التعرض للرموز الدينية وحرية التعبير.. الحدود والمساحات

2023.01.27 | 06:24 دمشق

التعرض للرموز الدينية وحرية التعبير.. الحدود والمساحات
+A
حجم الخط
-A

على خلاف ما تدعو له المجتمعات الغربية، بضرورة فصل الدين عن السياسة، باعتبار أن الأخير حيز روحي، مع أنّه يعتبر جزءًا من ظاهرة اجتماعية، يُقدم أطراف اليمين المتطرف في أوروبا باستهداف رموز المسلمين، وذلك من خلال تحقير الرموز الدينية والتعرض لها. الحقيقة تثير حوادث حرق "القرآن الكريم" على مر التاريخ المعاصر؛ ردود فعلٍ متباينة بين اعتبارها مركباً من حرية الرأي والتعبير، مقابل أنّها انتهاك إنساني لقداسية دينية.

وعند تلك النقطة لا يمكن إخراج سياق حادثة الحرق الأخيرة في السويد، عن التجاذبات السياسية أكثر منها فقط من بعدها الاجتماعي؛ أي تلك الواقعة بين تركيا والسويد بشأن عضوية حلف شمال الأطلسي، لا سيما وأن الفعل لم يقتصر على حرق القرآن فحسب وإنما طال في ردة فعل أخرى الدعس على صور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

من الصعب اعتبار أنّ حرق القرآن، يعكس الواقع الحداثي الذي وصلت له المجتمعات الأوروبية، بل هو ممارسة تجسد نمط العصور القروسطية

رغم أن السويد ملتزمة بميثاق حقوق الإنسان لا سيما المادة رقم 10 و17 اللتين تنصان على حماية الحريات العامة وعدم تقييدها لكنها ملزمة بالمقابل بحماية أمنها القومي، ولا سيما وأن تلك النوعية من الاستفزازات تعتبر إهانة مباشرة لمكون سويدي ضمن دول المواطنة مما قد يعرض مفهوم "الرفاه الاجتماعي" أو بمعنى أدق قد يسهم في تكليس التعاقد الاجتماعي الذي يشارك به كل المواطنين السويديين.

في الواقع، من الصعب اعتبار أنّ حرق القرآن، يعكس الواقع الحداثي الذي وصلت له المجتمعات الأوروبية، بل هو ممارسة تجسد نمط العصور القروسطية التي ساد بها هذا النوع من الاستفزازات بين مكونات المجتمع، ونجم عنها صراعات وحروب طويلة الأمد امتدت لعقود ومنها إلى قرون طويلة؛ بالتالي، هي تجسيد حقيقي لعصور ما قبل الحداثة، أو رغبة باستدعاء تلك الحقب المؤلمة في تاريخ البشرية.

وعلى وقع تلك الممارسة السلبية من حيث المبدأ على المجتمعات، لكن مشاركة الدولة فيها عبر حماية من يقوم بتهديد السلم الأهلي، ربما هو أكثر إيلاماً، قد لا يشير بشكل مباشر عن رضٍ كامل، لا سيما بعد الإيضاحات التي خرجت به شخصيات سياسية سويدية في موقع الوظائف السيادية أو من أحزاب مختلفة. لكن يبدو أنّه على الأقل يلمح لعدم شعور الدولة بالخطر؛ فكل فعلٍ لا يشكل خطراً هو من حرية التعبير، بالتالي؛ الأمر مرتبط أكثر بميزان القوة والضعف وليس في المنظومة الأخلاقية للدولة، التي تعتبر "حرية التعبير" ركناً أصيلاً منها.

بالعودة للدولة، إن اقتصار تعريفها لمفهوم "احتكار العنف" على استخدام السلاح، يشير لمشكلة بنيوية -كما يبدو- فهناك أنواع أخطر من العنف مثل انتهاك كرامة الإنسان التي يشكل المعتقد جزءًا منها، فعدم اعتبار "الأصولية" عنف هو انحياز لليمين وليس قبوله/ تقبله كنتاج اجتماعي للأفكار. ولعلّه من الجدير بالملاحظة، على خلفية نقد الديمقراطية بكونها تتيح تلك المساحات، أنّ الفقه الديمقراطي يدين إهانة الرموز، كون حق التعبير لا يقوم فقط على احترام حرية الآخر وإنما حفظ كرامته بالمثل، واحترام ثقافته، بكون الدين هو أحد عناصر الثقافة.

المساس بسمعة الآخرين يعتبر انتهاكاً لحقوقه المدنية، وفي هذه الحالة لا يمكن إخراج الدين عن دائرة المساس الذي يشير لمعانٍ مادية أو معنوية منها المعتقد

بالمجمل، حتّى المنطلقات القانونية لتفسير الحادثة لا تعتبر كافية/ مقنعة، فالقانون هو قاعدة واستثناء بحد ذاته، قواعد القانون العامة حماية الحريات والاستثناء الوحيد هو الحد منها عندما يتعلق الأمر بمثل تلك الممارسات، وهذا من الأصل هو الفهم الديمقراطي للمنظومة القانونية. بينما، تحويلها لمساحات استقطاب سياسي، واستخدام الدين كأداة لإيصال رسائل في السياسات الدولية لا يختلف عن قيام مجموعات وكيانات دينية متطرفة في الشرق الأوسط باستخدام الدين كمطية ديماغوجية لذات الأمر.

وفي ذات النقطة، لم تغفل المواثيق والمعاهدات الدولية الإنسانية والدولية تلك النقطة أي الاستثناء عندما اعتبر ميثاق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966) في المادة 27 والذي وقعت عليه السويد، أنّ المساس بسمعة الآخرين يعتبر انتهاكاً لحقوقه المدنية، وفي هذه الحالة لا يمكن إخراج الدين عن دائرة المساس الذي يشير لمعانٍ مادية أو معنوية منها المعتقد.