الحكومة الإسرائيلية تتأرجح قبيل سقوطها

2022.05.23 | 06:26 دمشق

d92d1927ca64e87b64292c7aa075ef37.jpg
+A
حجم الخط
-A

شكلت الاستقالات المتلاحقة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي فرصة مناسبة للحديث عن اقترابه من مرحلة السقوط، الذي يبدو أنه لا مفر منه، مما يمثل فرصة ذهبية لزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو للعودة مجددا إلى السلطة في حال نجح باستدراج مزيد من أعضاء الائتلاف لتقديم استقالاتهم، وانسحابهم من الحكومة.

مع العلم أن إعلان انسحاب عضو الكنيست غيداء ريناوي الزعبي من الائتلاف، وهي من حزب ميرتس اليساري، الذي يشكل عنصرا محوريا في الحكومة، أدى إلى اضطراب سياسي دراماتيكي، قد يأخذ إسرائيل إلى صناديق الاقتراع، بعد تزايد الاعترافات الإسرائيلية، ومنها تلك الصادرة عن المسؤولين الحكوميين بأن سقوط الحكومة أصبح حتمياً، لأنها وصلت إلى نقطة اللا عودة، وحكمت عليها الاستقالات الأخيرة بـ"الموت المؤكد" الذي قد يكون في غضون أيام إلى أسبوعين، رغم أن أوساط الحكومة ذاتها تحاول ممارسة ضغوط على الزعبي بوصفها الشخص الذي سيعيد نتنياهو إلى السلطة، وهي رغبة واضحة من قبل الائتلاف لـ"ابتزاز" الزعبي، في محاولة أخيرة لإعادتها إلى الحكومة.

في المقابل، فقد شكلت استقالة الزعبي محط ترحيب من قبل أوساط عربية داخل الكنيست، خاصة من القائمة المشتركة، حيث هنؤوها على مغادرة الحكومة، وربما يطالبونها بإكمال الخطوة، والتصويت لصالح حل الكنيست، الأمر الذي يعني بداية النهاية للحكومة الحالية.

في الوقت ذاته، هناك احتمال بأن تعود الزعبي إلى الائتلاف، وإن كان احتمالا ضئيلا، لكن استقالتها سيبقى لها تأثير الصدمة، لأنها شكلت عملياً إشعاراً منها بأن القصة انتهت، وأن الانتخابات المبكرة وشيكة، رغم أن الائتلاف يحاول أن يبث تفاؤلا مبالغا فيه، ومفاده أنه لا يزال قادرا على العمل والبقاء، في حين أن التقديرات كلها تؤكد أن هذه الحكومة لن تعيش طويلا، على اعتبار أنها تعيش مرحلة ما تسمى بـ"شركة تحت التصفية" وفق توصيف الإسرائيليين.

هناك نقطة لافتة تتعلق باستقالة الزعبي، بجانب احتجاجاتها على أداء الحكومة الأخير في أحداث المسجد الأقصى، والاعتداء على جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وتتمثل في تهميش الحكومة للوسط العربي بين فلسطينيي48

صحيح أن نتنياهو هو الأكثر استفادة من هذه التطورات المتلاحقة، وهو الذي يبذل جهودا مستميتة لإيصال الحكومة الحالية إلى وضعها المتدهور الحالي، لكن في الوقت ذاته فإن تحضيراته لليوم التالي لسقوطها كلياً قد تستغرق وقتاً إضافياً، وفي هذه الحالة من المحتمل أن يطيل عمر الحكومة لفترة أطول قليلاً، على عكس رغبته، مما يضع تحديات متراكمة على الحكومة في محاولاتها لإيجاد طريقة لحل هذه المعضلات الناشئة، في ضوء القناعة السائدة بأن مرور الوقت سيضع مزيدا من الصعوبات عليها في المناورة.

هناك نقطة لافتة تتعلق باستقالة الزعبي، بجانب احتجاجاتها على أداء الحكومة الأخير في أحداث المسجد الأقصى، والاعتداء على جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وتتمثل في تهميش الحكومة للوسط العربي بين فلسطينيي48، وإهمالها لكل المطالب التي تقدمت بها لمزيد من الاهتمام والعناية بأوضاعهم، دون جدوى، واليوم فإن الوعود المقدمة لها كي تثنيها عن استقالتها لا تستطيع الاعتماد عليها، لأنه من غير المعروف إلى متى سيبقى التحالف قائماً، مما يجعلها تعتقد أنها اتخذت الخطوة الصحيحة، وعادت إلى أحضان المجتمع العربي.

مع العلم أنه بعد تقاعد رئيسة الائتلاف عيديت سيلمان، من حزب يمينا الذي يترأسه رئيس الحكومة نفتالي بينيت، حاول الائتلاف تشديد صفوفه، لكن استقالة الزعبي أكدت أنه لم يعد هناك أغلبية للحكومة الحالية في الكنيست، وليس لها شرعية في الجمهور الإسرائيلي، ما يعني أن مسودة مشروع قانون حل الكنيست جاهزة، لكن اليمين الإسرائيلي يفكر مرة أخرى فيما إذا كان الأمر يستحق حل الكنيست حقًا، في ضوء أنه في الكنيست الحالية توجد أغلبية مطلقة من أعضاء الأحزاب اليمينية، بشكل أو بآخر، وليس هناك من سبب لعدم تشكيل حكومة يمينية الآن.

اليوم، وبعد هذه التطورات المحيطة بالتحالف الحكومي، يمكن الحديث عن أهم السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحكومة، أولها حل الكنيست، بحيث سيرفع حزب الليكود مشروع القانون لحل الكنيست، وإذا نجحت المعارضة في حشد الأغلبية للاقتراح، فسيتم حل البرلمان من الناحية الفعلية، على أن تجرى الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر، وفي هذه الحالة، فإن من سيكون رئيس وزراء المرحلة الانتقالية هو يائير لابيد وزير الخارجية، وفق اتفاق الائتلاف الموقع بين حزبي يمينا ويوجد مستقبل، الذي ينص أيضا على رئاسة دورية للحكومة بين بينيت ولابيد، لكن ذلك قد لا يتحقق لأن موعد تسلّم الأخير رئاسة الحكومة سيكون في نوفمبر 2023.

السيناريو الثاني يتمثل في استمرار الحكومة القائمة، ولكن بكثير من التقلبات وعدم الاستقرار، خاصة في حال أن المعارضة لن ترفع مشروع قانون حل الكنيست خوفًا من عدم تمريره، أو إمكانية أن تخسر التصويت، وبالتالي ستستمر في العمل كحكومة أقلية تقريبًا، مع صعوبة كبيرة في تمرير القوانين في الكنيست، وإذا تحقق هذا السيناريو، فسيكون التحدي التالي للائتلاف هو تمرير الميزانية السنوية لعام 2023، على أمل الحصول على أغلبية بسيطة ستكفي لتمريرها، لكنها في الوقت ذاته لن تضمن عدم التعامل مع مزيد من المنشقين الذين قد يظهرون لاحقًا.

السيناريو الثالث ومفاده تشكيل حكومة بديلة في الكنيست الحالية، رغم أننا أمام السيناريو الأقل احتمالًا من باقي السيناريوهات، لكنه لا يزال ممكنًا على الورق، ويتمثل بتشكيل حكومة جديدة من داخل الكنيست الحالية، وفي هذه الحالة من الضروري تمرير تصويت بحجب الثقة عن الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة بديلة، يرجح أن تكون يمينية برئاسة نتنياهو، بمعنى إذا حصل على 61 مؤيدًا من أعضاء من اليمين فسيكون بإمكانه تشكيل حكومة أخرى، لكن في الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك فرصة حقيقية لهذا الاحتمال.

ومع أن أوساط اليمين الإسرائيلي لا ترى داعيا للانتخابات المبكرة، فهي تعتقد أنه قادر على تشكيل ائتلاف يحصل على الأغلبية الواضحة التي يتمتع بها في الكنيست الحالية، وبقيادة نتنياهو، رغم وجود أصوات من اليمين، معظمها من يمين الوسط، تشير بأصابع الاتهام إليه، وتطالبه بمغادرة الساحة السياسية، وتمهيد الطريق لزعيم يميني آخر يمكنه تشكيل حكومة يمينية، بسبب معارضة معظم أحزاب اليمين في حكومة بينيت لترؤسه لحكومة بديلة، لا سيما حزبي "يسرائيل بيتنا وأمل جديد".

يتذرع اليمين الإسرائيلي بالحديث عن تشكيل حكومة بديلة من خلال أعضاء الكنيست الحاليين الذي يستطيعون توفير شبكة أمان برلمانية مريحة، دون الحاجة لإجراء انتخابات مبكرة

في مثل هذه الحالة، ترى محافل يمينية نافذة أنه حان الوقت لتوجيه الضغط على الشخصيات اليمينية الكبرى، مثل نفتالي بينيت رئيس الحكومة الحالية، وجدعون ساعر وزير القضاء، وأفيغدور ليبرمان وزير المالية، ومطالبتهم بتحمل المسؤولية حتى لا تنحدر إسرائيل إلى حالة من الفوضى السياسية، ومطالبتهم بالانضمام إلى حكومة يمينية واسعة، بحيث يمكن للوزراء اليمينيين أنفسِهم الاستمرار في العمل بوزاراتهم، وقد يحصل بينيت ذاته على منصب وزير الحرب، أما باقي الوزراء فسيكونون قادرين على الاندماج في حكومة يمينية أكثر من الحكومة الحالية.

يتذرع اليمين الإسرائيلي بالحديث عن تشكيل حكومة بديلة من خلال أعضاء الكنيست الحاليين الذي يستطيعون توفير شبكة أمان برلمانية مريحة، من دون الحاجة لإجراء انتخابات مبكرة، بأن لديه جملة من الدوافع والمبررات التي تدفعه لعدم الشروع في هذه الانتخابات، واستبدالها بتشكيل حكومة يمينية سريعة بديلة للحكومة القائمة، بسبب وجود الكثير من التحديات التي تنتظرها، أهمها الوضع الأمني ​​المتدهور بعد سلسلة العمليات الفدائية الفلسطينية، والتضخم الاقتصادي، وانزلاق العالم إلى الاضطرابات الاقتصادية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتطور القضية النووية الإيرانية، وارتفاع أسعار المساكن، وغير ذلك من المشكلات الأمنية والسياسية والاقتصادية.