الحرب والنساء

2022.08.16 | 06:36 دمشق

الحرب والنساء
+A
حجم الخط
-A

ربما كانت الحرب هي الميدان الوحيد الذي استبعدت فيه المرأة بشكلٍ صارم، ومجمع عليه بين أمم وإثنيات وديانات وحقب تاريخية في غاية  التباين، ففي مراجعة سريعة لتاريخ الحروب التي لم تتوقف منذ فجر التاريخ، سنجد أن المرأة كانت في معزل عن خوض غمار الحروب في الشطر الأكبر من الخريطة الزمنية والمكانية، وربما كانت هناك بعض استثناءات في التاريخ البشري، لكنها لا تشكل نسبةً ذات بالٍ في هذا المضمار.

وليس هذا انتقاصا من قدر المرأة، أو تقريراً لما يمكن أن تفعله أو تجتنبه أو تقدر عليه، بل هو مقاربة لمشهد تاريخي يمتد على رقعةٍ من آلاف السنين، كانت المرأة وما تزال فيها بعيدةً كل البعد عن لعب هذا الدور، وإن بعض الاستثناءات لا يغير من حقيقة المشهد إن ميدان الحرب كان في الغالبية الساحقة من الأزمنة المنصرمة حكراً على الرجال.

لم يسجل التاريخ القديم نسبةً تجاوزت فيها مشاركة المرأة بالحروب، أكثر من واحد بالمئة في أحسن الظروف

هل احتكر الرجل الحرب وأقصى عنها المرأة قسراً؟ أم أن التكوين الفيزيولوجي للمرأة يجعلها بمنأى عن هذا الميدان العنيف بتلقائية طبيعية، أم هو التكوين النفسي والطبيعة الهرمونية هي من تفعل هذا؟ مدارس عدة تناولت الموضوع لكن بدون أن تقدم لنا جواباً شافياً يحسم الأمر، والحديث هنا عن دور المرأة في الحرب المباشرة بصفتها مقاتلة، ولو أن الأمر اليوم تطور بتطور التقنيات الحديثة، فأصبحت الحرب تدار من حجرات مكيفة ومحصنة تحصيناً كاملاً، وعبر بضع أزرار ومقابس إلكترونية، وشاشات تكشف المعركة بأدق تفاصيلها، هذا التحول الجديد خرج بالموضوع عن دائرة البحث، الذي يتحدث عن الحرب بصفتها فعلاً فيزيائياً يمارسه المحارب بقواه الجسدية والنفسية معاً.

لم يسجل التاريخ القديم نسبةً تجاوزت فيها مشاركة المرأة بالحروب، أكثر من واحد بالمئة في أحسن الظروف، مع أنهن قدمن دوراً مؤازراً كمعالجات وموفرات دعماً في المؤن والمعدات، لكن هذا لم يصل إلى مشاركتهن كمقاتلات، حتى في الجيوش الحديثة اليوم ومع التحول الحاد في طبيعة هذه الحروب، الأمر الذي يجعل من مشاركة المرأة أمراً ممكناً، وبالرغم من دفع العديد من الدول الحديثة لرفع مستوى مشاركة المرأة في الجيوش كمقاتلات، فإن نسبة مشاركتها لم تتجاوز الواحد بالمئة إلى يومنا هذا.

تذكر المصادر بالتفصيل، حول اقتصار مشاركة النساء الأستراليات  في الحرب العالمية الأولى والثانية، على تقديم الخدمات الطبية والتمريضية،  لم يكن هناك وجود للنساء في القوات المسلحة الكندية، باستثناء الممرضات، كما تطوع كثير من النساء وخدمن في مهمات غير عسكرية. قبل نهاية الحرب، معظمهن خدمن كممرضات.

يقدم بعضهم تفسيراً ذكورياً بيولوجياً، يعتمد على الاختلافات الهرمونية والتشريحية والإدراكية والجينية، بين الرجال والنساء، فالرجال أطول ب "8-10" بالمئة من النساء وأسرع منهن ب 10 بالمئة وأقوى منهن فيما يتعلق بالقسم العلوي ب 50 بالمئة، وجملة هذه العوامل تمنح امتيازاً نوعياً للذكور في ساحة الحرب، وربما شدد بعضهم على تأثير هرمون التستوستيرون الذي ينتجه جسد الرجل أكثر مما ينتجه جسد الأنثى بعشرين ضعفاً، ويعده بعض الباحثين العامل الحاسم في السلوكيات العنفية ومحفز مباشر لفعل العدوان، لكن الأبحاث الحديثة رجحت أن هذا الفارق إنما هو عامل مؤثر في التنافس الفردي والاستثارة الجنسية والنجاح الاجتماعي وحسب.

بينما يقدم آخرون تفسيراً ذكورياً اجتماعياً، يرى أن العلة تكمن في الفروق بين ميكانيزمات العلاقات في المجموعات الذكورية، ونظيراتها في المجموعات النسائية، وما يستلزمه العمل القتالي ضمن مجموعات، من تحلي بروح الخضوع والانضباط ومراعاة التسلسل الهرمي، الذي يقتضيه التنظيم العسكري وإدارة القتال، الأمر الذي لا تتمتع به المجموعات النسائية عامة.

يبقى في ميل الرجال الأصيل للعنف المتمايز، عما يوازيه في عالم النساء منحى له ما يؤيده من وقائع الحياة اليومية الكثيرة

لقد قدمت مجموعات النساء الطيارات في الجيش السوفييتي، وميليشيا النساء الجمهوريات في الحرب الأهلية الإسبانية، ونساء الجبهة الساندانية في نيكاراغوا، والمقاتلات الفيليبينيات الشيوعيات في حرب فيتنام، نماذج متقدمة في الكفاءة العسكرية وفي الامتثال العالي لمبادئ الترابط الاجتماعي لا تقل عن تلك التي يقوم بها الذكور.

لكن يبقى في ميل الرجال الأصيل للعنف المتمايز، عما يوازيه في عالم النساء منحى له ما يؤيده من وقائع الحياة اليومية الكثيرة، وفي مقدمتها على سبيل الشيوع العنف الذي يصدر عن الرجال تجاه النساء، والذي لا نجد ما يناظره من النساء تجاه الرجال، إلا في حالات عالية الندرة، فالضرب والاعتداء والاغتصاب والتحرش سمات ذكورية بامتياز، وإن هذبها النزوع للتحضر وشيوع القوانين التي تحاربها وتحد منها، لكنها لم تستطع إلى اليوم إلغاءها بالقدر المأمول، وهذا ما يجعل الذكور أكثر قرباً من عوالم الحرب.

كما يقدم باحثون مدى تأثير التنشئة الاجتماعية والثقافية، تفسيراً يسهل نقده، فقد تباينت اتجاهات أمم وأقوام عبر أزمنة طويلة من قضايا كثيرة تخص المرأة، لكنها اتفقت في موقع المرأة من الحرب، الأمر الذي يثير الريبة في معظم التفسيرات المطروحة، ففي قضايا الدين والتدين كان للمرأة مواقع شديدة الاختلاف بدءا من وضعها كآلهة عند بعض الشعوب، وصولاً لحجبها عن الدين لكونها كائنا ناقصاً وغير مؤهل لحمل الأسرار عند شعوب أخرى، كذلك تباين الأمم في العلاقة مع هذه الأنثى من حصرها لرجل واحد طيلة حياتها وإشاعتها لدى أقوام أخرى، مروراً بتدرجات غاية في التنوع والغرابة، وهكذا فإن الديانات والتنشئة الاجتماعية والثقافات والعادات والسيرورة التاريخية، قدمت أنماطا شديدة الاختلاف في موقفها من المرأة، لكنها تكاد تجمع على تنحيتها عن ميدان الحروب، ربما لا يكفي أي تعليل منفرد لتعليل الظاهرة، وربما ساهمت جميعها بمقادير مختلفة في ترسيخها على هذا النحو.

كلمات مفتاحية