الحلول متأخرة

2023.04.02 | 06:14 دمشق

الحلول متأخرة
+A
حجم الخط
-A

بعد تغول النظام الرأسمالي عالميا وتحول المال إلى محرك الحياة الأول وأحيانا الأخير وبعد الثورات المضادة التي انتزعت أحلام كثير من الشعوب العربية ومع خراب العمران بسبب الظلم، تحولت دول الشام كما غيرها لدول أطراف تنظر وتنتظر تصرفات "دول المركز" التي تملك المال والاستقرار والحضور السياسي الجدي في المنطقة والعالم لتعرف ما هو مصيرها ومصير الصراعات الدائرة على أرضها. لذلك، تحولت الأنظار مؤخرا إلى الاتفاق السعودي-الإيراني ونتائجه المحتملة في سوريا وباقي الدول.

في الوقت نفسه وفي أثناء محاولات تحليل تبعات الاتفاق زار الأسد موسكو وأوغلو مصر وشمخاني الإمارات واعتادت المسامع على زيارات الوفود العربية لدمشق وتعاظم الحديث عن حوار أسدي-سعودي كما تحول مرشح حزب الله لرئاسة جمهورية لبنان الوزير السابق سليمان فرنجية إلى المرشح الرقم واحد في لبنان تحت ظل كل هذه المعطيات وغيرها.

المشهد الإقليمي الذي بدا متسارعا بقيت فيه واشنطن بعيدة وهي اللاعب الأهم كانت ولازالت ومراقبة حركتها هي الأساس لتحديد مسارات المنطقة الرئيسية

قرأ فرنجية أن الأسد لم يعد "منقصة" في المنطقة وبعد أن كان يزوره سرا وبدون وفد زاره مؤخرا بزيارة أقل سرية من العادة، وبوفد كبير ليؤكد على عمق العلاقة معه ولشعوره بأن العلاقة هذه ربما تحولت لعامل مساعد في ملف الرئاسة اللبنانية المنتظر.

تحت ظل هذا المشهد أتت زيارة فرنجية إلى باريس والتي غمز مقربون من فرنجية إلى أنها قد تكون زيارة اللمسات الأخيرة للرئيس القادم.

لكن الحقيقة تبدو أنها في مكان مختلف. فالمشهد الإقليمي الذي بدا متسارعا بقيت فيه واشنطن بعيدة وهي اللاعب الأهم كانت ولازالت ومراقبة حركتها هي الأساس لتحديد مسارات المنطقة الرئيسية.

في إجابة عن توجهات واشنطن في اللحظة الراهنة يمكن تلمس بعض المشاهد، على سبيل المثال لمعرفة مدى جدية اقتراب الحل. أول المشاهد هو القصف المتبادل العنيف في شمالي شرق سوريا بين واشنطن وإيران مع نهاية الشهر المنصرم وهما اللاعبان الأبرز في المنطقة.

في الفترة الزمنية نفسها، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة على 6 أشخاص مقربين من الأسد، وهذه المرة على خلفية ملف إنتاج الكبتاغون أو تصديره. من بين الشخصيات التي فرضت عليها العقوبات سامر كمال الأسد ابن عم الرئيس السوري بشار الأسد، وخالد قدور أهم المقربين من ماهر الأسد. كما أن من بينهم نوح زعيتر زعيم عشيرة آل زعيتر من كبرى العشائر الموالية لحزب الله في لبنان. أما على صعيد استحقاق الرئاسة اللبنانية فمن غير الواضح وجود أي تغيير في مواقف اللاعبين حتى الآن.

إذا أضفنا لهذا المشهد مرتكزا رئيسيا وهو كون الحلول في المنطقة تحتاج لاتفاق إيراني-أميركي نستنتج بأن هذه الحلول بكليتها، وفي سوريا ولبنان كانعكاس، لم تنضج بعد ولا نزال في مرحلة التصعيد التي تسبق عادة الاتفاقات.

في الوقت نفسه، أجرت مستشارة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى "باربرا ليف" جولة على دول المنطقة بما يشمل لبنان، مصر، الأردن وتونس ما يؤشر على أن المنطقة تحت المجهر الأميركي وغير متروكة.

إذا، ومع تأكيدنا بأن الحلول في المنطقة لم تنضج بعد، يتضح بأن هذا لا يعني بأن المنطقة مهملة من قبل واشنطن وباقي الدول المقررة، بل هي ملفات على طاولة البحث دون الوصول إلى خلاصات أو اتفاقات حتى الآن.

يقول وزراء الحكومة الحالية بأن إدارات الدولة لا تتحمل أكثر من شهر إلا فمصيرها التحلل التام وبالتالي عدم القدرة على توفير الخدمات بشكل كامل

تأكيدا على هذه الرؤية، تبدو الأخبار الواردة من فرنسا غير سارة لفرنجية فقد أخبر بأنه يحتاج لتقديم ضمانات للخليج ومن غير المتوقع أن يقبل الخليج حتى بهذه الضمانات، وبالتالي في حال فشلت الضمانات في التأثير على القرار السعودي الرافض لفرنجية فإنه سيكون قد خسر "آخر طلقاته" وبالتالي تفيد النصيحة الفرنسية الموجهة لفرنجية بأن يفقد الأمل حينذاك ويذهب إلى الخيار رقم اثنين، وهو المساهمة بصناعة رئيس الجمهورية بدلا من المواجهة الخاسرة التي يمكن أن يدخل بها.

بانتظار الحلول المتأخرة، لبنان مهدد بالتحلل بشكل كامل. فبعد أن سُحقت سوريا في سنوات ماضية، يقول وزراء الحكومة الحالية بأن إدارات الدولة لا تتحمل أكثر من شهر إلا فمصيرها التحلل التام وبالتالي عدم القدرة على توفير الخدمات بشكل كامل كما يعني ذلك قذف موظفي القطاع العام نحو الهاوية.

هذا الواقع المأزوم يتمظهر في أشكال مختلفة منها مظاهرات العسكريين المتقاعدين وغيرهم ومنها "أزمة الساعة" التي عمقت شعور الخطر الذي يمر به المسيحيون في لبنان، فقد ظهر بشكل جلي بأنهم أقرب اليوم إلى النزعات الانفصالية وبأنهم مستعدون لذلك وقد كانت مسألة سخيفة كالتحول نحو "التوقيت الصيفي" "بروفا" لا أكثر وللقارئ أن يتخيل ماذا سيحدث إن استمرت الأمور على حالها، وازداد الضغط وصادف لبنان حدث أكبر من مسألة التوقيت!

تأخر الحلول بالنسبة للبنان خطر شديد ومنذر بالتحلل التام والتقسيم. الحلول في لبنان قادمة، ولكن الوقت ليس تفصيلا وهو ما لا يدركه اللاعبون اللبنانيون بسبب مصالحهم الشخصية وجشعهم و"العترة على الفقير".