التقديس والتدنيس لرئيس سوريا التاسع عشر

2021.06.14 | 06:30 دمشق

218212_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

ليس غريباً ولا من ضرب العجب أن نرى قتيلاً يمجّد قاتله ويثني عليه، بل إنه يفتديه بالروح؛ فهل هذا "من باب المجاز؟" بالتأكيد معظم ذلك حقيقة، ويحصل في سوريا؛ نعم، حيث إن المستحيلات والمتناقضات استحالت شيئاً فشيئاً إلى واقع عقب عام 1970 عندما حكم حافظ الأسد سوريا عن طريق انقلابه الشهير على رفاق دربه.

استقطب حافظ الأسد وأجهزته الأمنية آنذاك شرائح معيّنة من المجتمع السوري، ووشمَ في عقولها شعارات التقديس لشخصه، ولحزبه، ولمكانته "الآدمية"، في مجتمع نظر إليه الطاغية حافظ على أنّه مجرّد قطيع يقوده أنّى شاء، ويذبح منه من يريد، ويهدد من يشذّ عن قواعده بذئابه المفترسة!

ظلّ الشعب السوري على الحال ذاته، ومطوّقاً بالأغلال والنار طوال أربعة عقود، حتى جاءت الثورة السورية في عام 2011، لتقول لوريثه الطاغية بشار الأسد ونظامه "كفى"، بالتزامن مع تقديم أبهظ الأثمان التي شاهدها العالم صامتاً ومتفرجاً على الدماء والدمار! فرأينا شريحة عظمى من السوريين عكستْ ما تقدمنا به حول عبودية الفرد المسحوق المتملّق، والجماعة المقموعة التي سُلبتْ حقوقها وتقوم بتمجيد القاتل وافتدائه.

خلال ما تسمى "الانتخابات الرئاسية" في سوريا، التي جرت مؤخراً، وبعدها – أي عندما فاز الدكتاتور بشار الأسد بنسبة 95.1 في المئة من أصوات "الناخبين"، شاهدنا تجسيداً مبهراً لطبقات اجتماعية منحدرة "أخلاقياً"؛ ترقص وتطبّل، وتتناطح مبتهجةً في الساحات! ولا تزال تراوح مكانها "دون تفكير" بمصيرها، معتبرةً أن هذا القاتل (الرئيس) سوف يجعل من سوريا بعد "فوزه" على "الثيران المعارضين" والمؤامرة الكونية، كوكباً آخر.. ويحوّل هؤلاء الراقصين والمتملقين، والذين لا يشبهون الثيران، إلى رجال أعمال وسيدات مجتمع مخملي، ويضع أبناءهم في أرقى المدارس، ويمنحهم حريّة التعبير السياسي والميتافيزيقي!

إن عدنا إلى مشاهد مصوّرة في قنوات نظام الأسد لاحتفالات وأعراس، نجد أن هذه السعادة الفتّاكة تنمّ عن أمرين: إما أن هؤلاء المحتفلين تم شحنهم ببطاريات كدمى أعياد الميلاد، أو أنهم فرحون بعصر جديد من العبودية، استساغوه، وجعلوا يطالبون سيدهم الرئيس بمزيدٍ من الذل، كي لا تحكّهم جلودهم إن افتقدوه ليومٍ واحد!

سيدات، وآباء، وشباب، وشيوخ، قدّموا بحبور عبارات الشكر والامتنان لقائدهم المفدّى، ورحّبوا بفوز قاتل أبنائهم

في إحدى مناطق سيطرة النظام، قالت سيدة عجوز لمراسلة "وكالة سانا" خلال احتفالات الفوز الساحق والشاهق لبشار الأسد: إنها تفدي بشار بدمها، وروحها، وهي أم لأربعة شهداء وعلى استعداد أن تقدّم ابنها الأخير فداءً لنعليه!

وغيرها من سيدات، وآباء، وشباب، وشيوخ، قدّموا بحبور عبارات الشكر والامتنان لقائدهم المفدّى، ورحّبوا بفوز قاتل أبنائهم، وسالبهم حريتهم وأموالهم!

  • أية عبودية هذي؟  وما في وسعنا القول تجاه هذا الجنون والفصام التاريخي!

يشير "ابن خلدون" في مقدمته الشهيرة إلى الشعوب التي ترزح تحت الاستبداد والقهر، قائلاً؛ "إن الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها."  فهل يا تُرى، تمخضتْ نتائج القهر والاستبداد الأسدي على السوريين جماعاتٍ خاضعةً ومتملقة، وتتميز بأخلاق فاسدة، تنقل عدوى الانحطاط إلى غيرها من "الرماديين" الذين لا يتبنون رأياً ثابتاً؟

نحن السوريين، الذين خرجنا في الثورة، نستبعد أن تكون نتائج القهر والتهميش والترهيب ذات سيرورة دائمة نحو الخضوع ومفسدة الأخلاق؛ لقد كان في ذوات أغلب السوريين منذ ثمانينيات القرن المنصرم جذوات لا تنطفئ تجاه الطغيان، ولم يكونوا صامتين بقدر ما كانوا خائفين من الموت أو الاعتقال والتغييب، وهذا أمرٌ بديهي وغير مذموم تحت وطأة الاستبداد. فهنالك الكثير من السوريين الذين جهروا مراراً بمناهضة حكم آل الأسد، مؤيدين النخبة المثقفة والسياسية التي قادت أكثر من حراك سياسي للتغيير، بعد عام 2000 عندما ورث بشار الأسد السلطة عن أبيه الدكتاتور.

إذن، ليس شططاً، إن قلنا كان السوريون يواجهون أكثر من نظام استبدادي وشمولي، فهم كانوا وما زالوا محاصرين بأنظمة تدعم نظام الأسد؛ عربية وغربية، وظهر ذلك جلياً في الثورة السورية، التي تجاهلها كل العالم، وصمت على المقتلة الشنيعة بحق الأبرياء. طبعاً عدا عن هذه الأنظمة، هنالك "الدينامو" الرئيسي"؛ إسرائيل التي لم تتخلَ يوماً ما عن هذا النظام، ولم تزل تدعم وجوده بشتى الوسائل، سرّاً، وفي العلن عن طريق دول وسيطة منها روسيا، وبريطانيا التي توّجت حافظ الأسد حاكماً بالضرورة على سوريا!

ماذا سوف يفعل هؤلاء المهرجون والشبيحة والمرتزقة إن قررت دول كبرى تغيير مسار اللعبة في الملف السوري؟

 وبالعودة إلى مهرجانات الرقص وطوابير الذل الأسدية، نسأل سؤالاً واحداً لا غير؛ ماذا سوف يفعل هؤلاء المهرجون والشبيحة والمرتزقة إن قررت دول كبرى تغيير مسار اللعبة في الملف السوري، وأمرت سيدة القرار -أميركا، أو القدر، باستبعاد بشار الأسد؟

هل سيقولون لأولياء الدم "نحن آسفون، كنّا مغيبين خلال عشر سنوات وتعالوا إلى كلمة سواء؟!"

هذه ليست شماتة أو تحريضاً على أي سوري، فليس من طباع الأحرار أن يتشفّوا بأبناء جلدتهم إن أخطأوا.. لكن، ما فعلوه ليس خطأً، بل جريمة؛ لماذا نسامح من اصطفَ إلى جانب القاتل ودعمه، دون أن نحاسبه أو يتجرّع على الأقل جزءاً من القهر الذي قدّمه لنا سيادة الرئيس التاسع عشر لسوريا "بشار الأسد".. وهذا يعتبر استفساراً على لسان طفل سوري فقد عائلته ببرميل متفجّر، ويجلس الآن جائعاً في مخيمات النزوح؟