السفيرة 2013.. آخر المعارك المشتركة بين الثوار وداعش

2020.10.27 | 00:00 دمشق

cf54760dc61c01c58d764b23.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الربع الأخير من عام 2013 كانت خطة فصائل الثوار شمالي سوريا بقطع طريق إمداد قوات نظام الأسد باتجاه مدينة حلب والثكنات العسكرية التي كانت ما تزال تحت سيطرته قد فشلت، مع تمكن الأخير من احتلال بلدة خناصر في أقصى ريف حلب الجنوبي، وبدء توجه أرتاله شمالاً باتجاه السفيرة، التي حشدت فيها الفصائل قواتها لإيقاف تقدم قوات النظام وإحباط استراتيجيتها التي عرفت لاحقاً باسم "دبيب النمل"، حيث كان النظام قد بدأ منذ أواسط العام 2013 هذه الاستراتيجية بالتوجه من معسكراته في محافظة حماة وسط سوريا إلى الشمال، بغية فك الحصار عن منشأة معامل الدفاع جنوب غربي السفيرة بداية، وانتهاء باستعادة مدينة حلب إلى سيطرة النظام باحتلال أحيائها الشرقية التي كان الثوار قد حرروها منذ أواسط العام 2012.

اقرأ أيضاً: والعاديات ضبحاً.. آخر المعارك الاستراتيجية في حلب

في تلك الفترة لم تكن بعد المواجهة بين فصائل الثوار على اختلافها وبين تنظيم داعش قد بدأت بعد، وكانت بعض الجبهات -خاصة في شمال سوريا- تشهد حضوراً مشتركاً للتشكيلات جميعها ضمن غرف عمليات محلية خاصة بالجبهة التي يقاتلون عليها، يتم فيها تنسيق جهودهم العسكرية.

أكبر أرتال النظام

يعتبر الرتل العسكري الذي حشدته قوات نظام الأسد برفقة ميليشيا حزب الله اللبناني وبعض مجموعات الشبيحة باتجاه السفيرة مطلع أكتوبر \ تشرين الأول عام 2013 ضمن ما عرف حينها بعملية "عاصفة الشمال"، أكبر رتل للنظام يتحرك في مساحات مكشوفة منذ تحريك جيش النظام قطعه العسكرية في يوليو \ تموز عام 2011 لإنهاء التظاهرات المليونية في محافظتي دير الزور وحماة، حيث ترافق الرتل بغطاء جوي مكثف كان يدمر القرى والبلدات في طريقه إلى السفيرة برفقة سلاح المدفعية، ورغم محاولات المجموعات المحلية في المنطقة صد الرتل وإيقاف تقدمه في كل قرية تحرك إليها، إلا أن فرق التسليح والأعداد حتى كان عاملاً حاسماً لصالح قوات النظام التي تمكنت سريعاً من الوصول إلى مشارف مدينة السفيرة -كبرى مدن ريف حلب الجنوبي- مطبقة حصارها عليها من 3 اتجاهات، وصابة على أحيائها جحيم نيرانها، الأمر الذي دفع أهلها لمغادرتها مهجرين كحال سكان القرى والبلدات من خناصر إليها، والتي كان رتل النظام يسيطر عليها تباعاً.

التنظيم يتمدد شمالي سوريا

آنذاك كان التوتر بين تنظيم داعش من جهة وبين فصائل الثوار في عموم سوريا -وفي الشمال السوري خاصة- من جهة أخرى قد وصل إلى حالة حرجة، خاصة بعد تكشير التنظيم عن أنيابه، وتزايد وتيرة مواجهاته ضد فصائل الجيش الحر التي بدأت ضد مجموعات صغيرة اشتهرت بتجاوزاتها بحق المدنيين في المناطق المحررة، قبل أن يوسعها لتشمل فصائل عسكرية أكبر حجماً في عدد من المناطق الاستراتيجية، ربما كان أبرزها لواء عاصفة الشمال الذي ينتسب معظم مقاتليه إلى مدينة اعزاز على الحدود السورية التركية شمال حلب، والتي تتحكم بواحد من أهم المعابر الحدودية في سوريا "معبر باب السلامة"، وهذا ربما ما جعل إنهاء الفصيل والسيطرة على المدينة هدفاً للتنظيم.

بدأت المواجهات بين التنظيم ولواء عاصفة الشمال في سبتمبر \ أيلول عام 2013 وتوقفت بعد تدخل لواء التوحيد لفرض تهدئة في المدينة لم يطل أمدها، حيث خرق التنظيم التهدئة وبسط سيطرته على المدينة ومرافقها في أكتوبر \ تشرين الثاني، كما سبقت سيطرته على اعزاز تمكنه من السيطرة على مدينتي الرقة والباب شرقي حلب جزئياً بعد وضع يده على معظم المرافق العامة فيهما وطرد منافسيها فيهما، وهو ما دفع عدداً من المحللين والناشطين آنذاك للتحذير من كون التنظيم يحث الخطا لإفراغ جزء الشريط الشمالي من سوريا (بين رأس العين واعزاز على الحدود السورية التركية، ومن الرقة إلى الباب جنوبها) من الفصائل العسكرية الأخرى ليكون خالصاً له، بحيث تبدأ منه دولته! خاصة مع إعلانه نيته اجتثاث كتائب الفاروق شرقي حلب مع مجموعة أخرى "بسبب فسادها" على حد تعبير بيان أصدره التنظيم، والتي كانت تنتشر بشكل أساسي في ريف حلب الشرقي (مدينة منبج ومحيطها).

صورة مرفقة - خريطة شمال سوريا.jpg
خريطة شمال سوريا

 

والحقيقة أن التنظيم لم يحصر تحركاته في هذه الرقعة شمالي سوريا، فقد تمكن بالفعل من فرض نفوذه في مدينة حلب بشكل متسارع كان يتجه فيه للسيطرة عليها كلياً، كما كان ريف إدلب يعج بمقار التنظيم التي تكاثرت فيه حتى لم تبقَ قرية أو بلدة إلا وله فيها حضور، فضلاً عن تلميح واليه على إدلب إلى نية التنظيم السيطرة على الفوج 46 في ريف حلب الغربي، وهو ما يعني أن التنظيم كان قد وضع نصب عينيه إحكام سيطرته على كامل الشمال السوري المحرر.

معركة السفيرة 

مع تزايد حالة التوتر الناجمة عن تحركات التنظيم في المناطق المحررة، التي لم تقتصر على فصائل الجيش الحر بل شملت الفصائل الإسلامية ذات المنهج السلفي وعلى رأسها "أحرار الشام"، وسط غياب شبه كامل لجبهة النصرة التي انكفأت على نفسها في الشمال السوري، تعالت الأصوات المنادية برد حازم على تجاوزات التنظيم، متدرجة من منشورات فردية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى بيانات من الأجسام التمثيلية في الثورة السورية وعلى رأسها المجلس الإسلامي السوري، والتي بدأت تغير في المزاج العام الرافض للاقتتال "الداخلي" عموماً، إلى قبول فكرة ردع التنظيم عسكرياً، خاصة مع تداول مصطلح "وجوب قتال الفئة الباغية" بين أوساط المقاتلين في التشكيلات العسكرية على اختلافها.

كان كل هذا يحدث بالتزامن مع تقدم أرتال نظام الأسد إلى مشارف مدينة السفيرة جنوبي حلب، وسط مناشدات من غرفة عمليات السفيرة والناشطين للفصائل العسكرية بالتوجه إلى المدينة وإيقاف تقدم قوات النظام، وهو ما وجد فيه تنظيم داعش فرصة مناسبة لتثبيط الأصوات المهاجمة له، وتثبيت حاضنته التي سوّق نفسه لها سابقاً بعبارته "خلوا بيننا وبين النصيرية"، زاجاً بعدد من مجموعاته في المعركة لتقاتل جنباً إلى جنب مع الفصائل في غرفة عمليات السفيرة.

 

استمرت المواجهات في السفيرة ما يقارب الشهر، تمكن فيها تنظيم داعش من ضخ عشرات الأخبار والمقاطع المصورة عن وجوده في السفيرة غامزاً بالتشكيلات العسكرية الأخرى، ومحققاً هدفه باستثارة عاطفة شريحة واسعة من المقاتلين والناشطين الذين تفاعلوا بنشر دعايته ومطالبة من يهاجمونه بـ "كف أذاهم عن المجاهدين"، وهو ما استثمره التنظيم جيداً في تبرير تحركاته لاحتلال المحرر.

والحقيقة أن المؤازرات جميعها التي وصلت السفيرة كانت خجولة ومحدودة الأعداد والتذخير، حتى بالنسبة للواء التوحيد الذي سجل أكبر مشاركة لفصيل في المعركة، لتتمكن قوات نظام الأسد تحت وابل من الكثافة النارية العالية ووسط تخاذل الفصائل العسكرية من السيطرة على السفيرة مطلع نوفمبر \ تشرين الثاني، ضامنة بذلك خط إمداد لقواتها إلى مطار حلب الدولي ومدينة حلب، ومقتربة من حصار الثوار في الأحياء المحررة من مدينة حلب، بعد أن كانوا هم من يحاصرون قوات النظام في المدينة قبل أشهر..

لكن تلك قصة أخرى.