التفسير السياسي لـ "الموز" لدى السوري ومن حوله

2021.10.30 | 13:59 دمشق

 التفسير السياسي لـ "الموز"  في سوريا
+A
حجم الخط
-A

كانت لبطريرك تشيلي في رواية "خريف البطريرك" لمؤلفها غابرييل غارسيا ماركيز عداوة مع الكلاب السوداء وبغضاء، يقول في الرواية، إنَّ لكل دكتاتور عداوة مع جنس من الحيوان. أباد بطريرك "هايتي" كل الكلاب السوداء، لأنَّ أحد المعارضين تنكّر في هيئة كلب أسود. ومن خلفاء بطريرك هايتي محافظ السويس الذي أصدر قبل فترة قرارًا بإعدام كل كلب "يفكّر في إيذاء أبنائنا"، هكذا وردت العبارة في الصحافة المصرية، لكنه تراجع عن قرار إبادة الكلاب ليس إيثارا للحق وإنما بسبب احتجاج منظمات حقوق الإنسان، ولم يذكر التقرير إن كانت منظمات حقوق إنسان أوروبية أم مصرية.

 ارتاب كاتب السطور في أن تكون منظمات حقوق حيوان وليس حقوق إنسان! وقرر المحافظ الغيور "على أبنائنا" تهجير الكلاب إلى منطقة جبلية، ولا أعرف كيف ستعيش الكلاب في مناطق جبلية، فهي كائنات أليفة وليست ذئابا. وكان لماوتسي تونغ عداوة مع العصافير التي تعارض ثورته الزراعية، فأبادها، فقضى على الزراعة، لأنّ العصافير كانت تأكل الدود ولا بد أن الدود سُرّ كثيرًا، وربما خرج يهتف بالروح بالدم نفديك يا تونغ.

وكان لحافظ الأسد حبٌّ للقرود وعداوة مع الأسود فلم يذكر اسم حيوان الأسد في الكتب المدرسية قط منذ أن تولى مصائر السوريين، وقلّت صوره في المجلات، حتى الحكايات التي كان فيها الأسد مثل ابن المقفع ولافونتين حذفت من المناهج وأحرقت، كما أعدمت لصقات الأسد وهي لصقات طبية تمتص الآلام، أما حبّه للقرود فبرهانه مجلس الشعب. ويميل قسم من السوريين إلى أنَّ للأسد خصومة شديدة مع  الشجر أيضا بل ومع الحجر، فقد بقيت سوريا صحراء في عهده بل وأحرقت مساحات من الغابات طمعا في احتلالها عقارياً، وكان يمكن للأسد أن يحوّل سوريا إلى واحة كما فعلت الإمارات ونالت جائزة دولية عليها. وكان المهندس السوري يحيى قضماني هو المشرف على تشجير الصحراء. ويرتاب كاتب السطور في أنّ للأسد صحبة عقائدية مع الموز، فقد تحوّلت تجارة الموز في أواخر التسعينيات إلى حرب بين تاجرين كبيرين على احتكار الاستيراد من الدول المنتجة للموز وعلى رأسها الصومال بعد أن أذن النظام باستيراده.

وقصة الباذنجان شهيرة مع الأمير بشير الشهابي، قال لخادمه مرةً إنه يشتهي باذنجانًا، فمدحه الخادم قائلًا: الباذنجان، بارك الله في الباذنجان، هو سيد المأكولات، لحم بلا شحم، سمك بلا حسك، يؤكل مقليًا، ويؤكل مشويًا، ويؤكل محشيًا، ويؤكل مخللًا، ويؤكل مكدوسًا..

ثم تذكّر الأمير أنّه مرض منه، فلعن الخادم الباذنجان قائلًا: إنه ثقيل، غليظ، نفاخ، أسود الوجه.

فتعجب الأمير من خادمه، يقول الشيء ونقيضه، فقال الخادم: يا مولاي أنا خادم للأمير، ولست خادمًا للباذنجان.

وقرأت في مقالة لعبد الوهاب المسيري أنَّ المنتفضين الفلسطينيين، وجدوا حيلة لإغاظة الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يعاقبون رافعي الأعلام الفلسطينية بعقوبات قاسية، فكانوا يرفعون حزًّا من البطيخ في وجه الجند، ففيه ألوان العلم الفلسطيني، ويعلم  الجمع ممن ضمَّ مجلسنا أنَّ الحاكم بأمر الله كان يحرّم الملوخية، وكان المعز الفاطمي هو الذي أدخلها مصر للاستشفاء،  وأقام الخليفة المعز فيها، وكان يشكو من التهابات في المعدة، فوصف له الأطباء  نبتة علاجًا لها أوراق كانت تسمى «الكوريت»، فأمر الخليفة بزراعتها، واستحسن المصريون مذاق أوراقه فأضافوه إلى قائمة الخضراوات الشهية، وعرف باسم «الملوكية» نسبة إلى الملك الذي كان أول من زرعها، وصحِّف على ألسنة الناس فأصبح «ملوخية»، وفقًا لما ذكر في كتاب المقريزي «حقول الذهب»، وفيه فصل عن الملوخية وطريقة طهيها وبداية زراعتها.

ومرّت الملوخية في مصر بأزمة شديدة عام 1005م، كادت أن تقضي عليها لولا أن تداركها الشعب بلطفه وعنايته، فقد أصدر الخليفة الفاطمي «أبو علي منصور بن عبد العزيز» الذي عرفه التاريخ باسم الحاكم بأمر الله، أمرًا من أوامره العجيبة التي اشتهر بها حرم فيه على الشعب نوعين من الطعام؛ أكل الجرجير في البند الأول، ومنع زراعة الملوخية أو أكلها في البند الثاني، ويرجع السبب في تحريم الحاكم بأمر الله لأكل الملوخية إلى كراهيته الشديدة لأهل دمشق، الذين يرجع أصلهم إلى الخليفة الأموي معاوية، الذي كان يحبُّ الملوخية جدًا.

 يذكر سليم بركات في "سيرة الطفولة" قومًا من الكرد يقدِّسون الملك طاووس، وهم الطائفة الإيزيدية، وهم لا يأكلون الملفوف والخسَّ لأن "الشيطان يسكن الكثافة". ومن أخبار النبات السياسي أنَّ السلطات السعودية أعلنت منع دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية إلى أراضيها أو عبرها، لـ "استغلالها في تهريب مواد مخدرة"، وهي نوع من الشيطان، وبحسب عقيدة السوري البعثية أنَّ الموز من الحرس القديم في سوريا، ولم نر حرساً جديداً، ورأينا شهباً، فقد علم الأسد الجونيور أن سوريا الأسد لا تصلح إلا بما صلح به "السلف الصالح" فأعاد الحرس القديم المتقاعد إلى وظائفهم العسكرية والأمنية.

 وكان ممنوعًا الاقتراب من الموز بسبب غلاء سعره، أما التصوير فلا مانع منه، وصار مباحًا في المنازح، وكان أن تسبب بأزمة سياسية مع بعض الترك، فصار أكله جهارًا في تركيا مثيرًا للفتنة السياسية والنعرات القومية، وقد تسبب في توقيف سبعة سوريين، ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع خبرًا في الصحافة عن الموز الذي تنزلق السياسة على قشوره. في الأمثال يقال: كسره كسر الجوز، وقشره قشر اللوز، وأكله أكل الموز، إذا نهكه ظلمًا. وهو ما وقع للشعب السوري، مقيمًا ونازحًا.

 وشاهدنا ألماناً يأكلون الموز تضامنًا مع السوريين، ويصنعون تلة من قشور الموز، وقد أكلوه نكاية بالترك، وليس حبًا بالسوريين، ولو كان حباً بهم لفعلوا أمرًا آخر، كأن يحتجوا على البراميل أو الغاز، أو يصدروا بعض الموز للمخيمات.

 وفي الأخبار أيضاً أنَّ حزب النصر التركي رفع دعوى بحق شاب سوري جعل هلال العلم التركي موزة، فقد أهان مقدساً سياسياً، والترك يقدِّسون علمهم كما لا يفعل شعب آخر حسب علمي.

 ورد في كتاب "المستطرف في كل أمر مستظرف" أنَّ ابن قزعة دخل يوماً على عزِّ الدولة وبين يديه طبق فيه موز، فتأخر عن استدعائه، فقال: ما بال مولانا ليس يدعوني إلى الفوز بأكل الموز؟ فقال: صفه حتى أطعمك منه فقال: ما الذي أصف من حسن لونه، فيه سبائك ذهبية كأنها حشيت زبداً وعسلاً، أطيب الثمر كأنه مخ الشحم، سهل المقشر، لين المكسر، عذب المطعم بين الطعوم، سلس في الحلقوم، ثم مدَّ يده وأكل.

إنّ سبب عزة الموز وندرته هو ما ذكره ابن قزعة، والطغيان يعني الحاجة ويعني المشقة، والموز سهل المقشر ولين المكسر.

الموزة نقيض "الجوزة الصلبة" التي وصف بها هنري كيسنجر سوريا عقب محادثات في 1974،  كان حافظ الأسد يدرك أن سوريا هي مفتاح المنطقة  كلها.