الجهادية بعد مقتل الظواهري؟

2022.08.07 | 05:06 دمشق

الجهادية بعد مقتل الظواهري؟
+A
حجم الخط
-A

أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، قبل 5 أيام عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في عملية نفذتها إحدى المسيرات داخل العاصمة الأفغانية، كابول. وقال إن العدالة قد تحققت بعد أن أصبح هذا الإرهابي غير موجود.

بقدر ما قد نتفهم فرحة الإدارة الأميركية مع بايدن بعد هذا الإنجاز الأمني والسياسي والانتخابي لا بد من تفهم أسباب عدم اعتراف القاعدة بالعملية حتى الآن وانتقادات قيادات طالبان لما جرى "دون علمها وموافقتها". هناك مرحلة امتصاص الصدمة التي لا بد منها.

حمل مكان العملية وتوقيتها وطريقة تنفيذها معه الكثير من الدلالات طبعا. لكنه يطرح الكثير من التساؤلات:

من السهل للظواهري التخفي في كابول وكيف كان يتحرك ويلتقي بكوادره ويعقد اجتماعاته ويعطي أوامره؟ هل تعرّض للخيانة من قبل طالبان لقاء مكافأة سياسية من واشنطن؟ كيف سيكون شكل العلاقة بين طالبان وأميركا بعد العملية؟ وهل ستواصل واشنطن تصعيدها ضد قيادات طالبان في الحكم أم هي ستكتفي بهذا القدر؟ ما مصير التنظيم وكيف سيستقبل ما تبقى من "جهاديين" بعد الضربة؟ وما هي الدروس التي ستستخلصها قيادات "الجهادية" وكوادرها في أكثر من مكان؟

المقايضة حاصلة بين الإدارة الأميركية وطالبان شئنا أم أبينا لكن شكلها وحدودها غير معروف بعد. ما الذي ستطالب به واشنطن وما الذي ستعرضه طالبان للملمة الموضوع؟

أعادت عملية تصفية الظواهري الكثير من الاعتبار لأميركا بعد انسحابها السريع والمخيب من أفغانستان وتخليها عن حلفائها المحليين لصالح طالبان وهيمنتها بالقوة على السلطة. كما أن نجاح العملية المعدة من قبل أجهزة الاستخبارات ذكرت مرة أخرى بقدرات الأجهزة الأميركية في الحصول على المعلومة والرصد والتعقب لأشهر طويلة تمهيدا للإعلان عن ساعة الصفر واللحظة المناسبة للقضاء عليه.

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن حركة طالبان قد انتهكت "على نحو صارخ" اتفاق الدوحة، من خلال إيواء زعيم تنظيم القاعدة لديها وفي أرقى أحياء العاصمة كابول. المقايضة حاصلة بين الإدارة الأميركية وطالبان شئنا أم أبينا لكن شكلها وحدودها غير معروف بعد. ما الذي ستطالب به واشنطن وما الذي ستعرضه طالبان للملمة الموضوع؟

مرحلة ما بعد تصفية الظواهري ستكون صعبة على أكثر من طرف معني بشكل مباشر أو غير مباشر: أول المعنيين هي طالبان التي ستدفع إما ثمن توفيرها الحماية والرعاية لقيادي "جهادي" مطلوب للعدالة وخروجها عن تعهدات اتفاقية الدوحة الموقعة مع أميركا وتلزمها بالتخلي عن آية علاقة لها بالتنظيمات الإرهابية. وإما ثمن اشتراكها في الخطة الأميركية مما سيعرضها للمساءلة من قبل الحلفاء والشركاء الذين نسقت معهم لسنوات وهي تقدمهم قرابين لأميركا هذه المرة.

الاحتمال الأقرب هو أن تكون قيادات طالبان وأجهزتها الأمنية شريكا في تقديم المعلومة وتنفيذ الخطة تمهيدا لرسم علاقة جديدة مع العالم وأن يكون رأس الظواهري هو ثمن المرحلة الانتقالية في حكم طالبان للخروج من عزلتها الأممية والدولية ومنحها المزيد من الفرص السياسية والاجتماعية والاقتصادية لاختيار مسارها الجديد في أفغانستان وتحديد شكل علاقتها مع الداخل والخارج. فهل تستفيد بقية المجموعات المتطرفة والمتشددة مما ستقوم به طالبان؟

سيدور الشك اليوم في صفوف طالبان حول من هو المتعاون المحلي مع أميركا لتنفيذ عملية كبيرة بهذا الحجم. هل هي المعارضة الأفغانية التي ما زالت تنسق مباشرة مع واشنطن رغم تسليمها السلطة لطالبان وتريد الانتقام منها. أم أن المتعاون هي طالبان نفسها التي تريد التحرر من عبء القاعدة والظواهري والحصول على الاعتراف والقبول الدولي. أسلوب طالبان في الإدارة والحكم في المرحلة المقبلة هو الذي سيحمل لنا الإجابة على هذا السؤال. دون أن نستبعد احتمال حدوث انشقاقات في صفوف مجموعات طالبان الفكرية والسياسية بعد هذه العملية.

إزاحة الظواهري ستترك إيران أيضا أمام وضعية صعبة ومعقدة بسبب الحماية والرعاية التي تقدمها للشخصية الثانية في تنظيم القاعدة وهو المرشح المحتمل لخلافة الظواهري والمعروف باسم "سيف العدل". فكيف ستتصرف طهران؟ هل ستفاوض واشنطن على رأس المرشح الجديد أم هي سترفض علاقتها بالقاعدة رغم التقارب الحاصل بين الجانبين في الأعوام الأخيرة واللقاءات التي تمت بين قيادات هذه المجموعات والأجهزة الأمنية في "حزب الله" بوساطة إيرانية في الضاحية الجنوبية لبيروت والتي تحدثت التقارير الغربية عنها أكثر من مرة؟

ستسهم هذه العملية في رفع رصيد الرئيس جو بايدن في الداخل الأميركي، لكنها ستخدم أكثر هدف اصطفاف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الغربية والإقليمية وراء واشنطن التي أثبتت قدراتها وكفاءتها في مواجهة الإرهاب أينما كان وكيفما تحرك. العملية وهو الأهم ستعيد الاعتبار للقوات الأميركية التي غادرت أفغانستان على عجل وسلمت البلاد إلى طالبان وستفتح الطريق أمام سيناريو أميركي جديد يقيد حركة هذه الجماعات وطريقة إدارتها للمؤسسات في أفغانستان.

الضربة ستكون موجعة للقاعدة وكوادرها وقواعدها التي فقدت الكثير من ثقلها على الأرض تماما كما حدث مع داعش ومجموعات راديكالية متطرفة أخرى ما زالت تستغل الفراغ الجغرافي والأمني والسياسي للبقاء على قيد الحياة. رسالة واشنطن هي للقاعدة اليوم لكنها تعني حركة الشباب في الصومال والخلايا المنتشرة في مناطق الساحل الشمالي لأفريقيا وبقايا داعش وتفرعاتها عندنا. كيف ستتلقى مجموعات "جبهة النصرة" الرسالة وهل سيكفي أميركا أو روسيا أو دول المنطقة إعلان هذه المجموعات انشقاقها عن المنبع وتبني مسار آخر تبقى الجهادية هي الشعار الأول المرفوع فيه؟

القاعدة انتهت قبل أن يقتل الظواهري. والتركيز سيكون بعد الآن هو على معرفة مصير بقية المجموعات التي ترفع لواء الجهاد بتوجهه راديكالي متطرف وممارساتها التي وحدت العالم ضدها في المنطقة بعدما أطاحت بحلم الكثير من الثورات وحولت المسألة إلى عداء عابر للحدود والقارات تحت الغطاء الديني أو المذهبي.

تصفية الظواهري بالنسبة لواشنطن تعني مواصلة تصفية الحسابات مع القاعدة التي تتحمل مسؤولية أكثر من عملية إرهابية في الولايات المتحدة وخارجها قُتل على إثرها الآلاف من الأبرياء وكان أكبرها هجمات 11 أيلول 2001 في نيويورك. من سيخلف الظواهري مهم طبعا لكن الأهم هو أين سيقيم وكيف سيتحرك ومع من سينسق ومن سيتجرأ على تقديم الدعم له؟

الأمور خرجت عن مسارها وكل مجموعة ستساوم على إهداء المجموعة الأخرى لأجهزة الأمن والاستخبارات الغربية والإقليمية في محاولة لإطالة عمرها

الأرضية المناسبة لبروز وانتشار هذه المجموعات وأفكارها تتراجع وتتقلص وتنحسر يوما بعد آخر حتى ولو زاد عدد أنصارها حيث تسيطر وتهيمن. لم يعد أصلا بمقدور هذه الجماعات إقناع الآخرين بما تقول وتفعل بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية والمعيشية الحاصلة والتي لم تعد تعطيها ما تريده كما كانت الحالة قبل نصف قرن. هي لا تختار مكان "الجهاد" وتوقيته ومساحته بل هناك من يحدد لها أين ستكون وكيف ستتصرف ومتى ينتهي دورها.

المتاجرة بالجهادية فقدت بريقها منذ عقدين وما تبقى من كوادر لا يمثل الفكر والنظرية ولا يملك مؤهلات تخوله إعادة بناء المهدم. الأمور خرجت عن مسارها وكل مجموعة ستساوم على إهداء المجموعة الأخرى لأجهزة الأمن والاستخبارات الغربية والإقليمية في محاولة لإطالة عمرها. من يتلاعب بهذه الجماعات اليوم لم يعد يحتاجها لفترة زمنية طويلة لأن التوازنات والمعادلات والصفقات والمتطلبات تتغير، وكلما تأخرت وترددت هي في إعلان الندم والعودة عن الخطأ كلما فقدت آخر الفرص السانحة لها في الطريق إلى الانتحار.

"الجهادية" خسرت الكثير في الأعوام الأخيرة ليس فقط بسبب الشرذمة والاحتراب فيما بينها وولائها للعديد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية ورفع شعارات وهمية خيالية لا فرص لها في الممارسة والتطبيق. المساحة التي عثرت عليها لإعلان دويلاتها والترويج لنمط عيشها كانت اصطناعية مفبركة تتحرك بقرار وتوجيهات آخرين ولا تختلف كثيرا عن مدينة "ذا ترومان شو". تنتهي مهمتها ما إن ينتهي هدف تأسيسها وإبرازها وفتح الطريق أمامها وتكتمل مراحل التصوير والتنفيذ. الأعين مشدودة الآن صوب مسارح واستديوهات متبقية تعيش في عالم الوهم وتحمل الأبرياء ثمن ما تتبناه وتدافع عنه وتروج له بقرار وإرادة الآخرين.