الرقص مع النظام

2021.11.06 | 05:22 دمشق

60b0029069a65.jpeg
+A
حجم الخط
-A

بما أنني مغرم بالعناوين فقد ورطني عنوان المقال المنشور بالأمس للأستاذ عبد القادر المنلا (أحمد جودة.. حكاية راقص جنده النظام) في التفكير ملياً بالراقصين مع النظام في حكايتنا السورية الكبيرة وهم أكثر من أن يحصيهم مقال في صحيفة أو حوار صحفي، وهؤلاء يحتاجون إلى مركز بحثي متخصص لأنهم ملونون وفق المكونات الإثنية والفكرية والطبقية ومن بينهم مرضى هوس السلطة والقتل والأضواء، ولكن ما يعنيني تلك الفئة التي انضوت تحت سقف الثورة والمعارضة، وقدمت له الخدمات سواء بالمجان عن جهل تارة، وحسن نية تارة أخرى، أو عن سابق إصرار باختراق المعارضة الساذجة وانتهاء بعودتها إلى حضن الوطن بذريعة إرهاب المعارضة وحب الوطن ممثلاً بالقيادة الحكيمة.

الراقص أحمد جودة في مقال الأستاذ (المنلا) يشبه إلى حد كبير أولئك الذين استثمروا داعش كي يصيروا لاجئين في أوروبا

ماذا يعني أن يتم تقديم الدعم للأميين وعديمي الخبرة والتجربة الذين أنفقوا الأموال المقدمة بملايين الدولارات في غير محلها، وأن توزع آلاف الدولارات كرواتب لموظفين فقط مهمتهم شتم النظام على منابر بعينها دون أن يقولوا جملة واحدة مفيدة؟.. وهؤلاء تم استثمارهم فيما بعد من قبل مشغليهم على أنهم لصوص ومرتزقة لا أكثر، واستثمرهم النظام بالإشارة إليهم في أنهم يمثلون الثورة والمعارضة، وهذا الأمر لا ينطبق على الناشطين القادمين من خلفيات أميّة التعليم والخبرة بل يسري حتى على موظفي الحكومة المؤقتة في أطوارها المختلفة والذين نعموا بما لم يحلم به لصوص النظام البعثي الفاسد، وبعضهم أثرى وافتتح المطاعم والمولات، وأقلهم سعى للهجرة والحصول على جنسيات جديدة يعتقد أنها قد تحصنّه ذات يوم إن جاء وقت المحاسبة والسؤال.

الراقص أحمد جودة في مقال الأستاذ (المنلا) يشبه إلى حد كبير أولئك الذين استثمروا داعش كي يصيروا لاجئين في أوروبا، وينشروا من هناك في صفحاتهم الزرقاء آراءهم عن مفاهيم الحرية، ويتعاملوا مع ثورة السوريين من برجهم الجديد الذين وصلوا إليه بالأموال المسروقة والارتعاش الكاذب من القتل بالرغم من أن معظمهم كان بأمان مالي وأمني كبير، ولم يحملوا بندقية ولكنهم بنوا تاريخهم المزيف على الصراخ والشتائم كي يُشعروا الآخرين أنهم تركوا وراءهم إرثاً نضالياً كبيراً، وأحدهم اليوم يتحدث من أنفه في باريس عن البؤس في مناطق النظام والمعارضة مع أن سيرته القريبة تشير إلى أنه فحل بعثي بامتياز.

في سيرة الناشطين أصحاب النوايا الحسنة والخبرة الهشة يأتي السؤال إلى مشغليهم: لماذا يتم الطلب من هؤلاء تصوير المشافي الميدانية من فوق وتحت، وكذلك مراكز الدفاع المدني والأقبية؟.

البعض يرى الأمر من باب أن الجميع من مشغّلين في الدكاكين الإعلامية ومن يعملون معهم ليسوا إلا عصبة جاهلين ومن خارج الوسط الإعلامي، لكن العقلاء ومن يتهمون بالتشدد يرون أن الأمر لا يتعلق بالسذاجة والجهل إنما أعمال موكلة لهؤلاء في إعطاء بيانات وإحداثيات ليتم فيما بعد قصفها وتدميرها وهي خدمات مأجورة للنظام وحلفائه.

الذين أعلنوا عودتهم الطوعية لحضن وسقف الوطن، عسكريون كانوا أم مدنيون، فهم في خانة الراقصين مع النظام مع سبق الإصرار

تسببت الفوضى وقلة الخبرة في مقتل بعض الناشطين أو الباحثين عن عمل بعد أن ضاقت حياتهم في الداخل السوري، وآخرون تمت تصفيتهم لأنهم تجرؤوا والتقطوا صورة لعناصر (داعش) بهاتف نقال من بعيد مقابل القليل من الدولارات، وهنا تترتب على من دفعهم لذلك المسؤولية بشقيها الجنائي والأخلاقي.

أما الذين أعلنوا عودتهم الطوعية لحضن وسقف الوطن، عسكريون كانوا أم مدنيون، فهم في خانة الراقصين مع النظام مع سبق الإصرار، وها هم اليوم يخرجون على الشاشات ليمتدحوا القتل والقيادة، وتغيرت صفاتهم من قادة فصائل إلى أعضاء في لجان المصالحة.

الراقصون مع النظام خرجوا من باب المعارضة والثورة والسذاجة، ودخلوا من باب الولاء والعمالة والوطنية الواهية.. لهذا يجب إعادة قراءة المشهد دون براءة وحسن نية لأنهما تسببا في إضافة طيف سوري جديد من الانتهازيين الجدد الذين يجيدون ركوب المراحل.