السوريون إلى روسيا البيضاء هربا من الأيام السوداء

2021.11.14 | 06:11 دمشق

tsmym-bdwn-nwan-10-1-696x418.jpg
+A
حجم الخط
-A

تخسر سوريا كل يوم من وجودها كبلد ودولة وأرض وبشر وثقافة واقتصاد، وعلى كل المستويات. حين نعرف أن عددا كبيرا من اللاجئين الذين يرابطون منذ نحو شهر على الحدود البيلاروسية البولونية هم السوريون، فإن ذلك يعطينا مؤشرا إلى أين وصلت المأساة السورية، وفي أي وجهات جديدة تتجه. والأكثر مرارة في هذا الأمر أن هؤلاء خرجوا من سوريا، وبتأشيرات سفر من سفارة بيلاروسيا في دمشق.

النظام يغض الطرف عن ذلك، بل يسهل لمن يريد أن يترك البلد، وروسيا وبيلاروسيا هما من تنسقان العملية، التي تهدف إلى نقل آلاف من اللاجئين إلى حدود الاتحاد الأوروبي، واستخدامهم كورقة ضغط سياسي على أوروبا.

أغلبية من يغادرون سوريا الآن باتوا تحت خط الفقر، وهم من بين الذين كانت أوضاعهم المادية وطبيعة عملهم، تسمح لهم خلال الأعوام الماضية بالتكيف مع الظروف الصعبة، ولكن هذا الأسلوب لم يعد ممكنا، وخسرت هذه الفئة مدخراتها، بعد تراجع ما تكسبه، مع تدني قيمة العملة المحلية، وهناك من باع آخر مقتنياته ليركب الطائرة إلى بيلاروسيا، وهو يعرف أن هذه الدولة تتاجر باللاجئين في المواجهة مع أوروبا، التي فرضت عليها عقوبات لأسباب سياسية.

نادرا ما يصل أحد من هؤلاء المغامرين الذين تبتلعهم البحار، أو يموتون في طرق البرد وبرصاص شرطة الحدود وعصابات المهربين التي تسلب أموالهم وترميهم في البحر

السوريون خسروا أغلى ما لديهم، البلد، الأهل، الأحباب، الأصدقاء، البيوت، جواز السفر، المدخرات، ولم يعد لديهم سوى تجربة الهجرة إلى المجهول، وها نحن نشاهد موجة جديدة نحو بيلاروسيا، إلى جانب موجات أخرى سرية لا يتحدث عنها أحد، وهي تتم بالتهريب إلى أوروبا من خلال عدة طرق من تركيا واليونان وليبيا، ونادرا ما يصل أحد من هؤلاء المغامرين الذين تبتلعهم البحار، أو يموتون في طرق البرد وبرصاص شرطة الحدود وعصابات المهربين التي تسلب أموالهم وترميهم في البحر. إلا أن هؤلاء لا يستطيعون مقاومة إغراء العبور إلى بر الأمان الأوروبي، بعد أن صار العدو من ورائهم. والعدو أعداء كثر، ليس فقط بشار الأسد وجيوشه من المجرمين وقطاع الطرق الذي تدربوا خلال سنوات على التنكيل بالسوريين، بل روسيا وإيران وميليشيات إيران وغيرها. وكل هؤلاء باتوا يعملون على تطهير سوريا من أهلها، وسط صمت عربي ودولي.

وكما أشرت فإن سبب هجرة الموجة الجديدة هو عدم القدرة على احتمال الأوضاع الاقتصادية في ظل عدم وجود موارد مالية من أجل تأمين الخبز والدواء ووقود التدفئة. وانقسم البلد إلى فئة النظام التي تعيش على التشبيح، والفئات الأخرى التي تآكلت مواردها، والحل الوحيد هو الرحيل.

وفي ظل هذا الوضع البائس، هناك من يذهب نحو الأسد، الذي يفرش السجاد الأحمر داخل قصره لاستقبال الزوار، وكأن المأساة التي عصفت بسوريا لا تعنيه. ولا تفسير لهذا السلوك سوى أن هذا الشخص يعيش حالة انفصام نفسي وأخلاقي، وإلا لكان، على الأقل، لم يبالغ في مظاهر الأبهة، وخفف من الطقوس الاحتفالية، ولكنه يصر على المبالغة كأحد الأساليب التي يداري بها هزائمه التي لا تنتهي، وتحوله كناطور يلعب به الروس والإيرانيون.

المسار السياسي الذي سارت به الإمارات منذ عدة سنوات في قيادة الثورة المضادة يمكن أن يقودها إلى مآلات أكثر ابتذالا

وهنا يبرز السؤال ما هو سر ذهاب وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد لزيارته في هذا الظرف، وبعد خراب سوريا، وهو الذي صرح بعد واحد من خطابات الأسد في بداية الاحتجاجات بقوله "لم أشاهد خطاب الرئيس بشار بسبب انشغالي مع الوزير الياباني، بس بعد قراءة ما قال شكرت ربي أني لم أشاهده".؟ وفي الحقيقة لم يعول السوريون منذ أول الثورة على الإمارات، وكانوا يعرفون عن كثب أنها لا تناصر الحراك الشعبي، ولكن لم يدر في بال أحد أنها يمكن أن تبادر إلى تعويم النظام وهو يغرق، ورهينة لدى إيران وروسيا. ولكن المسار السياسي الذي سارت به الإمارات منذ عدة سنوات في قيادة الثورة المضادة يمكن أن يقودها إلى مآلات أكثر ابتذالا.