الرقص مع الطغاة

2021.06.05 | 05:18 دمشق

159193683639104700.jpg
+A
حجم الخط
-A

هرعت الأغلبية إلى إعلان براءتها من زمن الـ (لا) العظيمة إلى حفل الدبكة الكبير حيث يمكن هنا ممارسة شعائر العودة إلى حضن الوطن الذي بات أصغر من أي وقت مضى، وطن لا يتسع إلا للطغاة بألوانهم ونياشين انتصارهم، وجوقة المهللين بفرادة المجتمع المتجانس.. هنا حيث لا أحد سواهم وأغلبية مطأطئة باتجاه الخراب.

لم ينته العرس فقد بدأ للتو كي يعيد سيرة البعث برداءة  الخطاب الشمولي نفسه، وبكل عبارات احتقار من اعتقدوا أن بإمكانهم العيش بأقل مساحة للحرية، وبالوعود الخاسرة التي يعرفها الجميع بما فيهم المريدون والحلفاء وصغار الكسبة والشبيبة والطلائع وحماة الديار.

يكتب صحفي نصف معارض عن هذي الحشود التي تصفق وتهتف كما لو أنها قبل عشر سنوات كانت ترفع شعارات الحرية وإسقاط النظام، وبينهم عشرات الآلاف من الصامتين الذين يضعون أيديهم على قلوبهم بانتظار انتصار طرف على آخر.

وجوه الفرحين هي الوجوه نفسها التي كانت تتألم وتدعو بالبرد والسلام لأولئك الذين تنهال عليهم الصواريخ، والعيون نفسها التي انهمرت دموعها في تشييع قوافل الشهداء، والأكف نفسها التي تضرعت في الأشهر الحرام لإيقاف شلال الدم السوري.. فكيف اليوم بها تصير مسيرة حاشدة.

جلّ هؤلاء تمنوا الرحيل عن وطن العتمة والجوع والفقر واللاأمل، وكلهم ينتظرون غائباً أو يمنون النفس بلم الشمل وفي أضعف الإيمان سقف آمن لرؤوس أبنائهم، وبعض الدولارات القادمة من خلف البحار لشراء الخبز والدواء الذي بات وصفة لا يحصل عليها السواد الأعظم من سوريي الداخل.

البعثيون ممن ورثوا البعث كما يرث فلاح بقرة أبيه وحماره هتفوا في مظاهرات الحرية منتصرين لإرث الفلاح في التهميش

أما النخبة فلم تغير هواها، والوطن هو المكان المستعد لاستيعاب أنانيتها، وبعض المدن الجافة التي تمنح الجنسيات والإقامات الذهبية وجوائز الشعر والموسيقا، وأما البقية فهي تضع يدها على خدها مع جموع المنتظرين إعلان النهاية التي لم تحن بعد.

البعثيون ممن ورثوا البعث كما يرث فلاح بقرة أبيه وحماره هتفوا في مظاهرات الحرية منتصرين لإرث الفلاح في التهميش، ومن ثم عادوا مع الجماهير الغفيرة يرددون أكاذيب اليد العليا وأناشيد انتصار الطبقات على نفسها، والبعثيون من أبناء البدو مارسوا الثورة كما لو أنها غزوة عشايرية ثم عادوا لارتداء لباس المعركة كجنود عائدين من الجبهات المهزومة على إيقاع أهازيج الانتقام.

على مواقع التواصل تحولت صور الملفات من الطوابير والمدينة القديمة إلى الأعلام الوطنية وخريطة الوطن، ومن ثم قبل يوم من العرس إلى صورة القائد وحرمه، وأما المختار فتغيرت منشوراته من توزيع المحروقات ومتابعة شؤون الزبالة المتراكمة إلى منشورات تمجد السوريين الذين لا يتوقفون عن الرقص ليل نهار محتفين بالطاغية إلى أبد الآبدين.

ضعاف الإيمان عادوا إلى مناجاة موتهم الواقعي، وعادوا إلى استجداء الماء والكهرباء واللقاحات الوبائية والأجور التي لا تشتري خبزاً ودواء، وكبار الأفاقين شطواّ في عبادة ربهم الطويل مصدقين رواية حلفاء الدم والخراب، ويعزون النفس بالقادمات من تغير هواء السفينة التي لن تعود إلى شاطئها في موعد قريب.

في الجانب الآخر حيث من يملكون حتى اللحظة جدارة الـ (لا) فهم تحولوا بفعل الاستقطابات الدولية والإقليمية والخذلان الكبير إلى لاجئين أومحاصرين وتكفيهم شجاعة الثبات وإن خرج من صفوفهم انتهازيون وسفلة ومنتفعون ومتخاذلون ومن كان منهم بقلبين ولسانين، ولكن مصيبتهم الكبرى في قادتهم وممثليهم الذين لا يتقنون سوى حمل رايات المتصارعين الكبار.

ما بين مخذول بالداخل والخارج، ومنافق هنا وهناك، وإعلامي وضيع هنا وآخر يلبس ثوباً لا يستحقه، وبين جبار وقاتل هناك ومقتول هنا بدمه وروحه وحريته سيستمر الصراع طويلاً ريثما يدرك أولئك الملونين أن في الموت شرف أكبر من الرقص مع الطغاة.