الرسائل السياسية لزيارة رئيسي إلى دمشق

2023.05.09 | 00:35 دمشق

رئيسي في دمشق
+A
حجم الخط
-A

أنهى رئيس إيران إبراهيم رئيسي زيارته إلى دمشق وسط صخبٍ إعلامي كبير سواء من جانب طهران أو من جانب نظام الأسد، وكل طرف منهما يسعى إلى استثمار تلك الزيارة في الوجهة التي يريد، وربما مجيء الزيارة في ظرف إقليمي شهد تحوّلا نوعياً في علاقات الدول العربية مع نظام الأسد، قد أتاح المزيد من الاستثمارات الإعلامية لعلاقة سلطات دمشق بالنظام الإيراني.

ولئن كان بشار الأسد أراد التأكيد بأن استقباله لرئيسي في دمشق جاء تعزيزاً لانتصاراته التي أنجزها على الشعب السوري، كما جاء تتويجاً لانتصاره الإقليمي المتمثل بعودة العديد من الدول العربية إلى احتضانه، وبالتالي هو يريد التأكيد وإظهار مزيد من التحدي للدول العربية التي كانت تراهن على ابتعاده عن إيران، بأن علاقته العضوية مع نظام الملالي عابرة لكل التحديات والمراهنات، وأن عضوية تلك العلاقة هي أقوى من علاقاته مع العرب أنفسهم، بل ربما صح الذهاب إلى أن تعزيز العلاقة مع طهران بات سلاحاً فعّالاً لابتزاز الدول العربية التي طالما عاشت منذ عقود تحت كابوس الخطر الإيراني. أما بالنسبة إلى رئيسي فربما بدت الأمور في وجهة أخرى، خاصة أن زيارته لدمشق كانت على أعقاب التفاهمات الإيرانية السعودية التي رعتها بكين في شهر نيسان الماضي، ولا شك أنه أراد توجيه عدة رسائل سياسية للأطراف جميعها:

1 – لعل أولى تلك الرسائل موجهة لرأس النظام في دمشق، تفيد تلك الرسالة بأن إيران، تلك الدولة الإقليمية العظمى، لم ينحصر دورها في الحفاظ على نظام الأسد من السقوط طيلة أكثر من عقد مضى فحسب، بل هي الوحيدة القادرة على إعادة تعويم حاكم دمشق وتسويقه من جديد، عربياً ودولياً. ولا شك أن هذا التأكيد سيجعل من كف إيران أكثر استحكاماً برقبة الأسد.

2 – ثاني تلك الرسائل يتوجه بها رئيسي للدول العربية، ويفيد مؤداها بأنكم – أيها العرب – إن كنتم تشترطون على الأسد ابتعاده عن إيران لكي تعيدوه إليكم، فها هي إيران هي من أعادتكم إليه صاغرين مرغمين، وربما أراد رئيسي القول للسعودية: لقد كان بشار الأسد ورقة ضاغطة في التفاهمات السعودية الإيرانية فيما يخص التهديد الحوثي في اليمن لأمن المملكة العربية السعودية، وليس صحيحاً ما يقال عن رغبتكم أو غيرتكم القومية التي دفعت بكم لاحتضان نظام دمشق من جديد بعد أن سعيتم للنيل منه وتعليق عضويته في جامعتكم العربية طيلة الفترة الماضية.

3 – ولعل ثالث الرسائل الإيرانية يوجهها رئيسي لإسرائيل، ومفادها أن الجغرافية السورية ستبقى مجالاً حيوياً لإيران التي تملك كامل الأحقية في استخدام المجال السوري لتهديد المصالح الأمنية الإسرائيلية، ووفقاً لذلك، إذا أرادت إسرائيل الحفاظ على أمنها واتقاء شر تهديدات إيران، فعلى تل أبيب الدفع باتجاه التفاهم مع إيران ذاتها أولاً، كما عليها بعدم السعي للضغط على أميركا والاتحاد الأوربي لعرقلة الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى بقيادة واشنطن.

لم تتأخر كثيراً نتائج الزيارة التي كانت أقرب ما يكون لزيارة رئيس دولة إلى إحدى ولاياته والتي لم تخفِ مضامينها الطائفية والسياسية، لتنصاع الجامعة العربية وتقرر عودة نظام الأسد إلى حظيرتها في ختام اجتماع وزراء خارجية دولها يوم الأحد الفائت، وتعطي الأسد صك البراءة من كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين على مدار اثني عشر عاماً من قتل وتهجير واعتقالات، وهذا ما يجعلنا أمام قراءتين اثنتين للمشهد:

الأولى: هل فعلاً كنا أمام صراع حقيقي طاحن بين الدول العربية وإيران أفضى إلى النتائج التي نحن عليها الآن والتي على ما يبدو اقتنع العرب بانتصار إيران في المعركة، وبالتالي تلافي المزيد من الخسائر وتوقف قطار التراجع والتوجه إلى (سلام الشجعان) مع دولة أثبتت أنها أقوى منهم جميعاً، إلى حين ترتيب أوراقهم وتنظيم أنفسهم والتجهز لذي قار جديدة يستعيدون فيها عزتهم وكرامتهم.

الثانية: هل نحن أمام قراءة أخرى تقول إنه لم يكن هناك أي صراع بين طهران والرياض ومن خلفها الدول العربية الأخرى، وأن كل ما جرى لم يكن سوى إدارة للمشهد من قبل الدولتين المؤثرتين في المسرح الإقليمي، بما يضمن الحفاظ على الوضع في المنطقة على ما هو عليه واحتواء موجة الربيع العربي الجارفة التي اجتاحت بعض الدول عامي 2010- 2011 والتي قد تشكل تهديداً بتغيير منظومات الحكم في بعض دول المنطقة، فكان لابد من إشغال شعوب المنطقة بصراع أيديولوجي مذهبي لا ينتهي.

لكن بغض النظر عن القراءتين أيهما الصحيحة فإن النتائج التي نحن أمامها الآن تفرض علينا القول إن إيران هي المنتصرة، ومن البديهي القول إنها لن تتوقف إلا عندما تحقق كامل أهدافها باستعادة الإمبراطورية الفارسية والهيمنة على العالم الإسلامي والعربي، ولن تكتفي بالهيمنة على العواصم العربية الأربع بل تسعى للتمدد إلى باقي دول الخليج العربي ومصر والسيطرة عليها.

يبقى القول بأن تأكيد إيران ونظام الأسد معاً على أنهم منتصرون، وأن الظرف الراهن يشهد أكبر انتصارات محور المقاومة، فهو كلام صحيح، من جهة أن إيران استطاعت أن تُرغم الدول العربية وعلى رأسها السعودية في العودة إلى الأسد، والانتصار بهذا المعنى هو تفوق البلطجة الإيرانية على السياسات العربية وليس انتصارا لعقلانية السياسة الإيرانية، ومن جهة أخرى يمكن التأكيد على أن النصر الذي حققه محور الممانعة الذي تقوده إيران، وتشهد تجلياته كل من سوريا واليمن ولبنان والعراق، هو بالفعل انتصار على إرادة الشعوب التي تتطلع إلى التحرر من العبودية وإلى مزيد من الحرية والكرامة، إذ إن النصر – وفقاً لمفهوم محور الممانعة – لا يتجلى بتحقيق منجز حضاري أو اقتصادي يعود بالخير للشعوب ويحقق لها مستوى جيدا من التنمية والرخاء، بل هو مزيد من إحكام قبضة التوحش على الشعوب بغية الاستمرار بالسيطرة على مقدراتها، فالانتصار إذاً يعني القدرة على الاستمرار في السلطة قبل أي معيار آخر.