السماء السورية في فيلم روائي روسي

2021.11.21 | 05:51 دمشق

unnamed.jpg
+A
حجم الخط
-A

"السماء" (نيبا) أول فيلم روائي روسي عن سوريا، بدأ عرضه منذ أيام في صالات العرض الروسية، وهو يحكي قصة الطيارين الروسيين أوليغ بيشكوف وقسطنطين موراختين، قائدي طائرة سوخوي 24 التي أسقطتها تركيا في 24 من تشرين الثاني 2015، بعد أن اخترقت المجال الجوي التركي. ورغم أن الطيارين تمكنا من القفز بالمظلة، فإن أحدهما (بيشكوف) قتل برصاص مقاتلين سوريين على الأرض، ونجا الثاني (موراختين)، وتم نقله إلى قاعدة حميميم.

وتعاطت روسيا مع الحادث باهتمام شديد، وتسبب في نشوب أزمة كبيرة بين موسكو وأنقرة، كادت أن تصل حد الحرب، إلا أن التهدئة نجحت في تطويق ردود الفعل، وتحولت القضية إلى مدخل لتأسيس سلسلة من التفاهمات السياسية بين الطرفين لا تزال تعمل إلى حد اليوم، ومنها مناطق خفض التصعيد، ومسارا أستانة واللجنة الدستورية، وكلها محطات تمكنت فيها روسيا من تحقيق مكاسب لصالح تدخلها العسكري في سوريا، بالإضافة إلى الحيلولة دون سقوط نظام بشار الأسد.

إنجاز فيلم روائي لا يزال أغلب أبطاله أحياء وأحداثه طرية وقريبة، يطرح أكثر من سؤال عن الغاية المرجوة من ورائه، لاسيما أن صاحب المشروع هو وزارة الدفاع الروسية

سبق أن حصل الطيار القتيل على لقب "بطل روسيا"، وأقيم له نصب تذكاري في قاعدة "حميميم". ولكن الاحتفاء لم يقف هنا، بل بدأت وزارة الدفاع الروسية بتحويل القصة إلى فيلم سينمائي، واللافت أن الفيلم، حسب البيانات الإعلامية الروسية، لا يتناول مسألة إسقاط الطائرة، رغم أنه جرى تصوير بعض مشاهده في قاعدة حميميم، بل ذهب في اتجاه آخر. ويقول نائب وزير الدفاع آندريه كارتابولوف إن الفيلم "لوحة فريدة من نوعها تخبرنا بالتفصيل عن الأحداث في سوريا". وهذا أمر ليس بالجديد على السينما الروسية التي خاضت بقوة في ميدان صناعة أفلام الحرب، وقدمت روائع سينمائية، كما أنها المشهود لها في السينما الوثائقية، منذ بدايات القرن الماضي مع سيرغي ايزنشتاين صاحب الفيلم الشهير "المدرعة بوتمكين"، ولكن إنجاز فيلم روائي لا يزال أغلب أبطاله أحياء وأحداثه طرية وقريبة، يطرح أكثر من سؤال عن الغاية المرجوة من ورائه، لاسيما أن صاحب المشروع هو وزارة الدفاع الروسية، وجاء تصريح الوزير سيرغي شويغو، بإدراج الفيلم في قائمة الأفلام "الواجب عرضها في مواقع القوات المسلحة"، ليزيد من الشكوك حول الأهداف من ورائه، لاسيما وأن فيلم "السماء" ليس الأول الذي تنتجه وزارة الدفاع الروسية عن التدخل الروسي في سوريا، والتي سبق لها أن أنتجت فيلما آخر في شكل وثائقي باسم "بالميرا" (تدمر) يدور من حول طبيب داغستاني يدخل سوريا، من أجل إنقاذ  ابنته التي تقع تحت تأثير دعاية مجموعة إرهابية، ويتسلل عبر الحدود وخوض مغامرات من أجل تخليصها.

فيلمان روسيان عن الحدث السوري من إنتاج وزارة الدفاع، الأول يريده الوزير أن يعرض على القوات المسلحة، والثاني يرى مخرجه إيفان بولوتنيكوف أن الفيلم يقوم على معادلة أن "تنقذ العالم من خلال إنقاذ شخص واحد". وهذا أمر لا يمكن فهمه خارج البروباغندا الروسية. وتريد السينما التي تصنعها وزارة الدفاع أن توصل رسائل للشارع الروسي وللجيش حول تدخلها بسوريا، والذي أسهم في صورة أساسية بتخريب هذا البلد، من خلال حماية المجرم الأسد والعصابات التي تعمل معه، وهي مكونة من القتلة المحترفين.

هم لا يحسبون المدنيين الذين يسقطون بقصف الطيران الروسي يوميا في ريفي إدلب وحلب، من هذا العالم، بل خارج العالم الذي تعمل روسيا على إنقاذه

وهناك سؤال يطرح نفسه حول دوافع تحويل حادث إسقاط الطائرة إلى فيلم وليس غيره. والسبب هو محاولة لإثارة التعاطف مع الجيش، وبين أفراد الجيش الذي يخسر من أفراده من أجل رسالة سامية، وهي "إنقاذ العالم" حسب مخرج "بالميرا". وبالطبع، هم لا يحسبون المدنيين الذين يسقطون بقصف الطيران الروسي يوميا في ريفي إدلب وحلب، من هذا العالم، بل خارج العالم الذي تعمل روسيا على إنقاذه، وربما إن هدف روسيا من قتل هؤلاء هو إنقاذ العالم. ويبقى أن السماء، وهي عنوان الفيلم، ترتبط عند غالبية السوريين خارج مناطق سيطرة النظام بالطيران الحربي الروسي، عنوان الخوف والقتل والدمار.