الحراك العشائري في الجزيرة السورية

2020.08.26 | 00:00 دمشق

sffwttt.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعود العشيرة في منطقة الجزيرة السورية إلى لعب دور سياسي في هذه الفترة، بعد أن غابت سلطة الدولة السورية، وتم تقسيم المنطقة بين سلطات مختلفة، أبرزها سلطة الأمر الواقع التي تتمثل بالإدارة الذاتية الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، وتأتي في الدرجة الثانية الميليشيات الإيرانية التي تعمل إلى جانب النظام في محافظة دير الزور، وأقل في محافظة الحسكة. وتشهد محافظة دير الزور تحركات عشائرية على درجة كبيرة من الأهمية، تتزعمها مشيخة بيت الهفل التي تعد المشيخة الرئيسية لعشيرة العكيدات كبرى عشائر محافظة دير الزور، وأكثرها تماسكا وعصبية قبيلية، وتقود مشيخة الهفل ممثلة بالشيخ ابراهيم خليل الهفل حراكا ضد حكم "قسد" للمنطقة،  وسيطرتها على الثروة النفطية والغازية والاستئثار بها من أجل خدمة مشاريعها السياسية، وترك المنطقة فقيرة بلا خدمات أساسية.

أبرز العشائر التي بقيت قائمة حتى يومنا في الجزيرة الجبور، البكارة، طي، شمر، العكيدات، العفادلة، والبوشعبان.

تتشكل منطقة الجزيرة السورية من مكونات عشائرية، حالها حال العراق والأردن وأجزاء من فلسطين ولبنان. ورغم التطور الذي عرفته هذه البلدان بقيت العشيرة ركيزة أساسية للبناء المجتمعي العام، ولم يؤثر تراجع دورها على بنيتها، وظلت الروابط العشائرية تشد أبناء المكون العشائري مع أنها غير فاعلة بما فيه الكفاية. وأبرز العشائر التي بقيت قائمة حتى يومنا في الجزيرة الجبور، البكارة، طي، شمر، العكيدات، العفادلة، والبوشعبان.

ومارست السلطات التي تعاقبت على حكم منطقة الجزيرة سياسة ضرب المكون العشائري والعشيرة كمرجعية لأبنائها في الأزمات. وبدأ الاتجاه إلى تحجيم العشيرة خلال الاستعمار الفرنسي، حيث لعب شيوخ العشائر دورا أساسيا في تنظيم مقاومة فرنسا، وتشكلت قوات حرب العشائر ضد الاستعمار الفرنسي، وشاركت بقوة في الثورة السورية، وبرز منها زعماء معروفون كان لهم دور أساسي في الحفاظ على هوية المنطقة العربية، ومقاومة مشاريع فصل الجزيرة عن سوريا، وتحويلها إلى دويلة مستقلة.

وتعتبر الجزيرة أغنى مناطق سوريا على عدة مستويات: الزراعة والثروة الحيوانية، النفط والغاز، المياه، والآثار. وفيما يخص الزراعة والثروة الحيوانية تعد الجزيرة خزان سوريا من القمح والثروة الحيوانية، وخاصة الأغنام بفضل المساحات الواسعة للرعي، وهي المنتج الأساسي للقطن على ضفاف الفرات والخابور وبقية الروافد الأخرى. وتنفرد في أنها تحوز على  ثروتي النفط والغاز، فهي تسد الاستهلاك المحلي، وكانت تصدر قبل الثورة في حدود 300 ألف برميل يوميا. أما على المستوى الآثاري فهي أرض حضارات قديمة منذ الألف العاشر قبل الميلاد، ويمكنها أن تنافس على هذا الصعيد وتتحول إلى مقصد سياحي جذاب.

أُهملت الجزيرة خلال فترة حكم حزب البعث الذي تعاطى معها كبقرة حلوب، وكان يتم استنزاف ثرواتها من دون أن تحظى بخدمات لائقة.

وأُهملت الجزيرة خلال فترة حكم حزب البعث الذي تعاطى معها كبقرة حلوب، وكان يتم استنزاف ثرواتها من دون أن تحظى بخدمات لائقة. وحتى وقت قريب، كانت من دون مؤسسات تدريس جامعية، وهي تفتقر إلى مطار وبنية تحتية متينة وخطوط كهرباء وشبكات هاتف جيدة ومدارس ومشافي..الخ. وإلى جانب النهب، سلطت سلطات الرئيس السابق حافظ الأسد أجهزة الأمن على المنطقة وحكمتها بالحديد والنار، ونكلت بأهلها تحت ذريعة ميل المزاج العام نحو العراق بسبب الامتدادات العشائرية والتمازج التاريخي بين المنطقتين، ولذلك عملت على ضرب بنية العشيرة، وتقريب زعامات لا وزن لهم داخل المكون العشائري، أو من الذين ترفضهم العشيرة بسبب تبعيتهم واستزلامهم لأجهزة الأمن.
واليوم ينهض الحراك العشائري بمهمة صعبة جدا بعد حوالي نصف قرن من العمل المنهجي لضرب بينية العشيرة. ويجري التعويل على العشيرة في الجزيرة بسبب غياب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من أجل الدفاع عن الجزيرة بوجه محاولة تحويلها إلى دويلة كردية تحت مسميات مختلفة وبدعم أميركي. والمهمة الأولى التي على العشيرة النهوض بها هي بلورة خطاب جامع بين أبناء المنطقة، يقوم على رفض مشاريع الإدارة الذاتية الكردية، والعمل بشتى الطرق على اعتبار الجزيرة جزءا لا يتجزأ من سوريا، وإن وجود عدة مكونات لا يسقط هويتها السورية ضمن الدولة السورية الواحدة. والمهمة الثانية هي مواجهة نهب الثروة. والمهمة الثالثة هي الوقوف أمام مشاريع ضرب هوية المنطقة من خلال رفض مشاريع تعليمية تحاول الإدارة الكردية فرضها بالقوة. ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون اتحاد العشائر على أسس واضحة، وبناء كيان سياسي مستقل يمثل منطقة الجزيرة بكافة محافظاتها: الرقة، دير الزور، والحسكة.