواجهة الكيان الاقتصادي العربي.

تتحدث الأنباء القادمة من عمان وبغداد عن إعادة تفعيل مشروع خط الأنبوب النفطي بين البصرة وميناء العقبة للالتفاف على الأزمة المتشكلة في مضيق هرمز، وضعف تصدير النفط عبر النواقل البحرية في حال اندلاع أية أزمة في الخليج العربي، مما أقلق إيران بشكل كبير من خروج ملف النفط أو البدء بالعمل على خروجه من تحت مظلتها..

ومما زاد قلق إيران هو تسمية المشروع أيضاً، ذلك لأن الاسم الذي يستقطب الكيان السوري بشكل أساسي، دون دعوته رسمياً، ربما بانتظار أية تغييرات سياسية في الملف السوري قبيل الانتخابات المنتظرة في الولايات المتحدة نوفمبر القادم، الانتخابات الإشكالية الرئاسية السورية في نيسان 2021، تلك التي ستحدد وجه المنطقة للسنوات السبع القادمة، بحيث من الممكن أن يحصل انفراج كبير في المنطقة في حال استطاع الروس ثني الأسد عن الترشح للانتخابات القادمة، بينما من المتوقع أن يزداد الضغط الاقتصادي والأمني وحتى العسكري في المنطقة في حال استمر النظام في سياساته المعادية للعرب والداعمة لإيران من جهة ولشعبه من جهة أخرى.. مع تباطؤ كبير في عمل اللجنة الدستورية السورية، وانهيار الواقع الاقتصادي السوري بشكل كبير، بحيث بات لا يمكن إنقاذه إلا بتدخل دول الجوار عبر دعوته للمشاركة في تجمع "الشام الجديد" الذي لا يمكن أن يكون جديداً بوجود أنظمة قديمة ترفض الدخول في العصر..