الحرب الأوكرانية وخطة السلام الصينية

2023.03.19 | 05:56 دمشق

الحرب الأوكرانية وخطة السلام الصينية
+A
حجم الخط
-A

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية بل عملية بوتين الخاصة (الخاطفة) عامها الثاني مع كل ما تحمله ولا تزال من سلبيات على الصعيد العالمي، وخراب وويلات للشعب الأوكراني والمنطقة، يأتي هذا دون أن تلوح في الأفق أي آمال أو مساع جدية لوقفها وإيقاف نزيفها، وبالنظر للعديد من المعطيات والأسباب التي يأتي على رأسها استمرارية غرق الروس في المستنقع الأوكراني وتكبدهم كل هذا الكم من "الخسائر الفادحة" على العديد من الجبهات الأوكرانية دون القدرة على إحراز أي اختراقات نوعية كبيرة تُذْكَرْ قد تجبر معها كييف ربما على الرضوخ للشروط الروسية والجلوس إلى طاولة المفاوضات ، في المقابل يأتينا كل هذا "الدعم المادي والعسكري اللامحدود الذي تتلقاه كييف من واشنطن والغرب" هذا الدعم الذي تجلى بالعمل الدائم وغير المسبوق في تزويد القوات الأوكرانية بكافة متطلبات الاستمرارية والصمود في المعارك من عتاد وأنظمة قتالية حديثة وذخائر وأسلحة وصواريخ متنوعة، كل هذا مجتمعا ربما ينبئنا بشكل لا يقبل الشك باستحالة أن تحقق هذه الحرب وأقلها في المدى المنظور كافة النتائج والأهداف المرجوة والمرسومة التي تطمح لها موسكو والتي حددتها قيادتها السياسية والعسكرية منذ بدايات هذه العملية.

مما لاشك فيه أن محاولة كلا الطرفين إعلاء كعبه، وتقوية مواقفه من خلال تحقيق مكاسب ميدانية أكثر على الأرض، إضافة لتعنتهما وتمسكهما بشكل أو بآخر بشروطهما المسبقة قبل الجلوس إلى أي طاولة مفاوضات، والشروع ببدء محادثات السلام، وعليه وبغض النظر عن صوابية هذا التعنت أو عدمه، ولمن الأحقية بوضع الشروط فإن هذا الأمر بالتأكيد سيضع العراقيل ويعقد ويجهض أي محاولات ومبادرات لأطراف دولية قد تتصدى عاجلا أو آجلا لهذه المهمة، وبالتالي هذا يعني استمرار الطرفين في حربهما، والدخول من البوابة العريضة في صراع مفتوح طويل الأمد قد يجر إلى دائرة محرقته أطرافًا دولية أخرى وينذر بحرب عالمية قد تستخدم فيها كافة الأسلحة المحرمة والمحظورة.

دخلت بيجين أخيرا دبلوماسيا على الخط وذلك من خلال تقديم وعرض مبادرة لتسوية النزاع بصورة سلمية

المبادرة الصينية ودلالاتها:

مع دخول الحرب عامها الثاني فالصين تعتبر شريكاً استراتيجيا هاما لروسيا على صعد عدة، وعليه فقد دخلت بيجين أخيرا دبلوماسيا على الخط وذلك من خلال تقديم وعرض مبادرة لتسوية النزاع بصورة سلمية، يأتي هذا بعد أن أعلنت الحكومة الصينية قبل أيام عدة مقترحا لاستئناف مفاوضات السلام بين موسكو وكييف، حيث أكدت بيجين أن من شأن هذا الإعلان أن يوقف جولات هذه الحرب إن حظي برضا الأطراف وموافقة ودعم دوليين، من جهة ثانية فقد أكدت وزارة الخارجية الصينية في وثيقة صادرة عنها أنه "ينبغي على جميع الأطراف تقديم الدعم لروسيا وأوكرانيا للتحرك في نفس الاتجاه واستئناف الحوار المباشر بينهما في أسرع وقت ممكن".

يتألف المقترح الصيني المقدم من 12 بندا، دعت من خلاله بيجين أطراف النزاع للالتزام الأكيد والصارم بالقانون الدولي الإنساني، وعدم العمل على استهداف المدنيين والمنشآت المدنية والبنى التحتية، أو التهديد باستخدام السلاح النووي والتلويح به، كما شددت البنود على ضرورة احترام سيادة كافة الدول على أراضيها، وتطبيق القانون الدولي بشكل كامل وموحد، والتخلي عن المعايير المزدوجة في التعاطي مع الأحداث والمتغيرات الدولية، كما أشارت إلى أهمية "نبذ عقلية الحرب الباردة" واحترام المصالح المشروعة والمخاوف الأمنية لجميع البلدان ومعالجتها بالطرق المشروعة وبالشكل المناسب.

كما تضمن المقترح أيضا دعوة المجتمع الدولي إلى إنهاء العقوبات المفروضة على موسكو، والعمل على فتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين في مناطق القتال، أما عن موقفها من الحرب، فقد أكدت بيجين أنها تقف على الحياد وأن اتهام واشنطن لها بأنها تعتزم تزويد موسكو بالأسلحة إنما هو ادعاءات سلبية ملفقة هدفها تشويه صورتها أمام العالم، متهمة بالمقابل واشنطن والغرب بإثارة الصراع وتغذيته و"تأجيجه" وذلك من خلال الوقوف بكل ما أوتوا من قوة إلى جانب كييف وتزويدها بكل هذا السيل من وسائل الصراع المتقدمة. كما شددت البنود على أهمية "نبذ عقلية الحرب الباردة" واحترام المصالح المشروعة والمخاوف الأمنية لكافة البلدان، ومعالجتها بالشكل المناسب والصورة الأمثل.

من حيث ردود الأفعال على المبادرة الصينية فقد سارعت دول عديدة، بينها ألمانيا وإيطاليا، إلى الترحيب بالمبادرة الصينية المقدمة، كما اعتبر الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي “أنه من المشجع والمفيد أن تفكر الصين في التوسط لإحلال السلام وإنهاء الحرب الظالمة على أوكرانيا“. وقال متابعا "كلما زاد عدد الدول لا سيما مجتمعات  الكبيرة منها وذات النفوذ العالمي، التي تفكر في كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا مع احترام سيادتنا بسلام عادل، اقترب أكثر وأكثر الوصول إلى ذلك".

القيادة الروسية من جهتها ثَمَنَتْ قيام الصين بدور أكثر نشاطا وحيوية ورحبت في جهودها لتسوية الصراع في أوكرانيا وأنها _أي موسكو _تقدر "نهج الصين وسلوكها المتوازن" في هذه الحرب. أما الخارجية الأمريكية فبدورها قالت إن واشنطن تعكف على دراسة وتقييم بنود خطة الصين المقدمة للسلام، ولكن وفي نفس الوقت فإن واشنطن تعتقد بأن بكين وسيط ليس نزيها، وخاصة في مواقفها من الحرب وتجاهلها بأن موسكو لجأت إلى غزو أراضي جارتها أوكرانيا وامتناعها حتى الآن عن إدانة ذلك.

عمليا فإن أي مبادرة لتسوية النزاع بين روسيا وأوكرانيا هي مبادرة وعملية صعبة جدا والسبب وكما قلنا سابقا تعنت الطرفين وتمسكهما العنيد بشروطهما فالكرملين من طرفه يريد أن تكون التسوية ووقف الحرب على أساس الاعتراف بضم الأقاليم الأربعة التي وصلت إليها الدبابات والمدافع الروسية (زباروجيا وخيرسون ودونيتسك ولوغانسك) إلى الاتحاد الروسي ناهيك عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو لأراضيها سابقا. أما كييف فتمانع وبشدة إجراء أي محادثات أو مفاوضات قبل تحرير أو انسحاب القوات الروسية من كامل الأراضي التي سيطرت عليها في غزوها بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وعليه فمن الواضح على أرض الميدان أن كلا الطرفين يحضر مع بدايات الربيع للقيام بعمليات هجومية يعزز فيها _رغم صعوبة ذلك_ من أوراقه التفاوضية ويفرض على الآخر شروطه الخاصة لإنهاء هذه الحرب.

الخطة والمبادرة الصينية للسلام وكما قال المستشار الألماني تفتقر إلى الإشارة والقول بوضوح بأنه يجب على القوات الروسية الانسحاب من أوكرانيا

ختاما... في الواقع فإن الصين قوة دولية متطورة وازنة، لا يمكن تجاهلها أو تجاهل دورها وثقلها العالمي على أصعدة كثيرة، كما أنها تملك الاهتمام الكبير من قبل الغرب وواشنطن، ناهيك عن تمتعها بالدور الريادي والقدرة الحقيقية والفعالة للتأثير على المواقف الروسية، وبالتالي هذا ما يتيح لها أكثر من غيرها رغم صعوبة المهمة القيام بدور الوسيط أو طرح المبادرات التي تهدف لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية والمفاوضات. ولكن في المقابل فإن الخطة والمبادرة الصينية للسلام وكما قال المستشار الألماني تفتقر إلى الإشارة والقول بوضوح بأنه يجب على القوات الروسية الانسحاب من أوكرانيا. وهذا بالذات بيت القصيد الذي تبحث عنه أوكرانيا وواشنطن والغرب، وهنا يأتينا السؤال الذي يبحث عن إجابة هل سيكون هذا الأمر والشرط الأهم هو الذي سيجهض المبادرة الصينية ويجعلها في مهب الرياح ..؟ ننتظر ونراقب ونرى.