الحراك المدني السوري

2020.06.17 | 10:42 دمشق

104568257_1517096078470004_4936279110494477141_o.jpg
+A
حجم الخط
-A

شهدت عدة مناطق سورية في الآونة الأخيرة تحركات مدنية بدأت في الجنوب في محافظتي السويداء ودرعا، وتلتها محافظتا دير الزور والحسكة، ومن ثم محافظتا حلب وإدلب. وذلك بعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية إلى حد لم يعد محمولا من طرف القطاع الأكبر من السوريين الذين بات 80 في المائة منهم تحت خط الفقر، وغير قادر على تأمين متطلباته اليومية المعاشية من خبز ومواد أولية. وتحرك الشارع بعد أن تدهورت الليرة وخسرت بين يوم وليلة 40 في المائة من قيمتها، الأمر الذي دفع بعض المناطق الخارجة عن سيطرة حكم الأسد في الشمال إلى التحول للتعامل بالليرة التركية مؤقتا كإجراء للحفاظ على القدرة الشرائية.

وما يميز الحراك في المناطق كافة في الجنوب والشمال والشرق أولا هو أنه مدني. وبدأ يتدرّج، ويكبر في الجنوب، ولكنه تلقّى قمعا في المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية الكردية في دير الزور والحسكة. وترشح التقديرات الوضع في المناطق الثلاث على أنه قابل للتطور أكثر فأكثر خلال الفترة المقبلة، تبعا لما يترتب على تطبيق قانون قيصر الذي من المقرر أن يستهدف النظام، ومن يتعاون معه.

القاسم المشترك بين الجهات الثلاث هو أنها ضد أي حراك مدني سلمي، ولن تتوانى في تخريب السلمية، وهذا الأسلوب سبق وأن جربه الأسد منذ بداية الثورة، ونجح فيه عندما أبعدها عن طابعها السلمي

الأمر الثاني هو أن الأسباب المباشرة للحراك اقتصادية، ولكن طبيعته وشعاراته وردود الفعل تجاهه سياسية. وهذا يعني أن السوريين الذين بلغ وضعهم الاقتصادي مستويات غير مسبوقة من السوء، ما عادوا يخافون من رفع الصوت عاليا، والقول لا مسموعة لأجهزة الأسد في الجنوب ولهيئة تحرير الشام في محافظة إدلب والإدارة الكردية في الشرق. ومن هنا يمكن البناء على الحراك من أجل الخلاص من الواقع المزري الذي وصله السوريون في كافة مناطقهم. ورغم بعض الفروقات الطفيفة بين منطقة وأخرى، فإن ما يوحّد السوريين اليوم هو أنهم باتوا يواجهون سلطات أمر واقع ترعاها روسيا كما هو حال الأسد، وأميركا كما هو حال الإدارة الذاتية، أو جهات إرهابية قمعية كما هو الحال مع هيئة تحرير الشام.

القاسم المشترك بين الجهات الثلاث هو أنها ضد أي حراك مدني سلمي، ولن تتوانى في تخريب السلمية، وهذا الأسلوب سبق وأن جربه الأسد منذ بداية الثورة، ونجح فيه عندما أبعدها عن طابعها السلمي، وجرها إلى مربع المواجهة العسكرية، ولا يزال يلعب هذه الورقة حتى الآن، ولذلك ركز إعلامه على وصم حراك السويداء بأنه مدبّر من الخارج. أما الإدارة الذاتية الكردية فهي تسارع إلى رفع شماعة داعش، كلما أحست بأن وضعها مهدد، ولذلك تلجأ بين حين وآخر إلى التلويح بورقة معتقلي داعش لديها، أو عودة الدواعش إلى العمل في البادية السورية وريف دير الزور. وقد يكون الأمر صحيحا، ولكن ليس هناك إمكانية لفرز الصحيح من التوظيف السياسي، خصوصا وأن أساليب الإدارة الذاتية لا تختلف عن طريقة عمل أجهزة الأسد، فهي قائمة على التمييز والفساد والتصرف بثروات الجزيرة، وتنسق الكثير من خطواتها مع دمشق والروس.

وحتى يتمكن الحراك من التحول إلى تيار واسع يحتاج إلى تنظيم نفسه بالاستفادة من أخطاء الماضي

وحتى يتمكن الحراك من التحول إلى تيار واسع يحتاج إلى تنظيم نفسه بالاستفادة من أخطاء الماضي، وأهمها الإصرار على الطابع السلمي، واستبعاد كل ما يمكن أن يقود إلى السلاح. والأمر الثاني هو الاعتماد على الذات وخصوصا في ما يتصل بالتمويل والإعلام. والأمر الثالث هو التنسيق بين مناطق الحراك الحالية والعمل على كسب رأي عام محلي وخارجي يساعد في دعم الحراك.

وربما تلقّى الحراك الحالي ضربة من أجل القضاء عليه. إلا أن هذا مؤقت طالما أن سلطات الأمر الواقع الثلاث مؤقتة، ودورها مرهون بتفاهم الأطراف الدولية التي تتحكم بسوريا، روسيا، أميركا، تركيا. في حين إن الحراك السلمي يبقى مستقبل سوريا، ولن يتمكن أحد من توظيفه إذا استفاد من أخطاء الثورة المغدورة.