السوري أضحيةً قربانية

2023.05.27 | 05:59 دمشق

آخر تحديث: 27.05.2023 | 05:59 دمشق

السوري أضحيةً قربانية
+A
حجم الخط
-A

ينشأ كل كيان سياسي جديد على العنف المقدس أساسًا. الدم ركن ركين من نشأة الدولة، وقد تأسست دولة الأسد الأمنية بعد مجازر حماة وجسر الشغور وحلب، وليس على ركن حرب تشرين التي وُصفت بالتحريرية حشفًا وسوء كيلة. تأسست الدولة الأتاتوركية على حرب الاستقلال مع العدو الغازي، وفيها كلام، وتشير بعض المصادر والآراء إلى أنّ المحتل الإنكليزي الغازي الذي دخل إسطنبول هو الذي وطَّأ لكمال أتاتورك الأكناف. مهما يكن فقد تحقق لكمال أتاتورك السالونيكي الإغريقي وفق نظريات الأساطير المؤسسة وعلوم الميثولوجيا سيول من الدماء الأهلية التي سُفكت في سبيل دولته المحدثة، صاحبها خسف وسلخ للعثماني من جذروه، فبدّل الحرف العربي، وأعدم المؤذنين والشيوخ والأئمة، وغيّر اللباس والأزياء، فُخطف الشعب العثماني من تاريخه، وعاد طفلًا في رعاية أب جديد لا يشبه المؤسس عثمان أرطغرل، ويعدُّ عدنان مندريس أضحية قربانية لتجديد البيعة التأسيسية، ونجا نجم الدين أربكان من القتل الفعلي لكنه نُحي سياسيا.

كان السلطان عبد الحميد هو قربان الأتاتوركية، وقد جرت محاولة انقلاب عسكرية على أردوغان لكن قرابينها كانت من الموالاة، فهي قرابين غير مثالية، وغير ميثويولجية، لأنها لم تجدِ في قلْبِ السلطة

تُظهر الانتخابات التركية، وهي من أشدِّ الانتخابات في المنطقة وأحرجها، بل في الأرض، أزمةً وطنية تركية شطرت الشعب إلى فرقتين، واحدة تعمل على العودة إلى المنابع الأولى ولبن نشأة السلطنة العثمانية الإسلامية الأولى، وأخرى تناضل للعود إلى القومية الطورانية المتفرنجة المحدثة. ويغري السوري أحد الفرقتين بأن يكون أضحية قربانية، لتحميله وزر الشقة والفرقة بين الإخوة الأعداء. ويحمل السوري مواصفات الكائن الفائق، فهو ابن الشام الشريف، وحامل الرسالة الإسلامية، وغازي القسطنطينية الأول، وقد تجرأ على معارضة أعتى نظام دكتاتوري في المنطقة، وقارعه اثنتي عشرة سنة، وقدّم مئات الألوف من الشهداء، فاكتسب هالة نورانية، أو شيطانية، وتريد المعارضة التضحية به للعودة إلى النظام الأتاتوركي القديم الذي أوهنه رجب طيب أردوغان ويهمُّ بنسفه في الدورة الرئاسية الجديدة. الأضحية القربانية غالبًا ما تكون كائنًا متعاليا، مقدسًا، مباركًا، مثل "كنكو" في ملحمة البابلية و"أبسو" في ملحمة اتراحاسيس، وكبش إسماعيل عليه السلام، وهو كبش رعى في الجنة أربعين سنة، وناقة صالح، والبقرة الصفراء الفريدة في بني إسرائيل، وقد استبدلت الديانات السماوية، الحيوان بالبشر، فكان عيد الأضحى عند المسلمين. المسلمون ما يزالون يأكلون من كبش الجنة حتى يومنا هذا.

وكان السلطان عبد الحميد هو قربان الأتاتوركية، وقد جرت محاولة انقلاب عسكرية على أردوغان لكن قرابينها كانت من الموالاة، فهي قرابين غير مثالية، وغير ميثويولجية، لأنها لم تجدِ في قلْبِ السلطة. حسبها أنها مدّت من عمر رجب طيب أردوغان السياسي، وطهّرت دولته من بعض الأذى.

الميثيولوجيا ما تزال حيّة لكن بمصطلحات جديدة مكسوة بكهانة العلم، وقد جرت محاولات انقلابية كثيرة غير العسكرية مثل الغدر الاقتصادي بسحب العملة الصعبة من السوق، والاقتصاد فرع من الدم. إسرائيل تحرِّم الإعدام قانونًا، وتعمل على سنّه من جديد، لكنها تقوم بالإعدامات الميدانية الفورية، وهي تقدم الفلسطينيين قرابين على مذبح الكيان الإسرائيلي، صونًا للجماعة الغازية، ولحمًا للفرقة بين المستوطنين الإسرائيليين القادمين من جهات الأرض، وهي على قدم وساق، لأن الكيان الإسرائيلي مهدد، وهي تذبح الفلسطيني على الهواء مباشرة، لأنَّ الفرقة بين بني إسرائيل عميقة وتحتاج إلى قرابين يومية.

 تكون الأضحية القربانية حيوانًا ميثولوجيًا مثل كبش الجنة وكنكو وأبسو، أما إن كانت من البشر، فهو الغريب الوافد، أو هو الأب كما في حالة السلطان عبد الحميد أو محمد مرسي، أو الغنوشي المهدد بالقتل أو الموت البطيء، بعد أن جرى تغريبهم وتشريدهم. كان الغريب أضحية مثالية في الأساطير.

ينقل العالم الإناسي، جوفري لينهار خبر قبائل الدنكا المتحاربة، التي كانت تؤدي أعمالًا مسرحية قتالية غير حقيقية، وتربط في أثناء العرض، عجلًا بانتظار ذبحه قربانًا، وحينما تصل الاحتفالات إلى ذروتها يهجم الجميع على الأعضاء التناسلية للعجل ثم يذبحونه. الغريب حامل داء العنف، وهو ضحيّة مقدسة ومثالية بانتظار لحظة الأزمة لتقديمه قربانًا.

اجتهد الإعلام السوري الرسمي والوصيف على اتهام "غرباء" فلسطينيين ومصريين، للحفاظ على الرابطة الوطنية السورية، في أشهر المظاهرات الأولى، لكن الانفلاق الاجتماعي كان أكبر من الالتئام بأكاذيب إعلامية.

ينقل رينيه  جيرار عن "الفريد مترو" أنَّ هنود التوبينمبا يعاملون الأسرى الغرباء معاملة حسنة، فيعيشون بينهم سنين عددا، ويصاهرونهم، فالغريب مشتهى جنسيًا، وحبِّ الغريب شائع لدى كثير من الشعوب، وحتى يقرب هنود التوبينمبا الغريب قربانًا، يغرونه بانتهاك المحظورات وارتكاب البوائق، لكي يصبح الانتقام مشروعًا، ويصبح مستقطبًا للعنف، وقد استقطب السوري الكثير من الكراهية والعنف في السنوات الأخيرة، وقد وجد فريق أتاتورك الذي يمثله كمال "كالجدار" أوغلو السوري أضحيّة  قربانية مثالية، حتى صار عنوان حملته الانتخابية التحريرية.

من أهم خصائص  السوري القربانية أنه ابن شام شريف، وفي المناهج التركية الأتاتوركية العربي خائن، وهو عدو الخلافة العثمانية ومقوضها، إنّه أحد الآباء، هو الأب ما قبل الأول

لعلَّ المعارضة التركية تدرك ذلك بالغريزة، فهي تقوم بأبلسة السوري وتوحيشه، والوحشية صفة قربانية في القرابين، ومن الوحشية اتهام المعارضة للسوري بجريرة اختلاس الأنظار المريبة إلى التركيات الحرائر المصونات، ليحمل وزر العنف الأهلي القادم، وهي تهدد تصريحًا أو تلميحًا، بإعدام أردوغان إن تولت الحكم، سيكون أردوغان هو الأب القتيل حسب فرويد، لكن السوريّ في هذه المرحلة هو الأضحية، ومن أهم خصائص  السوري القربانية أنه ابن شام شريف، وفي المناهج التركية الأتاتوركية العربي خائن، وهو عدو الخلافة العثمانية ومقوضها، إنّه أحد الآباء، هو الأب ما قبل الأول.

لذلك تعمل الإعلانات المعارضة على تشرير السوري وتضريره، فهو سارق اللقمة التركية، ومغتصب النساء بالنظر، والعين زناها النظر، بإجلائه عن تركيا سيعمُّ الخير على الشعب التركي، وينعم بالسعادة ورغد العيش، مع أن الواقع يضادُّ ذلك، فالسوري أحد الأعمدة الاقتصادية بأمواله أو بجهده. وتعمل إعلانات المعارضة على طوطمة السوري بجعله حيوانًا، فهو متخلف، لوزته الدماغية - كما شاع في فيديو تركي - زعم فيها أبو اللوزة، أنه عالم وراثيات، غير لوزة التركي، هو والأفغاني والباكستاني دون. التركي لوز وجوز وسكر والغرباء فستق عبيد.

تفيدنا نظرية فرويد القائلة بقتل الأبناء للأب من أجل النساء، وهي عند كاتب السطور نظرية فيها نظر كثير، لكنها مفيدة في تحليل بعض المجتمعات، فالسوري هو العربي الذي حمل الرسالة الإسلامية، وهو صاحب الفضل على الخلافة العثمانية، وهو فاتح القسطنطينية الأول، وفاتحها الأول أموي كنيته بايزيد، "أبو يزيد" معاوية بن أبي سفيان، والطوطم في العلوم الميثولوجية بديل الأب، فهو يجمع بين الأب والطوطم.

وجد الباحث الإناسي رينيه جيرار أنَّ نصوص قبائل التوبينمبا تجلُّ الأسير وتجعله بطلا أسطوريًا، واللاجئ السوري أسير أو في حكم الأسير، حبيس مدينته بالقوانين والتشريعات، وسجين أغلال الخوف، والخوف أقوى القوانين وأشد الأغلال. إنه أضحية قادمة من غيابات المجهول وظلال المقدس.

الأضحية بقدسيتها كما يقول الباحث علي تركي الربيعو تعيد الحيوية إلى نظام ثقافي منهك ممزق، وتكشف عن قدرات مثيرة للدهشة، تتمثل في هتك المحجوب وإجلاء الحقيقة وتحقيق الوئام إلى حين.