التكييف القانوني الصحيح لانتخابات الأسد

2021.05.24 | 09:32 دمشق

zh37.jpg
+A
حجم الخط
-A

تكون السلطة شرعية إذا استندت بوجودها إلى الدستور والقانون، وتكون مشروعة إذا ما حازت رضا الشعب، واتفقت في تصرفاتها مع مقتضيات العدالة.

وفيما يتفق فقهاء القانون على الرأي بمشروعية السلطات الثورية، يذهب الفقيه الفرنسي هوريو إلى أبعد من ذلك في منح الشرعية للسلطات التي تستمد وجودها من رضا المحكومين، متوافقاً مع اتجاه واسع يرى أن المشروعية الجماهيرية في الثورة الشعبية طريقٌ شرعيٌ لانتزاع السلطة.

وحيث بَان جهاراً افتقار نظام الأسد للعناصر الواردة في كلا التعريفين، بات لزاماً توصيفه على أفضل تقدير بأنه سلطة أمرٍ واقع، لا تمثل الدولة السورية، وجميع التصرفات التي تباشرها باسمها بحكم المنعدمة؛ ووفقاً للاجتهادات المستقرة في الفقه القانوني الدولي لا تكتمل أركان تمثيل حكومة ما للدولة، دونما تمثيل لشعب هذه الدولة، ودونما سيادة لسلطاتها على كامل أراضيها، ودونما دستور ومنظومة قانونية صحيحة، ودونما علاقات مع كثير من الدول الأخرى.

حق الشعوب بتقرير مصيرها يدعم الاتجاه الغالب في الاجتهاد بانتقال الشرعية زمن الثورات من الحكومات إلى الشعوب، ومع خروج معظم السوريين في مظاهرات سلمية يطالبون فيها برحيله، ومع استمرار رفضهم المكوث في مناطق سيطرته أو الخضوع لحكمه خلال عقد من الزمن فقد الأسد شرعيته.

قرارات مجلس الأمن المتضمنة بيان جنيف لتشكيل هيئة حكم انتقالي بالتراضي ما بين النظام والمعارضة، وتشكيل اللجنة الدستورية، في لائحتها الداخلية ما بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، تستند في مفهومها إلى اعتبار حكومة نظام الأسد منعدمة -أو على أقل تقدير منقوصة الشرعية – وهي في حالتيها تلك غير مخولة بإجراء انتخابات.

قرارات مجلس الأمن بإدخال المساعدات عبر الحدود، صدرت استثناء على العرف الدولي القاضي بعدم دخول الأمم المتحدة أرضي الدول الأعضاء دونما إذنها، ويستند هذا الاستثناء في موجباته إلى السلوك المتكرر لنظام الأسد بإعاقة مرور الشحنات الإنسانية، مثلما يستند في فلسفته إلى الطعن بسيادة وشرعية حكومة نظام الأسد.

يستند النظام في انتخاباته إلى دستور 2012، وعلى ما فيه من انحراف في الشكل وانهيار في المضمون

قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 262 / 67 أشار إلى الاعتراف الدولي الواسع بالائتلاف الوطني السوري بوصفه الممثل الشرعي للشعب السوري، الأمر الذي يثير طعناً كبيراً في تمثيل النظام للدولة، في ظروف الاعتراف بطرف آخر يمثل شعب هذه الدولة.

يستند النظام في انتخاباته إلى دستور 2012، وعلى ما فيه من انحراف في الشكل وانهيار في المضمون، يعتبر هذا الدستور بحكم المنتهي مع قبول النظام بالشروع في إعداد وصياغة المضامين والنصوص دستورية، خارج البلاد وتحت مظلة الأمم المتحدة وليس قبة برلمانه، ومن خلال لجنة تشكَّل اثنين من أطراف اللجنة خارج مؤسساته، وخلافاً لأحكام دستوره القاضي في بابه الخامس أن أي تغيير أو تعديل دستوري يستلزم اقتراحاً من ثلث أعضاء مجلس الشعب، وموافقة الثلثين بعد مناقشة في المجلس، مثلما يستلزم إصداراً من رئيس الجمهورية، الذي نزعت عنه اللائحة الإجرائية للجنة الدستورية هذه الولاية، وأعطت اللجنة صلاحية اعتماد شكل الموافقة الشعبية لإقرار مخرجاتها.

مؤدى عدم حاكمية دستور 2012 على عملية الإصلاح الدستوري، أنه لم يعد سارياً، دستور 2012 قد انتهى، والنظام يجري انتخاباته دونما دستور نافذ يستند إليه.

إن انعدام شرعية السلطة المنشئة للانتخابات يجعل من نتائجها منعدمة، وإن فقدان نظام الأسد لكل من الشرعية والمشروعية، يجعل منه - إن لم نقل عصابة - سلطة أمر واقع، تغتصب الدولة، وتوغل في دماء أبنائها.

ومع ثبوت تورط نظام الأسد في جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية، أسفرت عن قتل واعتقال وتعذيب قرابة الميلون سوري، وعن تشريد ما يزيد على نصف عدد سكان سوريا، وعن تدمير المدن والتعدي على الممتلكات، ومع تسليمه الثروات العامة إلى روسيا وإيران، وتورطه في حجم هائل من الفساد وعمليات النهب لمدخرات السوريين وخيرات بلادهم، بات وجوباً نزع شرعيته وإحالته لمحاكمات عادلة، وأي تقاعس في هذا يشكل انتهاكاً للقوانين الوطنية والمبادئ الدولية في العدالة بإنصاف الضحايا ومساءلة الجناة، وضمان عدم التكرار.

لم ينفذ نظام الأسد أياً من الشروط السبعة، الأمر أثار رفضاً دولياً واسعاً لانتخاباته المزمعة

يستمر نظام الأسد في الاستهتار بمطالب الشعب السوري، وبالقرارات الدولية، ويعلن انتخاباته الرئاسية منتهكاً بشكل سافر لنص البند 4 من قرار مجلس الأمن 2254، المحدِّد سبعة شروط للانتخابات في سوريا، بأن تكون حرة ونزيهة، تجري عملاً بالدستور الجديد، بمشاركة جميع السوريين، تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية في الشفافية والمساءلة، في ظل عملية سياسية، تتضمن حكماً ذا مصداقية شاملاً للجميع وغير طائفي.

لم ينفذ نظام الأسد أياً من الشروط السبعة، الأمر أثار رفضاً دولياً واسعاً لانتخاباته المزمعة، عبرت عنه دول الغرب في مجلس الأمن برفض نتائجها وبعدم الاعتراف بأي مشروعية لها.

يكرر نظام الأسد الإخلال بالتزاماته الدولية، من دون أن تكرر الدول الأطراف في الاتفاقيات الموقعّة صمتها عليه، متخذةً هذه المرة إجراءات – وليس مجرد بيانات – تمثلت في تجميد عضوية النظام بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفي التحرك الهولندي الكندي بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، وعلى هذا القياس علينا، أن نفكر كيف يُسقط نجاحُ الأسد المزيف في الانتخابات، الصفةَ التمثيلية للدولة السورية عن النظام؟ وكيف تُعجّل مباشرته الفترة الرئاسية الجديدة من مغادرته الحكم إلى المحكمة.