التوتر التركي الفرنسي بدأ بسوريا وانتهى بسوريا

2020.10.02 | 01:17 دمشق

thumbs_b_c_bbf251e0547549dd361bdb3e2e03e3ec.jpg
+A
حجم الخط
-A

تبدو ساحات المواجهة بين فرنسا في ليبيا وشرق المتوسط بارزة للعيان أكثر من سوريا ولكن في الحقيقة هناك مواجهة في سوريا كانت قبل اندلاع أزمة شرق المتوسط وما زالت مستمرة بعد الهدوء المتحقق هناك.

لم تكن فرنسا حاضرة تاريخيا في الخلاف في شرق المتوسط كما هو الحال مع بريطانيا وإيطاليا بل إن فرنسا كانت حاضرة في سوريا عبر الانتداب الفرنسي من 1920 وحتى 1946 وكان لها دور في زرع سياسات التفرقة بين المجموعات السكانية في سوريا.

ولعل الأهم أن فرنسا ترى أنها التي يجب أن تملأ فراغ القوة الحاصل والذي سيتسع مع الخروج والتراجع الأميركي عن تولي المسؤولية في المنطقة ولا تريد باريس ترك هذه الفراغات لأنقرة.

منذ نوفمبر 2019 والتوتر التركي الفرنسي يسير باتجاه متصاعد، كان سبب التوتر في ذلك الوقت عدة أمور منها خلاف حول السياسة التركية شمالي سوريا حيث انتقد ماكرون الناتو بأنه يعاني من موت دماغي وذلك لأنه يسمح لتركيا بالهجوم على وحدات حماية الشعب في سوريا والتي حاربت داعش، حيث تعتبر تركيا الوحدات تابعة لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا في تركيا، أما الأمر الثاني فهو مذكرتا التفاهم مع حكومة الوفاق الليبية في المجالين البحري والدفاعي.

منذ نوفمبر 2019 والتوتر التركي الفرنسي يسير باتجاه متصاعد، كان سبب التوتر في ذلك الوقت عدة أمور منها خلاف حول السياسة التركية شمالي سوريا

لم يسكت أردوغان أمام تصريحات ماكرون ورد على الأخير بتصريحات قوية "سيد ماكرون، انظر، أتحدث الآن من تركيا، وسأقول هذا في الناتو أيضا، عليك أن تفحص موتك الدماغي أولًا". وقد ذكر أردوغان ماكرون بعدم قدرته على إخراج تركيا من الناتو"هل من شأنك الحديث عن إخراج تركيا من الناتو أو إبقائها؟ هل تمتلك صلاحية اتخاذ قرارات كهذه؟". في الوقت الذي من المفترض أن تتعاون معها كحليف"، كما لعب أردوغان على التناقض بين ترامب وماكرون حيث قال لماكرون: "أنت (ماكرون) لا تفي بالالتزامات التي يجب عليك الوفاء بها للحلف، ولا تدفع الأموال المستحقة للناتو، وفي النهاية تتباهى".

كما ألمح أردوغان حينها إلى نية فرنسا الانخراط في سوريا وأن تدخلها ليس له ما يبرره حيث قال تركيا لديها حدود مشتركة مع سوريا على طول 911 كيلومترا، وأن "اتفاقية أضنة" تمنح تركيا الحق في دخول سوريا لمحاربة الإرهاب. واستطرد أردوغان سائلًا الرئيس الفرنسي: "لكن أنتم أي اتفاقية لديكم تخولكم دخول سوريا؟".

بعد ذلك تواصل الخلاف بين فرنسا وتركيا إلى آفاق أبعد حيث انتقل من ليبيا إلى شرق المتوسط مرورا بالمناوشات بين البوارج العسكرية ووصولا إلى قيادة فرنسا للجهود المناوئة لتركيا والداعمة لليونان في خلافها مع تركيا حول تحديد مناطق النفوذ البحري والمناطق الاقتصادية الخالصة في بحر إيجه وشرق المتوسط.

كان واضحا أن أردوغان أدرك أن ماكرون يفتقر إلى دعم أوروبي لسعيه بخصوص ليبيا وشرق المتوسط وأن ألمانيا ليست مطمئنة لسلوكه غير المنسق فضلا عن أن آلية الإجماع في أوروبا تجعل مالطا قد تبطل أي قرار أوروبي يسعى إلى فرض عقوبات على أوروبا.

عند ذلك حول ماكرون غضبه من تركيا إلى شخص أردوغان وهو الأمر الذي شابهه فيه بايدن بالمناسبة، حيث دعا ماكرون إلى التفريق بين تركيا التي لا مشكلة له معها حسب قوله وبين أردوغان.

لم يفوت أردوغان الفرصة ورد أيضا على ماكرون من جديد حيث قال هذه المرة "سيد ماكرون سيكون لديك المزيد من المشكلات معي شخصيا". أنت "لا تمتلك معلومات تاريخية وتجهل حتى تاريخ فرنسا، فدعك من الانشغال بتركيا وشعبها".

لم يتوقف أردوغان عند شرق المتوسط ولكن واصل نقد ماكرون عبر التاريخ والجغرافيا حيث قال: "تاريخ أفريقيا هو تاريخ فرنسا، من قتل مليون إنسان في الجزائر هو أنتم. ومن قتل 800 ألف في رواندا هو أنتم. لا يمكنكم أن تعطونا درسا في الإنسانية، عليك أن تعلم هذا أولا. أنا شخصيا أخبرته بهذا، قلت له انظر، ليس لديك معلومات تاريخية.. عليك أن تتعلم هذه الأمور أولا".

استطاعت تركيا برعاية الناتو وبتدخل ألماني مواز بدء اجتماعات استكشافية مع اليونان خففت من حدة التوتر والمواجهات العسكرية شرق المتوسط، ومع ذلك بقي أردوغان مستاء من ماكرون ووصفه بالطامع وغير المؤهل كما سأل أردوغان أنصاره : "في حال تركنا كل شيء هل ستتخلى فرنسا عن سياساتها المتخبطة وتتبنى سياسات عقلانية؟ أقول لكم الإجابة هي لا!".

بعد حديث ماكرون عن مشكلته الشخصية مع أردوغان ورد أردوغان عليه كان عجيبا أن ماكرون قد بادر بعد ذلك بوقت قصير للاتصال بأردوغان، وحسب بلومبرغ فقد تناول اللقاء طلبين من أردوغان وطلبا من ماكرون أما مطالب أردوغان فكانت تجنب ماكرون لدعم اليونان وترك سياسته الحالية وإفساح المجال للدبلوماسية الألمانية لحل الخلاف. أما الطلب الثاني حسب الوكالة فقد كان في تخلي ماكرون عن معارضته للتعاون مع أنقرة في إنتاج "منظومة SAMP/T الدفاعية" التي تصنعها شركة "يوروسام" الأوروبية.

وإزاء هذا الأمر ربط ماكرون الطلب الثاني بضرورة توضيح تركيا لأهدافها في سوريا قبل بحث تصدير المنظومات الدفاعية الأوروبية إليها. وقد كان هذا الطلب مثيرا للانتباه ويمكن قراءته بمثابة دعوة لاستكشاف الموقف التركي أو حثه على التماشي مع الرؤية الفرنسية.

يبدو ماكرون أكثر طموحا في السعي نحو النفوذ من أسلافه ومع ذلك فهو يسير على مخططات مرسومة مسبقا وقد سبق وأن نشرت صحيفة لوفيغارو في فبراير 2017 تقريرا بعنوان "أي مكان لفرنسا في النزاع السوري غداة سقوط حلب؟" حيث اعتبر التقرير مشروع إعادة إعمار سوريا الذي يسعى له الاتحاد الأوروبي بمثابة فخ لصالح روسيا وإيران كما أبدى التقرير  حينها تخوفه من تقلص وزن الدور الفرنسي في النزاع السوري، ويبدو أن مهمة ماكرون هي نزع هذا التقلص وعليه أن يحدد هل سيتعاون مع تركيا أم سيبقى ضدها في ظل الصعود الروسي في ليبيا وسوريا؟

ولعل المواقف من النقاط التي ذكرتها بلومبرغ ستكون أبرز مؤشرات على تحديد المسار المستقبلي للعلاقات التركية الفرنسية فضلا عن نتيجة الانتخابات الأميركية القادمة والتي ستلعب دورا جوهريا.

هدأت الأزمة قليلا في ليبيا وشرق المتوسط ومع أنها اشتعلت بين أرمينيا وأذربيجان  وهي ساحة خلاف بين فرنسا وتركيا أيضا فإن سوريا ستبقى من أكثر الساحات التي ستبقى عليها العين الفرنسية.