الجولاني يتوسل العفو الأميركي

2021.06.06 | 06:38 دمشق

frontline-mohammad-al-jolani.jpg
+A
حجم الخط
-A

توسل العفو من الولايات المتحدة، يشكل العمود الفقري للمقابلة مع أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم "هيئة تحرير الشام" التي أجراها الصحافي الأميركي مارتن سميث في موقع "فرونت لاين" الأميركي في إدلب في شباط/فبراير الماضي. وهي عبارة عن جزء من فيلم وثائقي بعنوان "الجهادي" يهدف إلى تقديم صورة جديدة عن الجولاني الذي خصصت وزارة الخارجية الأميركية – برنامج من أجل العدالة عام 2017 مكافأة مالية قدرها 10 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، وجددت الإعلان في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، الأمر الذي فسره الخبراء المتابعين لمسار تطور زعيم جبهة النصرة سابقا، بمنزلة رفض من الإدارة الأميركية لكل الجهود التي تقوم بها الهيئة وزعيمها، في محاولة للخروج من التصنيف على قوائم الإرهاب العالمية.

المقابلة تمثل درسا بليغا في فقه التملق، فالجولاني الذي ينشد العفو الأميركي، لا ييأس من توجيه رسائل طلب الصفح من خلال وسائل الإعلام، في وقت يعمل فيه بخط مواز على الأرض عبر قيادة حملة شعواء للقضاء على جيوب وشخصيات توجد في مناطق نفوذه، وهي مصنفة على لوائح الإرهاب الأميركية، لا سيما تنظيم حراس الدين الذي انشق عن هيئة تحرير الشام، واتهمها بأنها تهادن أميركا. وسجل خبراء أمنيون العمليات الأميركية لتصفية العديد من الشخصيات الجهادية في منطقة نفوذ هيئة تحرير الشام في خانة التعاون بين الأجهزة الأميركية والجولاني، وجرى التوقف عند مقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 في محافظة إدلب ضمن منطقة تسيطر عليها أمنيا هيئة تحرير الشام. ورأى مراقبون أن هذه الهدية الكبيرة التي كان للجولاني دور في تقديمها لواشنطن لن تمر من دون مكافأة أميركية، ولكن الحسابات لم تأت على حساب الطموحات، لأن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب جددت إعلان الفدية المرصودة لرأس الجولاني.

واضح أن المقابلة الجديدة مخصصة لغرض تبييض صفحة الجولاني وتقديمه بصورة يقبله فيها الرأي العام الأميركي كإرهابي تائب، ولذا ركز على هذه المسألة، وخاطب الرأي حد الاستعطاف وطلب إبداء التفهم، والنظر إلى وضعه الجديد بعين أخرى كمسؤول عن قطاع واسع من سوريا يواجه ظروفا صعبة. ويبدو أن هذه التجربة الجديدة تجري وفق بروتوكول مدروس ومتفق عليه بين الطرفين، الجولاني والصحافي الأميركي. والعتبة الأولى فيه هي الاعتراف بالانتماء إلى القاعدة وداعش مع تسجيل هامش اختلاف "أكرر وأكرر، إن حقبة انخراطنا مع القاعدة في الماضي انتهت، وحتى في ذلك الوقت عندما كنا مع القاعدة، كنا ضد الهجمات الخارجية، وهو أمر مخالف تماماً لسياستنا في القيام بها، خروج عمليات خارجية من سوريا لاستهداف الأوروبيين أو الأميركيين، لم يكن هذا جزءاً من حساباتنا على الإطلاق، ولم نقم به على الإطلاق." ويميز نفسه عن الآخرين " كان دوري في السجن هو توصيل الإيديولوجيا المناسبة للأشخاص من حولي، أدركت في السجن أن هناك العديد من الأفكار الخاطئة حول المعنى الحقيقي للإسلام، والمعنى الحقيقي للدفاع، وعملية الجهاد، لكنني فضلت عدم الخلاف مع أي شخص هناك، لذلك بدأت في تثقيف الناس حول المفاهيم الحقيقية حتى اكتسبت بعض الشعبية بين الأسرى".

والخطوة الأساسية في البروتوكول هي إدانة هجمات القاعدة واستنكار إرهاب داعش، وهذا واضح حين يتحدث الجولاني عن هجمات 11 سبتمبر

والخطوة الأساسية في البروتوكول هي إدانة هجمات القاعدة واستنكار إرهاب داعش، وهذا واضح حين يتحدث الجولاني عن هجمات 11 من سبتمبر، فهو يقف ضدها بوضوح "حين كنا في القاعدة كنا ضد الهجمات الخارجية"، ولكني "أحاول أن أشرح، بموضوعية، حالة المنطقة في ذلك الوقت، وأنا، كشاب عاش خلال هذه المرحلة، أشرح مشاعري الخاصة ومشاعر الناس من حولي خلال ذلك الوقت." وتتمثل الخطوة الثانية في طلب الصفح من خلال توجيه رسائل إلى الرأي العام الأميركي، والقصد من ذلك واضح، وهو إظهار الجولاني بالشخصية التي تهتم بإصلاح صورتها القديمة وتنظيفها مما علق بها، وتكوين صورة مختلفة لزعيم مدني يتولى قيادة منطقة من سوريا تعيش وضعا خاصا، وتواجه إرهابا مركبا من النظام وروسيا وإيران، وهذا يقود إلى الخطوة الثالثة في البروتوكول وهي طلب الصفح وفتح صفحة جيدة، وهذه عملية لن تتم بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى عملية بناء ثقة، وإذا جاز القول فإن الجولاني يمر بمرحلة اختبار قد تطول، وخلالها تراقب الأجهزة الأميركية المختصة وضعه، ولن ترفع عنه الحكم كليا أو جزئيا إلا عندما يحقق الشروط التي تنطبق على الإرهابي التائب.

والنقطة الرابعة من البروتوكول هي التعهد بعدم القيام بأي عمل إرهابي "لم نشكل أي تهديد للمجتمع الغربي أو الأوروبي: لا يوجد تهديد أمني، ولا تهديد اقتصادي، ولا شيء آخر...لهذا السبب تم تسييس هذا التصنيف، وندعو الدول التي اتخذت هذه الإجراءات إلى مراجعة سياساتها تجاه هذه الثورة". وكي يخلط الأوراق فإنه يقدم نفسه كجزء أساسي من الثورة السورية التي يتحمل مسؤولية عن ضربها وتصفية فصائلها. ويقدم نفسه على أنه الآن ثائر سوري "بادئ ذي بدء، أنا لا أجبر الأميركيين على الاستماع إلي، أنا أنتقد السياسات، وهذا حقي، وأنا أمثل جزءاً كبيراً من الثورة السورية، ولا أقف على هامش الثورة السورية. من حقي أن أتحدث بصوت عالٍ، لأقول كيف ينبغي أن تكون الأمور، لصالح الثورة السورية، وما هي السياسات المناسبة وغير المناسبة، لكن لا أجبرهم على الاستماع إليّ، هذا متروك لهم تماماً."

المقابلة طويلة وتذهب في منعرجات كثيرة. وما يميزها أنها تطرقت إلى أكثر الأسئلة أهمية بالنسبة لما يترتب على تقديم الجولاني بسيرته الصريحة لأول مرة، وهو الأمر الذي استعصى على الأمنيين والباحثين طيلة عقد من الزمن كان فيه الجولاني لغزا تتضارب من حوله الروايات، وخصوصا مكان ولادته وطفولته وشبابه وملامح الطريق الذي قاده إلى القاعدة وداعش في العراق وعاد به إلى سوريا ليشكل نظاما أمنيا صلبا، ويلعب دورا أساسيا وسط منطقة بين النفوذين الروسي والتركي، وهو ما لم ينهض به كل فصائل الثورة السورية، وهنا يكمن ما هو غير مكشوف من رواية الجولاني.