الحزب الجمهوري وأزمة كورونا في أميركا

2020.07.16 | 00:02 دمشق

2020-07-13t000000z_516323552_rc2esh9qfh0g_rtrmadp_3_health-coronavirus-trump.jpg
+A
حجم الخط
-A

الحزب الجمهوري في نسخته الحديثة ولد على يد الرئيس الأميركي لينكولن الذي يعتبر بنظر معظم الأميركيين من أعظم ثلاث رؤساء مروا على تاريخ الولايات المتحدة وهو صاحب المقولة الشهيرة أن "هذا البلد لا يحكم إلا من الوسط" ولذلك كان أعداؤه ينتقدونه باستمرار أنه ثوري لكن كان يصر أنه إنما يريد العودة بأميركا إلى ما كانت عليه في عهد الآباء المؤسسين، الطريف في الأمر اليوم أن ينتهي هذا الحزب الجمهوري بسبب عدم احترام أتباعه لحكمة مؤسسه الأول.

لقد شكل وصول ترامب إلى البيت الأبيض مشكلة كبيرة للحزب الجمهوري، فترامب في الحقيقة لا يمثل القيم التقليدية التي يدافع عنها الحزب مثل تخفيف الحكومة وتخفيض الضرائب والأولوية للسياسة الخارجية والدفاع الوطني وإن كان قد طبق بعضا منها مثل تخفيض الضرائب في السنة الثانية خلال وجوده في البيت ألأبيض، لكن بقي ترامب يمثل تيارا يمينيا داخل الحزب وانعطف به أكثر وأكثر خاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة والحدود بحيث أصبح معها من الصعب أن يعيد تمركزه في الوسط كما رغب مؤسسه الأول لينكولن.

اليوم وبعد أزمة كورونا التي ضربت الولايات المتحدة بقوة حيث فاق عدد الضحايا 135 ألف ضحية خلال فترة أقل من ستة أشهر وهي أعلى عدد وفيات بالعالم، وللأسف لا تظهر كل المؤشرات الوبائية على انخفاض في عدد الحالات بل العكس شهدنا زيادة كبيرة في عدد الحالات خاصة في فلوريدا وتكساس، فإذا قرأنا الآن الوباء سياسيا وحزبيا فمع بداية الوباء كان يسيطر على ولايات ديمقراطية خاصة نيويورك وكاليفورنيا اللتين أظهرتا صعودا لحاكمي الولايتيين على الصعيد الوطني بقدرتهما على قراءة المؤشرات بشكل جيد واتخاذ القرارات المناسبة، أما اليوم فارتفاع الحالات كان في الولايات الحمراء التي يسيطر عليها الجمهوريون مثل تكساس وفلوريدا التي أظهر فيها حاكم فلوريدا استخفافا بالفيروس من البداية وقام بتصريحات شبيهة بتصريحات ترامب وضعه في دائرة الضوء واثار السؤال مجدداً لماذا انتهت قيادة الحزب الجمهوري إلى قيادة شعبوية غير قادرة على التصالح مع العلم خاصة فيما يتعلق بارتداء الكمامات وتحولت الكمامة إلى رمز سياسي لقمع الحكومة لمواطنيها.

 بالرغم من أن نظام الثنائية الحزبية يبدو الأقدم في الولايات المتحدة والأكثر رسوخا ومؤسساتية إلا أن تاريخ الأحزاب في الولايات المتحدة يشهد تعددا وتنوعا اختلف عبر الأجيال، ولذلك فاندثار أحد الأحزاب التاريخية ليس مستبعداً بالمطلق وإنما يعتمد على مدى قدرته على التعبير عن مصالح أفراده ومؤسساته المختلفة.

لقد شكل وصول ترامب إلى البيت الأبيض مشكلة كبيرة للحزب الجمهوري، فترامب في الحقيقة لا يمثل القيم التقليدية التي يدافع عنها الحزب

المشكلة اليوم في الحزب الجمهوري أنه فقد ما يسمى Center  أو المركز أو البعض يستخدم تعبير Mean Stream  يعني التيار الرئيسي داخله، فصحيح أن الأحزاب في الولايات المتحدة يطلق عليها اصطلاحا أحزاب لكنها في الحقيقة أقرب إلى ائتلاف حزبي Coalition فكلا الحزبين يعبران عن تحالف طبقي اجتماعي واقتصادي وسياسي يضم إثنيات وأقليات أميركية مختلفة يجمعها فقط تعبير الحزب عن مصالحها لأنها تعرف تماما أن وجودها منفردا لن يضمن مصالحها في هذه القارة الشاسعة التي تضم خمسين ولاية وتمتد على مدى آلاف الأميال ، وبالتالي لا بد لها ولأسباب ذرائعية محضة أن تدخل في تحالف حزبي يعبر عن الحد الأدنى من المصالح التي ترغب بها، فمثلا الحزب الديمقراطي أصبح يضم ممثلي الطبقة الوسطى والجامعيين من حملة الشهادات واليسار الليبرالي بالمعنى الأميركي  والأقليات الإثنية ولا سيما القادمين من أميركا اللاتينية وبشكل أقل السود والمدافعين عن حقوق المثليين وحقوق البيئة وغيرهم أما الحزب الجمهوري فبات يضم الملاك وأصحاب العقارات والمحافظين والمتدينين على اختلاف أديانهم لكن الإنجلكيين منهم بشكل خاص ومعارضي الإجهاض وحقوق المثليين وغيرهم ، وكما نجد أن هناك ائتلافا عريضا يضم كل حزب فإن ما يدفعهم للدخول في هذا الائتلاف هو رغبتهم في هزيمة الطرف الآخر ذو الائتلاف الواسع ولتحقيق ذلك لا بد من ائتلاف واسع أيضا قادر على هزيمة الطرف الآخر.

ما جرى عبر التاريخ أن كلا الائتلافين المسميين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على قيادته أن تبحث عن النقطة الوسط أو المركز كي تتمكن من الحفاظ على الائتلاف أولاً ومن ثم كي تتمكن من تحقيق النصر واستلام الكونغرس وبشكل أهم البيت الأبيض، ولذلك يخوض الحزبان معركة طويلة كل أربع سنوات خلال ما يسمى مرحلة الانتخابات التمهيدية أو الأولية لاختيار هذه القيادة الوسط وبالتالي غالبا ما يجري استبعاد الأصوات القصوى لصالح صوت المركز أو الصوت الوسط وهو ما يجري اليوم داخل الحزب الديمقراطي على سبيل المثال إذ من الصعب أن ينجح مرشح كساندرز الذي يحمل كثيرا من الأفكار الاشتراكية وستميل الكفة بكل تأكيد إلى كلينتون التي تمثل التعبير الأوضح لحزبها الديمقراطي في المركز الوسط.

المشكلة اليوم في الحزب الجمهوري أنه فقد مركزه تماما وائتلافه بدا متصدعا للغاية وغير قادر على تمييز الوسط ، فهناك داخل الحزب ما يسميه Volatility آخذا من علماء الاقتصاد وتعني التذرر وأعتقد أن الظواهر الثلاث التي شهدها الحزب في العشر السنوات الأخيرة هي تعبير واضح عن هذا التذرر الكبير،  و ظهور دونالد ترامب ليقود الحزب في مرحلته النهائية في الصراع داخل فئاته وكي يتم تطهير الحزب مما بقي من أقليات داخله خاصة بالنسبة للقادمين من أميركا اللاتينية والمسلمين والسود وغيرهم، وبالتالي فقد الحزب قدرته على تمييز الوسط وبالتالي يكاد ائتلاف الفئات داخله عرضة للانفصام والتفتت وهو ما نجده تماما في التعبير عن تصريحات ترامب التي تزداد عنصرية وهو ما يعني اليمين المحافظ في حالة الحزب الجمهوري وهو ما سيعني بشكل آلي خسارته على المستوى الوطني أمام منافسه في الحزب الديمقراطي فلا قدرة على حزب فئوي في الولايات المتحدة على هزيمة ائتلاف حزبي واسع الانتشار على مستوى وامتداد الولايات المتحدة.

ربما يستطيع الحزب الجمهوري الاحتفاظ بمواقع حكام بعض الولايات أو الاحتفاظ بتمثيل بعض الولايات على مستوى الكونغرس بغرفتيه مجلس الممثلين ومجلس الشيوخ، لكنه حتماً لن يستطيع الوصول إلى البيت الأبيض في الانتخابات القادمة.