الزلزال وحدود المتغيرات التركية الأولوية في سوريا

2023.02.25 | 06:24 دمشق

الزلزال وحدود المتغيرات التركية الأولية في سوريا
+A
حجم الخط
-A

أدت الكوارث الطبيعية في تركيا على مر تاريخ الدولة، إلى تغيرات كبيرة وجذرية في المساقات والمسارات السياسية، خاصةً عقب زلزال إزميت الشهير عام 1999 والذي أودى بحياة 17.480 مواطناً تركياً بحسب الإحصائيات الرسمية، حيث تعتبر الفاجعة من أكبر المآسي التي عاشتها البلاد خلاد العقود الماضية، وقد أطاحت آنذاك بحكومة بولنت أجاويد الخامسة والائتلاف بين حزب اليسار الديمقراطي والحزب القومي التركي وحزب الوطن الأم، وأفسحت الطريق أمام حزب العدالة والتنمية لتسود الحياة السياسية في البلاد، بعدما قدّم نفسه بكونه فرصة مهمة للنهوض بتركيا، كما كشف عن عدم كفاءة الائتلاف الحاكم عن إدارة الأزمة، وفقدانهم لثقة الحاضنة الشعبية، في حين أظهر قدرته مستثمراً في ضعف خصومه بكونه أكثر أحقية في التعاطي مع متطلبات الناس.

انزياح جديد عقب الزلزال:

في الوقت الحالي، تعيش البلاد عقب زلزال آخر مدمر مصدره ولاية كهرمان مرعش التركية 2023، وضع مشابه إلى حدٍ ما تلك الحقبة، مع فوارق السياسات والدروس والعبر السابقة المأخوذة، واختلاف ثقل تركيا كدولة من الناحية الدولية، كذلك الأمر داخلياً من حيث البنية التحتية مقارنةً بالمرحلة تلك.

قبل الزلزال، كان هناك تحمس تركي، للإقبال على تنفيذ عملية عسكرية شمال شرقي سوريا، لتوسيع نطاق المنطقة الآمنة التي عبّرت عن رغبتها بإنشائها منذ العام 2019 لكن التناقضات الروسية الأميركية التي تتلاقى عند نقطة الرغبة التركية لطالما أعاقت هذا التوجه.

ومع قرب الانتخابات التركية، والاستقطاب السياسي الحاد، نحت القيادة التركية نحو انزياح أو انعطافة تجاه إعادة النظر بالعلاقات مع النظام السوري، بشأن التطبيع أو السعي لرفع مستوى التمثيل والعلاقة إلى الخارجية بعد تحقيق تقدم في ملف الاستخبارات عقب لقاء حدث في موسكو بين الجانب التركي والنظام السوري لأول مرّة منذ اندلاع الثورة السورية وذلك برعاية روسية. تلك الملفات، ارتبطت أكثر بالبعدين الداخلي الأمني أي ملف اللاجئين، كذلك الخارجي الأمني في إطار محاربة التنظيمات الإرهابية بكونهما يؤثران بشكل مباشر على نفسية الناخب التركي وسير العملية التركية.

لكن، بعد حدوث الزلزال، أعادت الحكومة التركية ترتيب أولوياتها لينصب التركيز بشكل أساسي على الاستجابة السريعة والطارئة للجنوب التركي المنكوب. وهذا ما طرح تساؤلات مختلفة عن حال ومصير الملفات التركية التي كانت تعمل عليها تركيا قبل المأساة. كما وجدت من جهتها، المعارضة التركية الزلزال فرصة مهمة للدفع تجاه الضغط أكثر على الحكومة، ولا سيما في ملف الانتخابات الذي يعتبر حديث الساعة في البلاد، مع بروز طروحات التأجيل وتغيير الموعد بشكل كامل، أو على الأقل إعادة النظر بإمكانية تحقيق شروط البيئة الانتخابية المؤاتية ولو بالحد الأدنى، بعد موجات النزوح الكبيرة وفقدان الآلاف من الناس لأوراقهم الرسمية، وتغيير بعضهم نفوسهم للمكان الذي اضطروا للانتقال إليه.

نفسية الناخب.. وتبدل الأولويات:

ترى المعارضة، على رأسها الطاولة السداسية بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها وعدم تأجيلها وقد صرّح رئيس حزب الشعب الجمهوري "كمال كليتشدار أوغلو" بذلك في 15 شباط/ فبراير، 2023 لكن سرعان ما عدل عن خشونة موقفه، بقوله في 22 من الشهر ذاته إنّ حزبه يرفض تأجيل الانتخابات لكن هيئة الانتخابات العليا قد أقرت صعوبة ذلك حسب قوله. بينما ترى الحكومة التركية، بأنّ الأولوية الحالية هي التعامل مع المأساة وإخراج الناس من تحت الأنقاض، ومساعدة المنكوبين، والعمل على إعادة النظر في تعويض الضرر، وإعادة الإعمار، ومحاسبة الفاسدين من المقاولين والمتعهدين.

الحقيقة، إنّ المتغيرات الجديدة التي فرضتها الكارثة الإنسانية أدت لإحداث تبدلات عميقة في الأولويات والكروت الانتخابية التي يمكن للأحزاب السياسية التركية استخدامها، وقد يكون الملف السوري فقد بعضاً من أهميته في معركة الديناميات الداخلية، وبات التركيز ينصب أكثر على روافع أخرى متعلقة بإدارة الكارثة وطبيعة الاستجابة، وقد تحولت بالفعل لملف انتخابي كبير، بما أنّه حافز للتأثير في طبائع ونفسيات الناخبين، بعد انتقادات كبيرة وجهتها المعارضة للحكومة بضعف الاستجابة وقبلها إخلال وعودها حول طبيعة ومتانة البنية التحتية وكشفت عن فسادٍ متعلق بالمعاملات القانونية حول الالتزام بسياسات الإعمار والبناء التي سبق أن تبناها الحزب الحاكم منذ تسلمه تقريباً.

كذلك، لم تتوقف المعارضة، في استخدام كرت اللاجئين السوريين في معركتها الانتخابية، على الأقل في مستوى الأحزاب شديدة التطرف، وقد يكون من المهم التمييز بين الأحزاب التي من الأساس تعطي اهتماماً للنتائج الانتخابية على حساب الملفات، وبين تلك القائمة في هويتها الإيديولوجية على عداء اللاجئين كحالة حزب النصر ورئيسه "أوميت أوزداغ" الذي انتهز الحدث لتكريس خطابه اليميني المتطرف، في إثارة العداء ضد اللاجئين السوريين والتمييز بينهم والدعوة لمحاربتهم وتجريدهم من حقوقهم الإنسانية والمدنية في تركيا.

خاتمة:

على أيّة حال، لا تتيح المنظومة التركية القانونية إمكانية تأجيل موعد الانتخابات إلّا عندما تعلن الحرب، وذلك وفق المادة رقم 5 من قانون الانتخابات، بعد العودة للبرلمان والموافقة بغالبية الأعضاء. وفيما يبدو سيكون الملف هذا حديث الساعة في الشارع التركي السياسي والشعبي، مما يفرض إعادة ترتيب للأوراق والعودة للتموضع بعد فهم المشهد وأهداف المرحلة، وضمن هذا الواقع من غير الواضح تغير التوجهات التركية تجاه العملية العسكرية التركية، لكن الظروف الراهنة قد تشير للتأجيل دون التخلي ومع استمرار الضغط والمعركة الدبلوماسية وتهيئة الأجواء المناسبة، بينما ملف التطبيع أو إعادة التعويم مع الأسد له حدود مختلفة، طالما أنّ عنصر اللجوء السوري ما زال معرقلاً للسير نحو استعادة الرضا أو القبول لدى الشريحة التركية الرمادية التي تخلت عن العدالة بسبب ملف اللجوء سابقاً، والجدير بالإشارة إلى ارتفاع العبء على تركيا من حيث إدارة ملف اللاجئين، خاصةً وأنّ هناك موجة نزوح ثانية يقوم بها اللاجئون السوريون المقيمون في المناطق الجنوبية والذين يتراوح عددهم بين ما يقارب نحو مليون و750 ألف شخص.