الدعم الإيراني لنظام الأسد.. النبع الذي لا ينضب

2020.05.27 | 00:06 دمشق

80a799bbcf52d6ad21b4fb0b30950710549cc0bc.jpg
+A
حجم الخط
-A

لسنوات عديدة، لم تصل المناقشات الدائرة حول ما أنفقه النظام الإيراني لحماية النظام في سوريا من السقوط الحتمي إلى أي رقم محدد.

وخلال السنوات الماضية، لم تقم الحكومة الإيرانية أو البرلمان الإيراني أو أي مؤسسة تابعة للحرس الثوري الإيراني بنشر أي معلومات تفصيلية في هذا الصدد، لكن الشيء المؤكد هو أن فاتورة حماية نظام الأسد من السقوط كانت من أكثر مشاريع السياسة الخارجية تكلفةً بالنسبة للنظام الإيراني.

منذ اندلاع الثورة السورية السلمية في عام 2011 وحتى يومنا هذا، لم يتوان النظام الإيراني عن تقديم كافة أشكال الدعم اللازم للنظام في سوريا، ومع اشتعال الاحتجاجات الشعبية السلمية في سوريا ساهمت قوات الشرطة الإيرانية في قمعها، وذلك بأمر مباشر من قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس الإيراني.

وزير دفاع النظام في سوريا اعترف خلال زيارته الأخيرة لطهران للتعزية بمقتل قاسم سليماني بدور الأخير في قمع الاحتجاجات السورية السلمية، وتحدث عن التخطيط المشترك للعمليات مع القوات الإيرانية في منطقة حمص، في الوقت الذي لم يكن فيه وجود لأي فصيل عسكري مسلح داخل سوريا.

ووفقاً لتقرير نشرته وكالة أنباء فارس، بينما كانت قوات الشرطة السورية تفتقر للإمكانات والتجهيزات الكافية، قدمت قوات الشرطة الإيرانية لها التجهيزات والوسائل اللازمة لمواجهة ما وصفته بأعمال الشغب.

رغم أن العديد من المسؤولين الإيرانيين يتجنبون التحدث حول حجم ما أنفقته إيران في سوريا، فإن التخمينات حول حجم الخط الائتماني الإيراني المفتوح، سواءً كان الدعم العسكري أو الاقتصادي أو النفطي أو (الثقافي).... المقدم للنظام السوري، ليست قليلةً أبداً.

فلاحت بيشه قدم رقماً محدداً (ما بين 20-30 مليار دولار) حول التكاليف الإيرانية الباهظة في سوريا مؤخراً، إلا إن هذه التصريحات لا يمكن أن تعبر بطبيعة الحال عن حجم الدعم الإيراني الحقيقي لنظام الأسد

صحيح أن الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني فلاحت بيشه قدم رقماً محدداً (ما بين 20-30 مليار دولار) حول التكاليف الإيرانية الباهظة في سوريا مؤخراً، إلا إن هذه التصريحات لا يمكن أن تعبر بطبيعة الحال عن حجم الدعم الإيراني الحقيقي لنظام الأسد.

تصريحات فلاحت بيشه موجهة بشكل أساسي للاستهلاك الداخلي، وذلك عندما تحدث عن هذه الأموال هي "أموال الشعب الإيراني الذي يجب أن يعرف أين تنفق أمواله"، خاصة في ظل الضائقة والأزمات الاقتصادية التي يعيشها النظام الإيراني.

في المرتبة الثانية تأتي تصريحات فلاحت بيشه لتمنين النظام في سوريا بفضل إيران في بقائه حتى اليوم، ودفعه نحو تقديم المزيد من الامتيازات الاقتصادية لها في ظل تسلط روسيا على معظم الموارد والمشاريع الاقتصادية في البلاد.

هذه ليست التصريحات الأولى لفلاحت بيشه، ففي زيارة سابقة له لدمشق التقى رئيس وزراء النظام في آذار 2019، وقال أن نظام الأسد مدين لطهران وعليه السداد، مطالباً إياه بفتح موانئ طرطوس أمام سفن الشحن الإيرانية.

بطبيعة الحال، فإن قضية الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالتكاليف التي أنفقتها إيران في سوريا ليست مسألة حديثة أو لم يتم التطرق إليها أو تداولها سابقاً، ففي العام الماضي، تحدث براين هوك، المبعوث الأمريكي لإيران، عن أن إيران أنفقت 16 مليار دولار خلال الأعوام 2012 حتى 2018 ميلادي لدعم ميليشياتها في سوريا والعراق.

وهناك مصادر أخرى قدرت أن إيران أنفقت شهرياً 600 - 700 مليون شهرياً في سبيل إبقاء الأسد في سدة الحكم، حتى أن البعض قدر حجم الدعم العسكري والاقتصادي الإيراني المقدم للنظام السوري بـ 15 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 105 مليار دولار في المجموع.

بغض النظر عن صحة هذه الأرقام ومدى دقتها، لكن عندما يتحدث ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون السياسية عن أن "تحرير 80% من الأراضي السورية كان بدعم مباشر من إيران"، فإن استعادة هذه الأراضي لم تتم ببركة ودعوات المرشد الإيراني والملالي في حوزات قم، إنما تم بإنفاق إيران دولارات عديدة لاستعادة كل متر منها.

إيران اليوم ترعى وتدعم أكثر من 100 ألف مقاتل منضوين داخل ميليشيات متعددة الجنسيات في سوريا، فإذا حسبنا رواتب عناصر تلك الميليشيات فقط بمعدل 500 دولار شهرياً، سنحصل رقم يعادل 5.4 مليار دولار

إيران اليوم ترعى وتدعم أكثر من 100 ألف مقاتل منضوين داخل ميليشيات متعددة الجنسيات في سوريا، فإذا حسبنا رواتب عناصر تلك الميليشيات فقط بمعدل 500 دولار شهرياً (دون احتساب تعويضات القتلى والجرحى، وتكلفة تسليح وتذخير وإطعام مرتزقة الميليشيات، وأجور تنقلهم، وما إلى ذلك) سنحصل على رقم يعادل 5.4 مليار دولار أنفقته إيران خلال سنوات الثورة السورية التسع.

من ناحية أخرى، وفقاً لموقع "TankerTrackers"،  كانت إيران تشحن من مليون إلى ثلاثة ملايين برميل من النفط شهرياً إلى سوريا حتى نهاية عام 2018. (أي ما يعادل 8.4 مليار دولار باحتساب 50 دولار كسعر وسطي للبرميل).

بالإضافة للنفط، قدمت إيران مساعدات مالية ضخمة للبنك المركزي السوري لبيع الدولار من أجل الحد من سقوط قيمة العملة السورية.

إن الخط الائتماني الإيراني المفتوح للنظام السوري خلال سنوات الثورة السورية التسع كان وما زال يؤمن كل احتياجات الأسد، ويشبه إلى حد كبير النبع الذي لا ينضب، لكن بالنظر إلى عدم الشفافية في علاقات طهران - دمشق، فإن تقدير حجم التكاليف الاقتصادية والعسكرية الإيرانية في سوريا بشكل دقيق غير ممكن.

في الحقيقة، لقد حول قادة النظام الإيراني الخزائن الحكومية التي تسلط عليها المرشد الأعلى والحرس الثوري، إلى أشبه بمحل بقالة على رأس الشارع، ينفقون منها ما يريدون لدعم نظام أسد وميليشياتهم في المنطقة، دون وضع أي اعتبار لأصحاب تلك الأموال التي يعيش غالبيتهم اليوم تحت خط الفقر، والذين تحدث عنهم فلاحت بيشه نفسه أنه يجب أن يعلموا أين تنفق أموالهم!.