السيدة الأولى في سوريا أم زوجة رئيس الجمهورية؟

2023.01.28 | 06:08 دمشق

آخر تحديث: 28.01.2023 | 06:08 دمشق

السيدة الأولى في سوريا أم زوجة رئيس الجمهورية؟
+A
حجم الخط
-A

لو سلمنا بالقراءة التاريخية التي ترى أن سوريا حكمها 23 رئيساً فإن عدد من يمكن وصفهن بالسيدة الأولى 23 سيدة، إلا أن الواقع يكشف أنه ليس كذلك، لأن هناك عدداً ممن كانوا حكاماً لسوريا كانوا بصفة المندوب السامي وبالتالي قد لا ينطبق على زوجاتهم لقب السيدة الأولى، أما عن أسمائهن فهي: الأميرة حزيمة زوجة الملك فيصل الأول، وعائشة عبد الحميد الثاني زوجة أحمد نامي، وليلى محمد علي العابد زوجة صبحي بركات، وزهراء اليوسف زوجة محمد علي العابد، وورد شان الأتاسي زوجة هاشم الأتاسي، ومسرة المدني زوجة تاج الدين الحسني، وبهيرة الدالاتي زوجة شكري القوتلي، وبوران قره زادة زوجة حسني الزعيم، وأديبة تركاوي زوجة فوزي سلو، وفطينة الفنري زوجة أديب الشيشكلي، وليلى الرفاعي زوجة خالد العظم، وتحية كاظم زوجة جمال عبد الناصر، وربيعة الحسامي زوجة لؤي الأتاسي، وزينب الحافظ زوجة أمين الحافظ، وسحر حسيبي زوجة نور الدين الأتاسي، وأنيسة مخلوف زوجة حافظ الأسد، وأسماء الأخرس زوجة بشار الأسد.

غلب على اختيارات الرؤساء لزوجاتهم أن تكون من عائلته، أو من عائلة لها سمعتها الاجتماعية أو وزنها المالي غالباً في إطار زواج المصلحة أحياناً أو مصاهرة الأكثر مكانة اجتماعية أو مالية

ليس هدف هذا المقال الإحصاء أو التـأكد من الأسماء، بقدر سعيه للإشارة إلى تلك الظاهرة والأدوار التي شغلتها تلك السيدات في المجتمع السوري، نتيجة الفسحة المتاحة لها من خلال موقع زوجها "الرئيس"، ويلحظ أنه في مرحلة الفرنسيين وبداية الاستقلال أن معظم تلك الزوجات كن ينتمين إلى عائلات لها سمعتها الاجتماعية ووزنها المالي، وبالتالي؛ فإن دورهن في العمل الخيري له أمثلة كثيرة كحالة زهراء اليوسف التي أسست جمعية "نقطة الحليب" مثلاً.

أول من كسر قاعدة الانتماء ضرورة انتماء الزوجة إلى عائلة لها وزنها، هو خالد العظم في زواجه الثاني بعد فترة عزوبية طويلة، عبر زواجه من شقيقة أحد حراسه وهي ليلى الرفاعي التي كانت تلقب بـ ليلى خانم، التي اشتهرت بلعبها القمار في منزلها وخارج منزلها وفي نادي الشرق كذلك، وقيل الكثير عن تاريخها الشخصي خاصة من خصوم خالد العظم ومناوئيه السياسيين، ويشير كثيرون إلى أن لها أثراً كبيراً في خياراته ومواقفه. ووصلت الإشاعات التي تمسّ سمعة الزوجة إلى زوجة أمين الحافظ والجاسوس كوهين، وهو ما قيل كذلك عن أنيسة مخلوف وصلاح جديد. وشأن الإشاعات عادة أن تصيب كل من يعمل في الشأن العام؛ فتضيع الحقيقة ويختلط الخيال بالواقع، وتغدو عائلة العامل بالشأن العام أحد أجزاء الإساءة إليه أو التجريح به، خاصة أن الجمهور ميال لتصديق ما يقال عن حكامه وقادته، على أنه ليس بين يدينا وثائق تنفي أو تؤكد صحة تلك الاتهامات. التي يجعل مجالَ تصديقها واسعاً وجودُ نماذج عربية مؤلمة، لعل أبرزها ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي التي لقبت بـ "ليلى ثلاثين" إشارة إلى أن نسبتها من كل مشروع تجاري أو صفقة استيراد هي ثلاثون بالمئة، وسوزان مبارك التي كانت تشرف على إثراء أولادها رغم ما قامت به من مشاريع خيرية تغطي فيها على نشاطها التجاري، بل أنشأت سلسلة كتب سمتها مكتبة الأسرة، كانت تباع بثمن بسيط، وأذكر أنني إبان مرحلة الدراسة قد اقتنيت عدداً منها.

يكاد مشهد زوجات الرؤساء السوريين، مقارنة بعدد من الرؤساء العرب، أن يقدم نموذجاً مثالياً لقراءة نمطية تعطي نبذة عن المجتمع السوري، إذ غلب على اختيارات الرؤساء لزوجاتهم أن تكون من عائلته، أو من عائلة لها سمعتها الاجتماعية أو وزنها المالي غالباً في إطار زواج المصلحة أحياناً أو مصاهرة الأكثر مكانة اجتماعية أو مالية مثلاً.

واختلفت أدوارهن الاجتماعية من الدور اللافت لشقيقة المليونير والقائد العثماني عبد الرحمن اليوسف "زهراء" التي كانت تصرف من مال أهلها وزوجها محمد علي العابد للعمل الخيري، وصولاً إلى أسماء الأخرس التي تتخذ من العمل الخيري فرصة للإثراء فتقاسم كل المنظمات الدولية في المشاريع التي يتم تقديمها في سوريا، أو تتولاها هي وتقدم الفواتير الملائمة للصرف وصولاً إلى السيطرة على التكية السليمانية مؤخراً. لذلك شكلت ثروة كبيرة لها ولأولادها، وهو ما قامت به كذلك أنيسة مخلوف وعائلتها قبل أن تبدأ زوجة ابنها أسماء الاخرس بتجريد عائلة مخلوف من قسم من أموالها.

مفهوم السيدة الأولى مفهوم أميركي الأصل، تم كسره في عدد من الحالات، كما حالة ملكة بريطانيا إليزابيث وملكة هولندا بياتريكس، فصار لدينا ما يمكن تسميته بـ "السيد الأول"، ولم يعد انتماء الرئيس أو الملك وزوجته إلى البلد نفسه هو العامل الوحيد لزواج الرؤساء، أو الزواج النفعي السياسي الذي تقتضيه مصلحة الدولة كما في عدد من الزيجات التي مرت في التاريخ بين الدول والامبراطوريات، بل تم كسره بحالات معاصرة عدة نذكر منها زواج ملك هولندا الملك وليم الكسندر من سيدة أرجنتينية هي ماكسيما نتيجة دراستهما في جامعة لايدن معاً، ونشوء علاقة حب بينهما.

مفهوم "السيدة الأولى" تم كسره، كذلك، بصورة مختلفة كلياً وغير مسبوقة تاريخياً، في عدد من الدول التي يكون لرئيس الوزراء سلطة أكبر من سلطة الرئيس، عبر حالة مثليي الجنس، كما حالة رئيس الوزراء في لوكسمبورغ "بيتل" وزواجه من مثلي كذلك، ورؤساء وزراء سابقين: رئيسة وزراء آيسلندا يوهانا، ورئيس وزراء بلجيكا إليو دي روبو، ورئيس وزراء آيرلندا ليو فرادكار، ورئيسة وزراء صربيا آنا برنابيتش.

وهناك حالات ذهب فيها البرسيتيج الجمالي للسيدة الأولى كما هو المشهد عالمياً وعربياً، حيث تكون الزوجة مكملة لصورة زوجها أناقة وجمالاً، أو وسيلة قوة ناعمة في الانتخابات، وأبرز مثال الرئيس الفرنسي ماكرون حين تزوج مدرّسته بريجيت، المطلقة، والتي تكبره بربع قرن، والتي لم يوافق الفرنسيون على أن تكون السيدة الأولى وفقاً لعريضة وقعها عشرات الآلاف، وعلى الرغم من ذلك فقد صرح الرئيس الفرنسي أن " السبب الأساسي لفوزه في الانتخابات الرئاسية كان مساندتها له".

والمشهد العالمي مليء بالصور المختلفة للسيدة الأولى فالرئيس الأميركي جو بايدن متزوج من أستاذة جامعية، أما بوتين فكان متزوجاً من مضيفة طيران أكملت لاحقاً دراسة اللغات.

والمشهد السوري فيه صور طريفة تبعاً لحالة الرئيس السوري، فهناك من "السيدات السوريات الأُوَل" ممن لا نعرف عنهن شيئاً بما فيها اسمها كما حالة زوجات الرؤساء عطا الأيوبي وجميل الألشي وبهيج الخطيب وأحمد الحسن الخطيب وسامي الحناوي ومأمون الكزبري وناظم القدسي وعزت النص، ربما لأن أولئك الرؤساء بقوا فترة قصيرة، أو فضلوا بقاء شأنهم العائلي بعيداً عن السياسة أو لأسباب دينية.

ومنهن من رافقت زوجها في مرحلة رئاسية إلا أن الموت غيبها في المرحلة الثانية كما حالة الرئيس السوري هاشم الأتاسي "الرئيس السوري الأرمل الوحيد". ومنهن من باعت أوسمة زوجها لتكمل عمرها بعد مقصلة التـأميم كحالة ليلى خانم زوجة خالد العظم، ومنهن مَن تعيِّنُ الورزاء ولها حصة في كل وزارة كحالة أسماء الأخرس، ومنهن من هي ابنة رئيس وزوجة رئيس كحالة ليلى العابد، التي يقال إنها تزوجت لأسباب سياسية وطلِّقت لأسباب سياسية كذلك نتيجة خلاف أبيها مع زوجها صبحي بركات.

وقد تولت مهمة السيدة الأولى في سوريا سيدات غير سوريات، كحالة الأميرة حزيمة الحجازية الأصل زوجة الملك فيصل الأول، وعائشة عبد الحميد الثاني التركية الأصل زوجة الرئيس السوري الشركسي أحمد نامي، والإيرانية تحية كاظم زوجة الرئيس جمال عبد الناصر. وكان عدد من زوجات الرؤساء السوريات من جذور كردية كحالة زهراء اليوسف زوجة محمد علي العابد، وبوران قرة زادة زوجة حسني الزعيم، وهذا ليس بغريب فقد حكم سوريا: الفرنسي والتركي والحجازي واللبناني والمصري في مرحلة تاريخية كان مفهوم الجنسية والدولة مفهوماً متحولاً وغير مستقر بعد، لكن بعد الاستقلال لم يعد ذلك متاحاً.

وصلنا إلى عهد حافظ الأسد وابنه حيث غدا موقع السيدة الأولى رمزاً للفساد والصفقات اعتماداً على تغييب القانون وفرض سلطة الأمر الواقع

وقد تعامل عدد من الرؤساء السوريين مع موقع "السيدة الأولى سابقاً" كحالة رمزية وطنية، فصُرف راتب لزوجة حسني الزعيم الذي أعدِمَ، وتمّ منح زوجة الرئيس محمد علي العابد (زهراء اليوسف) وسام الاستحقاق من الرئيس اللاحق تاج الدين الحسني تقديراً لدورها الخيري.

موقع السيدة الأولى في العالم الغربي فرصة للقيام بأعمال خيرية واجتماعية تهدف إلى خدمة المجتمع، وهو كان كذلك في مرحلة ما من عمر سوريا، إلى أن وصلنا إلى عهد حافظ الأسد وابنه حيث غدا موقع السيدة الأولى رمزاً للفساد والصفقات اعتماداً على تغييب القانون وفرض سلطة الأمر الواقع.

في الدستور السوري أو القوانين النافذة لا يوجد منصب وظيفي اسمه "السيدة الأولى"، وعادة حتى مرحلة حافظ الأسد كان التوصيف المستعمل هو "زوجة الرئيس" غير أن الواقع أقوى من القانون في عهد الأسديْن، وبدلاً من حضور الحالة الرمزية والتقديرية للقب "السيدة الأولى" يغدو اللقب وكونها زوجة للرئيس؛ فرصة للبلطجة والتعفيش والإثراء غير المشروع والاتجار بحاجات الشعب السوري، لتصبح من كانت "سيدة الياسمين" قبل ثورة 2011، سيدة السرقة والتلميع والبذخ والكذب وقتل السوريين وتهجيرهم وتدمير بيوتهم.