الجنوب السوري يشهد تصفية الحسابات بين إيران وإسرائيل

2021.02.15 | 00:03 دمشق

israel111.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي تتواصل فيه جهود الجيش الإسرائيلي لإبعاد إيران وحزب الله عن هضبة الجولان، فإن محاولاتهما للسيطرة على جنوب سوريا اتخذت شكلاً مختلفاً، وبالتزامن مع ذلك وقعت عشرات الانفجارات الغامضة في الأشهر الأخيرة في محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سوريا، وهي ناجمة عن هجمات لسلاح الجو الإسرائيلي، تخللها اشتعال النيران في مستودعات الذخيرة والأسلحة.

في بعض الحالات، أبلغ السوريون عن انفجارات طويلة، مما يشير إلى حجم مخابئ الأسلحة، بعضها قريب جداً من المناطق الحضرية بطريقة تشكل خطراً عليهم، ولم تدع العلاقة بين عشرات التقارير مجالاً للشك بأن الجيش الإسرائيلي زاد من ضغوطه التي تشملها الحملة السرية ضد خطة حزب الله وإيران لإنشاء قواعد عسكرية في المنطقة.

جيش الاحتلال الإسرائيلي يبدو أكثر تصميماً في الموضوع السوري، بالإعلان أنه لن يسمح بأن تصبح هضبة الجولان نموذجاً جديداً لجنوب لبنان

لا تتردد الاستخبارات الإسرائيلية في الادعاء بأن "المحور الإيراني" مستمر بترسيخ نفسه لإلحاق الضرر بإسرائيل عبر الجولان، مما يزيد من الجهود الإسرائيلية لإلحاق الضرر بهذه القدرة، وتقليصها، ولذلك تقلل هجماتها من الخطة الإيرانية لترسيخ نفسها في جنوب سوريا، لكن الخطة الأمنية والعسكرية في إسرائيل تغير شكلها فقط، دون التخلي عن الفكرة الأصلية، بوضع حد للتهديدات القادمة من سوريا ضد إسرائيل.

في الوقت ذاته، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يبدو أكثر تصميماً في الموضوع السوري، بالإعلان أنه لن يسمح بأن تصبح هضبة الجولان نموذجاً جديداً لجنوب لبنان، لأن حزب الله يعمل هناك في غطاء كامل من جيش النظام السوري، في محاولة لمد نفوذه، وقدراته، وخلق جبهة ثانية مع إسرائيل.

قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تساهم بالدور الأكبر ضد عملية التأسيس للوجود الإيراني في الجنوب السوري، تتقاسم جهودها هذه مع أجهزة الاستخبارات، حيث تقوم آليات الاستشعار والتقنيات بجمع المعلومات، وتحويلها إلى أهداف للهجوم الجوي، وبعد مرحلة إنتاج الهدف، يتم مهاجمة الأهداف الدقيقة، وبات ما نسبته 70٪ مما ينتجه الرصد الميداني من أهداف تمت الموافقة عليها كهدف للهجوم.

يعترف الإسرائيليون بأن البحث عن تلك الأهداف في هذه المنطقة العمرانية من جنوب سوريا، حيث هضبة الجولان والقنيطرة وغيرهما من المحافظات السورية، أشبه بالعثور على إبرة في كومة قش، لكن هذه الجهود العملياتية الإسرائيلية ضد محاولات إيران لترسيخ نفسها في جنوب سوريا يشكل تحدياً كبيراً للإيرانيين وحزب الله، صحيح أنه لا يوجد في المنطقة مناصرون لهم من الناحية المذهبية تقريباً، لكن الحقائب الإيرانية محملة بالدولارات، خاصة عندما يكون الأجر اليومي في سوريا حوالي دولارين في اليوم.

قبل عامين كانت القصة مختلفة، عندما كشف الجيش الإسرائيلي عن نشاطات إيران وحزب الله في هضبة الجولان السورية، وضمت "القيادة الجنوبية" قوات من حزب الله وإيران والجيش السوري التي عملت على تعزيز إقامة البنى التحتية والتنظيمات على الأرض.

تستعيد المحافل الإسرائيلية ما شهده العام 2019، حين أعيد تنظيم القوات على الجانب السوري، هذه المرة بطريقة أكثر سرية ومحدودة، حيث يسيطر عليها حزب الله، وتتضمن سعياً دؤوباً لجمع المعلومات الاستخبارية حول نشاط الجيش الإسرائيلي، والتخطيط، والاستعداد لهجمات مسلحة على الحدود السورية، ليس فقط لأن هذه القوات تعمل بصورة سرية، ولكن لأن الروس وافقوا على خرق الالتزام بنزع السلاح من الحزب والإيرانيين ضمن 80 كم من الحدود.

أجرى الإيرانيون وحزب الله تقييماً للوضع الأمني هناك، وقرروا تغيير أنماط العمل، من خلال النشاط الأقل علانية، وبعيداً بشكل كبير عن الحدود الإسرائيلية، لكنه نشاط يتطور بطريقة تعرف كيف تستوعب في المستقبل الآلاف من أعضاء الميليشيات تحت قيادة حزب الله أو فيلق القدس الإيراني، وتتصرف تحت القيادة.

لكن ما فشلت قوات المحور الإيراني في فعله بالقرب من بضعة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية، فإنها تمكنت من التقدم عشرات الكيلومترات في عمق جنوب سوريا، بدعم من ضباط الجيش السوري، وخلقت جبهة القتال ضد تنظيم الدولة والمعارضين السوريين المسلحين وغيرهم من الجهاديين العالميين، علاقة بين المستشارين الإيرانيين وحزب الله وضباط الجيش السوري.

يستذكر الإسرائيليون الدعوة التي وجهها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قبل اغتياله، إلى مقاتليه، بالاندماج في المواقع الأمامية للجيش السوري القائمة في جنوب سوريا، لإنشاء مستودعات أسلحة، ومواقع لجمع المعلومات الاستخباراتية، وخطط عملياتية تخدم المصالح الإيرانية، مثل الهجمات المسلحة، أو المناورات الأوسع، وهكذا وحدت جهات من لبنان وإيران وسوريا قواها العسكرية، واستخدمت الأموال الإيرانية، لنسخ التهديدات من جنوب لبنان إلى سوريا.

ضباط بارزون في حزب الله يديرون معاً نشاطاً لوجستياً واسع النطاق، بالتزامن مع رغبة الإيرانيين بالسيطرة على جنوب سوريا، لإنشاء قواعد ستضغط بشكل كبير على إسرائيل، كي لا تهاجم إيران في المستقبل؛ الأمر الذي يعني استنزاف الجيش الإسرائيلي في الحدود السورية، دون دفع ثمن في لبنان.

وفقاً للمعلومات الإسرائيلية المتاحة، فإن بشار الأسد من جهته يراوح مكانه بين الرغبة في العودة للإيرانيين لمساعدته المستمرة في الحرب لتثبيت نظامه، وبين الرغبة في إعادة السلام لما تبقى من الدولة السورية المفككة، ويريد الروس كسب أكبر قدر ممكن من المال والسيطرة والتأثير حتى يتمكنوا من المناورة بين الطرفين، ومن أجل فهم أكثر لهذه المعادلة يمكن لإسرائيل القيام بمسح أمني استخباري لعدد محاور الحركة الجوية والبرية القريبة والحيوية بين طهران ودمشق وبيروت.

نظام الأسد من جهته لا يريد أن يخسر جنوب سوريا، لكنه في الوقت ذاته لا يحبذ، على أقل تقدير، الجهود التي يبذلها الإيرانيون وحزب الله للاستيلاء على المواقع العسكرية في هذه المنطقة

هذا المسح الأمني يعيد لأذهان الإسرائيليين عدة أحداث، تخللها في الأسابيع والأشهر الأخيرة دوي انفجارات لساعات طويلة، ومشاهدة كرات نارية فوق الحدود السورية اللبنانية، أسفرت عن تدمير مخازن صواريخ وذخائر حزب الله وميليشيات إيرانية، ومقتل وجرح العشرات من عناصرهما، مع أن مستودعات الأسلحة هذه تمتد من إيران إلى دمشق، وتم حفرها في التلال القريبة من مواقع الانفجارات.

نظام الأسد من جهته لا يريد أن يخسر جنوب سوريا، لكنه في الوقت ذاته لا يحبذ، على أقل تقدير، الجهود التي يبذلها الإيرانيون وحزب الله للاستيلاء على المواقع العسكرية في هذه المنطقة، لذلك أمر قبل عدة أشهر شقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة المدرعة بالانتقال من الشمال إلى الجنوب، وهدفها الأساسي حماية النظام ورموز الحكومة هناك.

التقديرات العسكرية الإسرائيلية تتحدث أن الأسد لن يوافق على المدى الطويل على الاشتباكات التي يولدها الإيرانيون وحزب الله في جنوب سوريا، وسيحاول تقليصها بطرق هادئة لاستعادة السيطرة عليها، وكانت الخطوة الأهم بتحريك شقيقه جنوباً، مما يكشف أنه يشعر بالعجز والضعف في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، التي قد يتم تسريعها على المدى الطويل لتهدئة المنطقة، فيما يتوق النظام للاستقرار الأمني، ويخشى على مستقبله.

الأوساط الأمنية الإسرائيلية الرفيعة تعتبر أن هذه فترة حساسة للغاية، وإذا قرأنا الخريطة بشكل صحيح، يمكن لها التأثير على الواقع وتعزيز المصالح الإسرائيلية، لأن الواقع يمكن أن يتغير بسرعة، وتأتي مفاجآت أيضاً من الساحة السورية، فالمنطقة التي منحها الأسد للإيرانيين قبالة سواحل اللاذقية تسمح لهم بالوصول إلى البحر المتوسط، وهذا أمر مقلق وخطير للغاية من قبل إسرائيل.

جميع اللاعبين في سوريا يحاولون التصرف بشكل روتيني، لكنهم في المقابل يحدقون في البيت الأبيض، وينتظرون كيف سيتصرف الرئيس جو بايدن تجاههم، وما هي سياسته إزاء الملف السوري، مع العلم أنه ليس لدى الولايات المتحدة أي نية لسحب قواتها من قاعدة التنف العسكرية ومنطقة البوكمال في سوريا، وهذه بشرى سارة لإسرائيل.

الموقف الإسرائيلي يرى أنه طالما أن الجيش الأميركي موجود في تلك المناطق السورية، فإن تأثيره ليس فقط على الأسد، ولكن أيضاً على الروس، الذين يسمحون في هذه المرحلة لاستمرار الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيران وحزب الله في سوريا.