السوريون على أعتاب السنة الجديدة

2020.12.27 | 23:00 دمشق

photo_2020-11-06_21-08-22.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعلنت الخزانة الأميركية منذ عدة أيام، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات جديدة على سوريا، وُصِفت بالأقسى، طالت البنك المركزي السوري، وعدداً من الأفراد والكيانات. 

لعل بنك سوريا المركزي، هو الاستهداف بالغ الأهمية في قائمة العقوبات الجديدة من الناحية الاقتصادية، فهو الجهة التي تشرف على السياسة النقدية في البلاد، ويتولى مهمة إصدار العملة الوطنية، وينظم عمل بنوك القطاع الخاص، وشركات الخدمات المالية في السوق السورية، والأهم من كل هذا، هو دوره بالعلاقات المصرفية مع إيران، وكل الجهات المالية التي تعمل في كواليس ما يسمى محور المقاومة، وبالتالي إن إدراج البنك المركزي على لائحة العقوبات، سيؤدي إلى خنق النظام اقتصادياً، لأن العقوبات منعت البنك من التعامل بالدولار الأميركي مع البنوك الخارجية، وبالتالي أصبح من الصعب جدا أن يجري البنك أي تعامل تجاري بالعملات الأجنبية، وهذا ما قد يؤدي إلى افلاس البنك.

لكن الرسالة السياسية القوية التي قالتها القائمة الجديدة، تكمن في الشخصيات التي أدرجتها القائمة الجديدة على اللائحة السوداء، وفي مقدمتها اسم "أسماء الأسد" زوجة الرئيس السوري، وعدداً من أفراد أسرتها، وبررت الخزانة الأميركية ذلك بكونها – أي أسماء الأسد- متهمة بعرقلة الجهود الرامية إلى حل سياسي للحرب الدائرة في سوريا.

إدراج اسم أسماء الأسد على قائمة العقوبات، يعني أن ما يحاوله بشار الأسد ومعه داعميه الروس من تغيير في واجهة النظام، عبر استبدال عدد من الوجوه التي احترقت، وشاركت في جرائم ضد الشعب السوري بوجوه غير محترقة، مع الإبقاء على قلب النظام، وبنيته الأساسية لن يكون مقنعا لأميركا.

ترتكز خطة الروس وبشار الأسد في العملية السياسية على ركيزة أساسية واحدة، وهي الإبقاء على البنية المركزية للنظام، برئاسة بشار الأسد، وإجراء تغييرات شكلية في واجهته

بالتأكيد لم تقدم "أسماء الأسد" على عمل نوعي خلال الأشهر القليلة الماضية، استوجب إدراج أسمها فجأة على القائمة، فهي تمارس نشاطها المالي والسياسي منذ سنوات، وإزاحتها لرامي مخلوف وعائلته، واستبداله بها وبعائلتها ليس جديداً، لكن ما يحاول النظام فعله في الأشهر القادمة، وقبل "انتخابات" الرئاسة المهزلة، هو ما يقول الأميركيون رأيهم فيه عبر القائمة الجديدة.

ترتكز خطة الروس وبشار الأسد في العملية السياسية على ركيزة أساسية واحدة، وهي الإبقاء على البنية المركزية للنظام، برئاسة بشار الأسد، وإجراء تغييرات شكلية في واجهته، وهذا ما يحاول النظام القيام به، عبر تقدم أسماء جديدة لواجهة النظام.

يبدو أن الروس لا يستطيعون تصوّر حل سياسي مختلف عن طريقتهم في إدارة الدولة والمجتمع في بلدهم، فهم يريدون سلطة ببنية مشابهة للسلطة التي تدير روسيا، سلطة ديكتاتورية في جوهرها، ومغلفة بأقنعة ديمقراطية، أو بوجوه جديدة كل فترة، لكنهم، حتى وإن افترضنا موافقتهم على الذهاب إلى صيغة يتقاطعون بها مع رؤية أوروبا وأميركا، فإنهم سيواجهون عقبتين كبيرتين:

  • عجز النظام عن مقاربة أي حل سياسي لا يبقي على بنيته الحقيقية كاملة، بوجود عائلة الأسد، فهذه البنية التي وإن بدت صلبة من الخارج، فهي هشة إلى حد أنها ستتفتت عند القيام بأي تغيير في جوهرها مهما كان بسيطاً، ليس هذا فحسب، بل إنّ هذه البنية لا يمكنها أن تقبل حتى المشاركة في الحكم، فالدولة السورية بنيت بحيث تدار بهذه الطريقة فقط، وأي تغيير في طريقة إدارتها يعني انهيارها.
  • الوجود الإيراني في سوريا، وتغلغله في الدولة، وفي المجتمع، وعدم قدرة روسيا، والطرف الحليف لها داخل النظام على تحجيم هذا الوجود، ولعلّ الرسالة التي أرسلها النظام لروسيا، وللمطالبين بتحجيم إيران، كانت واضحة، عندما كانت أول زيارة لوزير الخارجية الجديد "فيصل المقداد" والذي خلف "وليد المعلم" إلى إيران، وتصريحاته من طهران بطبيعة العلاقات الإيرانية السورية، ثم ما قالته مستشارة الأسد "بثينة شعبان"، عن وهم فك أو إضعاف هذه العلاقة.

على ضوء هذا التباين في رؤية الأطراف الدولية لأسس الحل السياسي في سوريا، وعلى ضوء الرسالة التي قالتها القائمة الجديدة للعقوبات، يبدو استنقاع الوضع السوري هو الاحتمال الأرجح في المرحلة القادمة، سيما وأن متغيرات كثيرة لم تتكشف بعد عن مآلاتها الواضحة، فهناك انتقال السلطة في أميركا، حيث رئيس أميركي في أيام حكمه الأخيرة يحاول استثمار فترة رئاسته حتى آخر لحظة، وهناك حلُّ الكنيست الإسرائيلي لنفسه، وبالتالي الذهاب لانتخابات مبكرة، وهناك تصاعد مؤشرات صدام عسكري في الخليج العربي.

ضمن كل هذه التعقيدات، هُناك احتمالان يُمكنهما أن يُعجلا بإنهاء هذا الاستنقاع، وإخراج الحدث السوري من حالة الانتظار: 

  1. تغيرات إقليمية قوية، تفرض على الأطراف كلها إيجاد صيغة سياسية جديدة لهذه المنطقة من العالم، وبالتالي سيكون الملف سوريا جزءاً من هذه الصيغة.
  2. تغير مهم في التعبيرات السياسية التي تمثل السوريين، سواء في طرف النظام أو في طرف المعارضة، فالسوريين اليوم هم كلّهم في دائرة الانتظار، وهم كلّهم أيضاً في دائرة العجز والتبعية لهذا الطرف أو ذاك.

إن بروز طرف سوري خارج معادلة التمثيل السوري المفروضة على السوريين، بصيغتها الهزيلة القائمة، يُمكنه أن يدفع الأطراف المعنية إلى التعاطي بطريقة مختلفة تماماً، والبحث الفعلي عن حلول حقيقية.

إن تغيراً مهماً في معادلة التقاسم الإيراني الروسي للقرار السوري، من شأنه أن يُغير كثيراً من تعاطي النظام مع الحل السياسي

ليس الأمر مقتصراً على جهة المعارضة الممسوكة، والخاضعة كلياً لإملاءات الخارج، بل إنه يشمل أيضا تركيبة النظام، والتي هي أيضا تابعة للخارج، وتتصارع روسيا وإيران في الكواليس على الإمساك بأكبر قدر منها، وبالتالي فإنّ نتائج هذا الصراع ستحدد إلى حد كبير، بكيفية توجّه النظام في قبوله للحل السياسي.

إن تغيراً مهماً في معادلة التقاسم الإيراني الروسي للقرار السوري، من شأنه أن يُغير كثيراً من تعاطي النظام مع الحل السياسي، وليس خافياً على روسيا أو إيران، إن هذا التغير ليس عملاً شاقاً، فالقوى في سوريا ليست أحزاباً أو مؤسسات تحتاج لوقت طويل لتغييرها، إنّها شبكات لمافيات تبحث عن مصالحها، ودورها في المرحلة القادمة.

لاتزال المافيا التي بنتها وتديرها عائلة الأسد، هي الأقوى حتى اللحظة في سوريا، لكن هذا لا يعني أبداً إن الطريق مغلقة أمام نشوء مافيا جديدة تقلب المعادلة كلها، سيما وأن ظروف كثيرة استجدت وتستجد كل يوم، تجعل من إزاحة مافيا العائلة الأسدية مطلبا ليس للشعب السوري وحسب، بل ولشبكات المافيات الأخرى التي قويت خلال سنوات الحرب المنصرمة.